هؤلاء هم ملوك فيسبوك ومواقع التواصل
جو 24 :
تماما كما يتنافس المشاهير ونجوم الفن على جماهيرية مواقع التواصل الاجتماعي يتنافس الزعماء والسياسيون كذلك. فالجاذبية والجماهيرية لم تعد أمرا يعتمد على القدرات المؤهلات الذاتية، بل أصبحت صناعة عالمية خصوصا مع تطور مواقع التواصل الاجتماعي وتعددها.
فقادة العالم على خطى المشاهير من خلال إعداد صفحات لهم على مواقع "فيسبوك"، و"إنستغرام"، يجري تحديثها بعناية. كل ذلك في سبيل إظهار الجانب الإنساني لديهم، والترويج لمواقفهم السياسية.
وفي سباق يبذل فيه الجميع جهودهم الكاملة للحصول على الشعبية، تصبح أعداد المتابعين والمعجبين والمشاركين على مواقع صفحاتهم هي الجائزة والمنال الأكبر.
إنهم يخوضون منافسة لجلب الانتباه في مواجهة شخصيات من أمثال المشاهير والمطربين وشخصيات أفلام الرسوم المتحركة.
وفي وقت لا تزال فيه صفحات شاكيرا وكريستيانو رونالدو و"عائلة سيمبسون" تستحوذ على إعجاب أكثر، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما يتقدم في منافسة كسب الجماهير بمسافة ميل مقارنة بأقرانه من الرؤساء، وفق تقرير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
ومع وجود أكثر من 48 مليون معجب على صفحته على موقع "فيسبوك"، بيّنت دراسة بعنوان "قادة العالم على موقع فيسبوك" أن الرئيس الأميركي يفوز بسباق مواقع التواصل الاجتماعي، في حقل الشخصيات السياسية.
ويقع رؤساء الهند وتركيا وإندونيسيا ضمن الخمسة الأوائل من رؤساء العالم من أصحاب الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي. ويعود ذلك، جزئيا، مثلما هو الحال مع أوباما، إلى أنهم يقودون دولا ذات كثافة سكانية عالية. ويعود ذلك أيضا إلى براعتهم في ممارسة لعبة التواصل الاجتماعي.
عمل برايان دوناهيو ضمن العديد من فرق الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية، بما فيها الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2004 لجورج دبليو بوش، وأسس شركة "كرافت" للعلاقات العامة.
ويقول دوناهيو: "تُترجم مواقع التواصل الاجتماعي المؤثرة إلى أصوات للناخبين. إنها تُترجم إلى دعم واهتمام واشتراكات، وإلى ارتباط شامل بقاعدتك الأساسية. إنه أمر حاسم".
ومهما كانت مبرراتهم لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبح السياسيون أكثر براعة في نهجهم، حسب رأي دوناهيو. ويضيف أن الناخب المحتمل "يتوقع من المرشحين للمنصب أن يكونوا صادقين ومخلصين وصريحين. ويتوجب عليهم أن يكونوا أكثر عفوية فيما يتعلق بالمضمون".
عندما يتعلق الأمر بهذا، فإن مرشحا واحدا يبرز من بينهم حقا، مع أنه من الأشخاص الذين يستخدمون تويتر أكثر من أي وسيلة أخرى.
يقول دوناهيو: "سواء كنت تفضل دونالد ترامب أم تكرهه، فإنه نموذج مصغر لذلك". وعبر قيادته لحملة شرسة على مواقع الإنترنت ليحصل على ترشيح حزبه للرئاسة الأميركية، هيمن ترامب على العناوين الرئيسية للأخبار، ما جعله المبادر، بينما كان الآخرون من أصحاب رد الفعل، حسب قوله.
حدث ذلك وسط إنفاق منافسيه لمبالغ مالية أكثر مما أنفق هو. وتُظهر البيانات المقدمة من وكالة "إس.إم.جي. دلتا" للاتصالات أن زميل ترامب، المرشح السابق جيب بوش، أنفق 82 مليون دولار أميركي على إعلانات التلفاز. أما ماركو روبيو فقد أنفق 55 مليون دولار أميركي.
