الحكومة تلوي عنق القانون لتقييد المواقع الإلكترونية
معاذ ابو الهيجاء- ما فتئ النظام الاردني منذ ظهور الصحافة الالكترونية بالعمل على احتوائها وضمها تحت لوائه، وذلك لان الصحافة الالكترونية منذ أن وجدت، و هي تعمل، على كشف قضايا الفساد، وانتقاد المسؤولين، والحديث عن مسائل تمس كبار رجال الدولة، مما أحدث "ارباكا" عند الدولة وفي عمل الاجهزة الامنية فبدأت الحكومة تفكر جديا في السيطرة على الصحافة الالكترونية بأي طريقة.
"الاحتواء الناعم" وهي تعني تقديم العروض والمغريات المادية للقائمين على المواقع الالكترونية، ولكن هذا الاسلوب لم ينجح في احتوائها كما نجح في احتواء الصحافة الأسبوعية، والصحافة اليومية المستقلة، وبقي " احرار الصحافة الإلكترونية" سائرون في الطريق الذي انتهجوه، وإن لم يخلو الأمر من هفوات وأخطاء ظهرت هنا أو هناك في عملها.
ثم سار في استخدام القوة والنفوذ، كالترهيب والوعد والوعيد لأصحاب المواقع، والصحافيين العاملين فيها، أو من خلال قرصنة المواقع وحجبها.
لم تنجح استراتيجيات الدولة السابقة، فبدأ بالعمل على اخضاعها للقوانين" العرفية" وجعلها صورة مستنسخة عن الصحافة الرسمية، ساعدها في ذلك عدم المهنية في العمل الصحفي من قبل بعض المواقع الالكترونية، فكانت هي حجة الدولة "الوحيدة" وكل من سار معها من نواب وأعيان بالتفكير بوضع قوانين تضبط عمل تلك المواقع.
وقد شهد هذا العام جدلا سياسيا حول وضع قوانين للصحافة الالكترونية فجاءت تصريحات وزير الإعلام الاردني راكان المجالي لتنفي وجود أي نية لدى الحكومة بوضع قوانين للمواقع الالكترونية، ليتحرك بعدها أحد النواب المثير للجدل لتبنى مذكرة تطالب بوضع قوانين تحد من عمل المواقع الالكترونية !! و المستغرب في الامر أن بعض النواب فوجئ بوجود اسمه على تلك المذكرة النيابية.
إلا أن الحكومة لم تلتزم بما قاله ناطقها الاعلامي راكان المجالي فشرعت في خطوة "خطيرة" من شأنها أن تقضي على الحريات الاعلامية، وتجعل المواقع الإلكترونية الاخبارية في مهب الريح.
جاء ذلك من خلال اجتماع الديوان الخاص بتفسير القوانين –بناءً على طلب رئيس الوزراء- من أجل تفسيـر (المقصود بالتسجيل الوارد في تعريف " المطبوعة الالكترونية " في المادة (2) من قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998 وتعديلاته وهل تنطبق شروط ترخيص المطبوعة الصحفية المنصوص عليها في القانون ذاته ونظام الرسوم الصادر بمقتضاه على المطبوعة الالكترونية) .
JO24 أجرت عددا من الاتصالات مع بعض اصحاب المواقع الالكتروني، وخبراء في القوانين لمعرفة مواقفهم من التفسير الجديد لبعض مواد قانون المطبوعات والنشر.
يحي شقير: التفسير الجديد للقانون يتناقض مع التزامات الاردن الدولية
من ناحيتة أشار الاعلامي المختص بالشؤون القانونية الزميل يحيى شقير أن التعديلات الأخيرة بالمادة 15 من الدستور 3 مرات على عبارة " تكفل الدولة" ما يعني المادة 15 تتحدث عن حرية التعبير، وحرية الصحافة.
وأضاف وبناءً على ذلك فإن التعديلات الدستورية الأخيرة ضمت التزامات ايجابية على الدولة بكافة سلطاتها – وليس الحكومة فقط- أن تعمل على توفير الأجواء المناسبة لضمان حرية التعبير بالقول والكتابة والتصوير، بأي وسيلة بما فيها وسائل التكنولوجيا الحديثة كالإنترنت.
