الغزو الغربي لجبل اللويبدة
يشكو سكّان جبل اللويبدة –أعرق مناطق العاصمة عمّان- الارتفاع الجنوني لبدل إيجارات الشقق في المنطقة. بعض الشقق يتجاوز بدل إيجارها الشهريّ مبلغ الألف دينار، دون أن يتوفّر فيها ما يقنع المستأجر بعدالة هذا المبلغ.
السبب الرئيس لهذا الارتفاع الجنونيّ لبدل الإيجارات في اللويبدة هو تدفّق الأجانب -الذين يعملون في منظّمات غير حكوميّة تتحمّل دفع بدل إيجار سكنهم- إلى المنطقة، فللويبدة من أجمل المناطق في عمّان، ناهيك بقربها من وسط البلد، وهدوئها، ودماثة خلق سكّانها، ما جعلها المكان الأمثل للعيش.
الأوروبي أو الأميركي الذي تدفع مؤسّسته بدل إيجاره لا يبالي بدفع مبالغ خياليّة لشقّة صغيرة، ما أثار شهيّة أصحاب العقارات لدرجة استعار طمعهم وإصرارهم على تلقّي مبالغ غير عادلة، كبدل إيجار لممتلكاتهم.
ولا تكاد تصدّق أنّك في الأردن عندما تتجوّل في شوارع اللويبدة، فاللغة الإنجليزيّة باتت هي "اللغة الرسميّة" لهذه المنطقة، التي كانت تعدّ قلب عمّان. وما زاد "الطينة بلّة" تفشّي المقاهي في الحيّ بشكل مبالغ فيه، حتّى بات المشهد الاستهلاكي طاغياً على أصالة وعراقة المنطقة.
كانت اللويبدة ملجأ للكتّاب والفنّانين والمثقّفين، إلاّ أن هذا "الغزو الغربي" حوّلها إلى بؤرة "نيويوركيّة"، بكل ما يفوح به المصطلح من نزعات استهلاكيّة، وصخب استعراضي. لم يعد هذا الحيّ الهادئ ملاذاً لأيّ أحد.
والمصيبة أن كثيراً من المراهقين باتوا يتوافدون إلى هذا الحيّ –الذي تعب سكّانه من استلاب هدوئه- بهدف التحرّش. فيما مضى كان يستحيل أن تشكو فتاة من تعرّضها للتحرّش في منطقة اللويبدة، أمّا اليوم فالوضع أسوأ ممّا يمكنك تخيّله.
هذه المنطقة التي تعبّر بمنازلها العتيقة عن أصالة عمّان، باتت –مع الأسف- محض "مول" يتماهى في قبحه مع "البوليفار"، الذي سلب منطقة العبدلي ارتباطها بالناس، والمقصود هم الناس العاديّون، أبناء عمّان، وليس أولئك الذين يولدون وفي فمهم معالق ذهبيّة تثير شهوة نزواتهم الاستهلاكيّة.
عمّان لم تعد لأبنائها. اللويبدة تواجه ذات المصير الذي آل إليه جبل عمّان، والذي لوّثه المشهد الاستعراضي لشارع الرينبو. حتّى أن كثيراً من سكّان الحيّ غادروا منازلهم، بعد تأجيرها "مفروشة" لأصحاب الرقاب الحمراء.