الأرملة.. معاناة وفقر ولا حقوق!
عد أيام على وفاة فريد، ابتكر أقاربه حيلة "مُحكمة" فجعلوا زوجته توقّع تنازلاً عن حصتها الكبيرة في إرثه، ورموها مع جنينها على قارعة الطريق، فعادت إلى منزل والدها طالبةً سقفاً يأويها. فلا بدّ من مواجهة الحقيقة المرّة القائلة، بأنّه عندما يموت زوج المرأة في هذا المجتمع التقليديّ البالي، "يسقط عنها الدرع الحامي"، والله يعلم لما قد تتعرّض! منذ العام 2011 يحيي العالم في 23 حزيران من كلّ سنة اليوم الدولي للأرامل، اللواتي "يعشن منبوذات ويعانين من ويلات الفقر"، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
لا حقوق!
تؤكّد المحامية ورئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان إقبال دوغان لـ"الجمهورية" أنّ "الأرملة في لبنان لا حقوق لها. فإذا كانت المرأة عاملة يمكنها الإستفادة من الضمان الصحي والتعويضات العائلية لها ولأولادها، وذلك في حال كان زوجها على قيد الحياة وغير مضمون، أو في حال كان متوفياً".
أمّا إذا كانت غير عاملة فوضعها كارثي حتماً في حال وفاة الزوج: "هذه الأرملة لا تستفيد من الضمان العائلي الذي كان زوجها العامل يؤمّنه للعائلة إلّا لمدة 3 أشهر فقط بعد وفاته، وبعدها تُترك لمصيرها دون أيّ ضمانات اجتماعية، فينقطع عنها الضمان الصحي والتعويض العائلي، وهي دون عمل يفيها مصاريف قوت أولادها".
في غالبية الحالات تعتمد الأرامل في لبنان على دعم الأهل والأقارب. وفي حال كانت عائلتها غير قادرة على مدّها بالمال الكافي لإعالة أولادها فمصيرها الفقر. لا تقدّم الدولة اللبنانية معاشاً ثابتاً للأرامل، حتّى ولو كنّ مسؤولات عن تربية الأولاد بعد غياب أبيهم. ولا يُخفى على أحد أنّ المرأة حتّى ولو كانت عاملة ستخسر نصف مدخول المنزل أو أكثر بوفاة زوجها.
ولا تضمن الدولة هذه العائلة صحياً ولا تقدّم لها التعويضات العائلية في حال كانت الأرملة غير عاملة. أمّا إذا فكّرت بالبحث عن عمل فستواجه صعوبات جمّة في ظلّ البطالة المستشرية وقلة فرص العمل والوضع الاقتصادي السيّئ وتدنّي قيمة الأجور. وتوضح دوغان: "في حال كانت متعلّمة وتركت الوظيفة منذ فترة طويلة يقوم أرباب العمل بإقصائها، فلا يوظفونها إذ يفضّلون الشباب الصغار في السن".
معاناة
يتحدّث سعيد لـ"الجمهورية" وهو اليوم في الثالثة والثلاثين من العمر، فيروي كيف توفي والده بأزمة قلبية تاركاً وراءه طفلين صغيرين، هو وأخته. ويؤكّد أنّه على رغم عمل والدته كمدرّسة لم تكن تتمكن من تسديد مصاريف المنزل، "وكم من ليلة نمنا فيها أختي وأنا جائعين لعدم توفّر أيّ شيء نأكله في البيت".
وفي حين تتعرّض غالبية الأرامل لمحاربة من أهل الزوج بعد وفاته لا يخفي سعيد أنّ أقارب أمّه كانوا يمدّونها بالمال المتوفر لديهم، "فيما لم يساعدنا أقارب والدي يوماً ولو حتّى بفلس واحد، علماً أنّهم ميسورون، بل كانوا يشمتون بنا ولا يفوّتون فرصة للتنكيل بوالدتي".
رسالة بان
يؤكد الأمين العام للأمم المتحدّة بان كي مون في رسالة وجّهها خصيصاً في مناسبة اليوم الدولي للأرامل هذا العام أنّ "الأرامل هنّ من الأشخاص الأكثر عزلة وتهميشاً. ويبلغ عددهنّ في العالم حالياً حوالى 259 مليوناً، يعيش نصفهنّ في الفقر، وغالباً ما يتمّ وصمهنّ في أسرهنّ ومحيطهنّ". ويلفت بان إلى أنّ "كثيرات منهنّ يعانين التمييز على أساس العمر والجنس. وطُبعت حياة بعضهنّ بالعنف الجسدي والجنسي".
ويضيف: "بعد أن قضين حياتهنّ يعملن أعمالاً شاقة، فإنّ الأرامل المسنّات لا يملكن سوى القليل من الموارد. فحتّى في البلدان المتقدّمة، يقلّ تقاعد النساء حوالى 40 بالمئة مقارنة بتقاعد الرجال. وتواجه الأرامل الأصغر سناً صعوبات أخرى، فكأمهات يجب أن يؤمِنَّ حاجات ومصاريف أطفالهنّ وذلك في غياب أيّ آفاق اقتصادية لتحقيق هذا الهدف".
لا إحصاءات
لا توجد إحصاءات واضحة ودقيقة عن عدد الأرامل في لبنان أصلاً، في حين أنّ مرور بلدنا بحرب أهلية طويلة أدّى إلى ازديادهنّ في العقود الماضية. ويستضيف لبنان اليوم على أراضيه نساء هاربات من آتون الحرب السورية بعد أن فقدن أزواجهنّ أيضاً. فويلات الحرب تقع على عاتق المرأة وأطفالها بالدرجة الأولى... وتزداد حالها مأساوية في ظلّ غياب أبسط الحقوق.