في غضون ذلك، أنفق الديمقراطيان بيرني ساندرز، وهيلاري كلينتون قرابة 28 مليون دولار لكل منهما. وكم أنفق ترامب؟ 10 ملايين دولار أميركي فقط.
الطريق إلى المجد عبر "فيسبوك"
ما يُساهم حقا في إنجاح القائد السياسي على صفحات مواقع الإنترنت هو مشاركاته العفوية والشخصية على تلك المواقع، فهي تلقي نظرة خاطفة على الحياة اليومية لذلك السياسي التي يعير لها المشجعون اهتمامهم الأكبر، وذلك كما يقول ماتياس لوكينز، المدير العام لفريق العمل الرقمي في شركة العلاقات العامة "بورسن -مارستيلر".
لا تنال صفحة أوباما على أكثر علامات "الإعجاب" فقط، بل إنها من بين أفضل الأمثلة على الكيفية التي يستطيع بها فريق عمل القائد السياسي أن يدير صفحته بشكل ناجح، وفقا لرأي محللي مواقع التواصل الاجتماعي.
"إنه يستخدم الكثير من لقطات الفيديو، ويحكي قصصا، كما أنه لا يُحدث صفحته على الموقع كل يوم ، بل فقط عندما يكون لديه أمرا هاما يريد أن يحكيه"، حسب قول لوكينز.
ستجد أيضا، بين الفينة والأخرى، صورة عرضية لعطلة قضاها أوباما مع زوجته ميشيل، وابنتيه ماليا وساشا. ويمكن لهذه الصور الشخصية أن تحمل مفتاح النجاح لتحقيق التواصل الحقيقي، لأنها غالبا ما تنال أكثر ردود الفعل من المتواصلين معهم. إلا أن الغرض من تحديثه لصفحته في العادة يحمل أبعادا سياسية.
بدأ فريق أوباما في استخدام موقعي "فيسبوك" و"تويتر" في عام 2007، عندما كان لا يزال عضوا في مجلس الشيوخ ممثلا عن ولاية إلينوي.
ومن حينها، سار هو وغيره من قادة دول العالم في هذا الاتجاه، وأشركوا غيرهم في كل شيء، من خدمات الفيديو التي تقدمها مواقع "يوتيوب"، و"فيميو"، و"إنستغرام"، إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"، مرورا بموقع "سناب شات".
واستضاف العديد منهم خدمة جلسات الحوار التي يقدمها موقع "ريديت" حيث يمكن للمتواصل معهم أن يوجه إليهم أي سؤال، مع كل ما يحمله ذلك من أبعاد متباينة. ويظل أوباما من بين أكثر السياسيين نجاحا في ذلك، فهو أكثرهم تسجيلا للنقاط على مقياس يعرف باسم "أي إم أي".
ملوك التواصل
لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة في تزايد أيضا، لكن قياس الجماهيرية والشعبية ليس أمرا هينا على الدوام.
الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري
فلا يمكن على موقع "سناب شات" على سبيل المثال الإفصاح علنا عن عدد المتابعين، أو مشاركة آرائهم للعامة، مما يجعل من الصعب تحديد مدى الشعبية الحقيقية للشخص صاحب الصفحة على هذا الموقع.
غير أنه أسرع مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا بين المراهقين الذين سيبدأون الإدلاء بأصواتهم في السنين القليلة القادمة. وهذا ما يجعل السياسيين متحمسين جدا لاستخدام هذا الموقع.
ويبرز الرئيس الأرجنتيني الجديد، ماوريسيو ماكري، بمفرده تقريبا كخبير في استخدام موقع "سناب شات"، من خلال تقديمه جولات خلف الكواليس للحياة اليومية لرئيس البلد، وعرضه لرحلاته إلى المصانع وغيرها من المشاغل اليومية، فإنه يوفر لمستخدمي الموقع اليافعين نظرة خاطفة على الحياة السياسية التي لولاها لكانوا يفتقدون الاطلاع عليها ومعرفتها.
لكن، ليس لدى أغلب قادة العالم أدنى فكرة عن كيفية استخدام هذه الخدمة لصالحهم حتى الآن (أو حتى على الإطلاق).
