هل ينتحر الملقي سياسيّاً بإقالة الزبن وعبيدات؟
كتب تامر خرمه- في العمل المؤسّسي، تنسب الإنجازات –إن وجدت- لمن يتبوّؤون مقاعدهم بين قيادات الصفّ الأوّل ويتصدّرون الأضواء، في حين أن الفضل يكون بالحقيقة للكوادر الوسطيّة، التي تتولّى المهمّات وتقوم بالعمل الحقيقي. هذه المعادلة تتجلّى بأكمل صورها في دوائر صنع القرار، حيث يتمتّع الوزير أو رئيسه بالثناء، عندما ينجز إداريّ في مؤسّسة ما مهمّاته، ويتحمّل مسؤوليّاته على النحو الأمثل.
أمّا في حال بلي مسؤول ما بكوادر مترهّلة وغير فعّالة، فهو من سيتحمّل مسؤوليّة الفشل أمام الرأي العام، بوصفه شخصيّة عامّة. المنطق البسيط يقودك إلى هذه الحقيقة دون أن تكلّف نفسك عناء التفكير العميق.
ولكن.. تخيّل أنّ مسؤولاً ما يباشر مهمّاته بالتخلّص من أصحاب الكفاءات الذين أثبتوا قدرتهم على تحمّل المسؤوليّة والتفاني في العمل. نعم يمكن أن يحث هذا، وهو ما نشهده منذ وصول د. هاني الملقي إلى منصبه في الدوّار الرابع. صاحبنا أجرى تغييرات سريعة في مواقع مختلفة، ولكنّه لم يكن مصيباً في كثير من الاختيارات.
ومن الأمثلة التي فاجأت المتابعين إحالة د. مصطفى البراري إلى التقاعد، رغم ما أثبته الرجل من كفاءة عالية، ونزاهة تشهد لها الشفافيّة، خلال عمله في ديوان المحاسبة. وعوضاً عن إعادة الأمور إلى نصابها المنطقي، وتصويب الخطأ الذي ارتكبه سلفه د. عبدالله النسور بنقل البراري إلى ديوان المظالم، قرّر الملقي التخلّص منه.. لماذا؟
هل يرغب رئيس الوزراء بالانتحار السياسي عبر التخلّص من الكفاءات القليلة التي وصلت إلى دوائر صنع القرار؟ أم أن المطلوب هو تعيين آلات تسمع وتنفّذ، دون أن تمتلك القدرة الحقيقيّة على اتّخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟!
هذا ما تثبته التنقّلات والتغيّرات، التي شمّر الملقي عن ساعديه ليباشر بها عمله، والتي ستجهز على أيّ احتمال لتحقيق منجزات تنسب للسلطة التنفيذيّة. المشهد لا يبشّر بالخير، ولكن ما خفي أعظم!! تسريبات وإشاعات يتجري تداولها هذه الأيّام عن وجود نيّة للتخلّص من شخصيّات أخرى، أثبتت كفاءتها ولم تنصت إلاّ لصوت الضمير خلال أداء مهمّاتها.
ومن أبرز الأسماء التي تنذر التخوّفات بالتخلّص من أصحابها، د. هايل عبيدات، رئيس مؤسّسة الغذاء والدواء، والذي كان خطّ الدفاع الأخير، لحماية السوق من سموم الفاسدين، ود. حيدر الزبن، مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس، والذي فشل جلاوزة "البزنس" في تجاوز الخطوط الحمراء التي فرضها ضمير الرجل.
هل حقّاً بات المطلوب هو التخلّص من الرجلين. لا يخفى على أحد أنّ خطوة كهذه ستفتح الباب واسعاً أمام أصحاب النفوذ المالي، ومراكز القوى الخفيّة، التي لا تتردّد في ارتكاب كلّ ما يمكنك تخيّله من فظائع، في سبيل الربح السريع.
مازالت الذاكرة تشهد لعبيدات والزبن بمواقفهما الوطنيّة الشجاعة، فلم يتيسّر للناس نسيان حكاية شحنة القمح الفاسد، والتي حاول بعض المتنفّذين فرضها على السوق، ولا قضيّة اسطوانات الغاز الهنديّة، التي حاول أصحاب المصالح الذاتيّة إقحامها رغم مخالفتها للقواعد الفنيّة. ولا تجّار الموت الذين حاولوا العبث بأمن المواطن الغذائيّ، عبر محاولة بيع بضائعهم الفاسدة. هذه المحاولات وغيرها ممّا يهدّد أمن الناس الصحّي، كتب لها الفشل بسبب وجود من لا يخشون في الحقّ لومة لائم.
الزبن وعبيدات قدّما –في كثير من المواقف- أفضل الأمثلة التي يفترض على كلّ مسؤول إتّخاذها سنّة في عمله، ولكن ما يثير المخاوف هو ما يتسرّب من إشاعات حول إقصاء الرجلين عن عملهما؟ ترى، لمصلحة من قد يتمّ اتّخاذ مثل هذه الإجراءات؟!
ما تنبغي خشيته، وجود توجّه ما باستهداف الشريحة الوطنيّة، التي أحبطت محاولات أعضاء نادي "البزنس"، من مستثمرين وقّعوا صكوك بيع ضمائرهم مع شياطين الأنانيّة والطمع. قلّة هم من أثبتوا نزاهتهم وكفاءتهم، والتزموا بمبادئ الشفافيّة في عملهم، فأيّ مبرّر للتخلّص منهم لن يكون مقنعاً لأحد. عبيدات والزبن قدّما مصلحة الوطن على أيّة مصلحة أخرى، فهل المطلوب دفن القطاع العام حيّاً عبر التخلّص من المخلصين فيه ؟!