يقول لوكينز: "لا زالت معرفتهم بها سطحية".
وحسب لوكينز، فإن فريق التواصل الاجتماعي للرئيس ماكري لاقى نجاحا هائلا على الصعيد الاجتماعي. ويعود الفضل في ذلك جزئيا إلى معرفتهم بكيفية المشاركة في مواقع اجتماعية متنوعة.
في الواقع، وفيما يتعلق بالمشاركة، لو أخذنا نسبة المعجبين إلى الذين يرسلون تعليقاتهم ويسجلون مشاركاتهم، فإن ماكري يصنَّف أيضا باعتباره الأكثر شعبية بين أقرانه من قادة العالم على فيسبوك، استنادا إلى ذلك البحث.
فمن بين ما يقرب من 4 ملايين معجب على صفحته، يحصل ماكري بشكل متكرر على 50 إلى 70 ألف علامة إعجاب على ما ينشره على صفحته. ومؤخرا، حصل تعليقه على موت ملحن موسيقى التانغو المبدع، ماريانو موريس، على أكثر من نصف مليون إعجاب.
تابعوني وإلا!
أصبح "فيسبوك" أداة جماهيرية حتى عند المستبدين (أو القادة الذين يحكمون بسلطة مطلقة، وليس عن طريق الانتخاب أو الحكم الديمقراطي). ويأتي هون سين، الذي يحكم بشدة وصرامة دولة كمبوديا الصغيرة في جنوب شرقي آسيا لأكثر من 30 عاما، في المرتبة الثانية حسب تصنيف لوكينز لاهتمام قادة الدول بصفحات مواقعهم الاجتماعية.
يُظهر هذا الرجل القوي نفسه على صفحة "فيسبوك" وهو يتمشى على أحد الشواطئ، لابسا روب حمام، وكاشفا جزءا من جسمه، ويلعب مع أحفاده وهو يرتدي فانيلته الضيقة البيضاء بطريقة قد تستفز البعض.
ومع أن هون سين يحكم بلدا يعاني علانية من الفساد والفقر، فهو يخسر دعم أعداد متزايدة من أفراد الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية، حسب تقارير الأخبار. وتأمل حكومته في أن تجد الحل لدى موقع "فيسبوك".
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة الكمبودية، فاي سيفان، نقلا عن صفحة الرئيس هون سين على فيسبوك: "إنه واقع عصيب. إنها فرصة لتضييق الهوّة الفاصلة بين رئيس وزرائي والشعب".
وتماما مثل قادة دول العالم الديمقراطي الحر، يهتم المستبدون أيضا –وبشدة- بانطباع الناس عنهم، كما تقول أيم سينبينغ، المحاضرة في مادة السياسة المقارنة بجامعة سيدني الأسترالية، التي بحثت في كيفية استخدام السياسيين لمواقع التواصل الاجتماعي.
تقول سينبينغ: "يحتاج (هون سين) لاكتساب مزيد من الشرعية من الشباب ومستخدمي الإنترنت، ومن الطبقة الوسطى. لذا فإنه يرى "فيسبوك" شكلا رئيسيا للتواصل وإعادة ترتيب وضعه وصورته".
كذلك نجد لي هسين لونغ، رئيس وزراء سنغافورة، وهو يحاول ترسيخ الشرعية من خلال قنوات التواصل الاجتماعي، حسب قول سينبينغ.
وهو يحظى بشعبية أقل من والده الذي حكم الدولة-الجزيرة الغنية لثلاثين عاما. وتُظهر صفحة الملف الشخصي لرئيس الوزراء لونغ الابن على "فيسبوك" صورة قائد متأهب بشكل تام. وأحيانا، يطلب من مشجعيه أن يخمّنوا مكان تجواله من خلال الصور التي ينشرها، وذلك من خلال هاشتاغ بعنوان "خمن أين".
تقول سينبينغ: "تقوم سنغافورة بهذا (أي استخدام فيسبوك)، في المقام الأول، وسيلة لتعزيز الشرعية بمرور الزمن، ولجمع المعلومات عن المواطنين".