وتابع إن هذه المادة الدستورية هي من الحريات الدستورية الأساسية لحقوق الانسان ولا يجوز عند تفسيرها التوسع في التقييدات التي تفرض على ممارسة هذا الحق.
وبين شقير بأن الطلب من المواقع الاخبارية الالكترونية الترخيص أو التسجيل، يتناقض مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى في التعبير عبر الإنترنت.
وأوضح أنه بتاريخ 1/6/2011 أصدر المقرر الخاص لحرية التعبير في الامم المتحدة " فرانك لارو" بيانا قالفيه :" إن الطلب من مواقع الإنترنت التسجيل أو الترخيص، يتناقض مع القانون الدولي".
كما أن لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وفي تعليقها الاخير رقم 34قالت:" إن الطلب من وسائل الاعلام الإلكترونية الترخيص أو التسجيل يتناقض مع تغيير 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية".
وأكد شقير ان الاردن وقعت على هذه المعاهدات الدولية وعليها احترام الأمر ، وبغض النظر عن التفسير الأخير الذي صدر عن الديوان الخاص لتفسير القوانين فإن هذا التفسير يتناقض مع التزامات الاردن الدولية، باحترام حرية التعبير.
جهاد أبو بيدر: رئيس الوزراء أراد فتوى شرعية للانقضاض على الاعلام الحر و المستقل
رئيس الحريات الإعلامية في نقابة الصحفيين الزميل جهاد أبو بيدر وصف التفسير الجديد لقانون المطبوعات والمنشورات بـ "الخطير".
وقال أبو بيدر إن الوصف الحقيقي للحكومة الحالية هو " حارة كل من ايده اله" في اشارة منه إلى تناقضات رئيس الوزراء مع وزير الاعلام الذي اجتمع قبل عدة أيام اجتمع مع بعض اصحاب المواقع الالكترونية للوصول لصيغة توافقية ترضي جميع الأطراف، وتعدل التشوهات في قانون النشر والمطبوعات، مع ما قام به رئيس الوزراء القاضي عون الخصاونة من طلب تفسير من الديوان الخاص لتفسير القانون، معتبرا أن رئيس الوزراء في واد و وزير اعلامه في واد آخر.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء ارسل إلى الديوان الخاص بتفسير القوانين طلب التفسير من أجل أن يحصل على فتوى شرعية للانقضاض على الاعلام الحر و المستقل.
وأكد أبو بيدر وجود تناقضات وقع فيها ديوان تفسير القوانين، وهو مناقض لما صدر عن محكمة التمييز التي اعتبرت أن المواقع الإلكترونية تخضع لقانون المطبوعات والنشر، ولكن يبقى لها حرية التسجيل، وهذا يدل أن المشكلة تقع في مرمى الحكومة وليس في مرمى المواقع الإلكترونية.
وتساءل أبو بيدر كيف يكون هناك حرية في التسجيل، ثم يعمل على تكبيلها وتقييدها بموضوع الترخيص!
أحمد الوكيل: تعودنا على تخبط الحكومات السابقة في التعامل مع الملف الإلكتروني
ناشر موقع زاد الأردن الزميل أحمد الوكيل قال إننا تعودنا على تخبط الحكومات السابقة في التعامل مع الملف" الإلكتروني" ولكن حكومة القاضي عون الخصاونة غريبة جدا في طريقة تعاملها مع الملف الإلكتروني.
وبين أن هذه المحاولات من قبل الحكومة لن تنجح في إسكات الصحفيين ملوحاً بإجراءات تصعيدية حال دخل التفسير قيد التنفيذ.
تناقض واضح في تفسير قانون المطبوعات:
أبرز ما في تفسير القانون هو التناقض الواضح في بنود القانون ولي عنق النصوص القانونية، وتحطيمها حين الحاجة حتى تنطق بما تريده الحكومة.
الديوان الخاص بتفسير القوانين بين مفسرا لنص المادة (48) من القانون ذاته على ما يلي :-(( كل من أصدر مطبوعة دورية أو مارس عملاً من أعمال المؤسسات المنصوص عليها في الفقرة(أ) من المادة (15) من هذا القانون بدون ترخيص يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار)) .
وبين أن المستفاد من نصوص قانون المطبوعات والمنشورات يُظهر أن المشرع اعتبر المطبوعة الالكترونية نوعاً من انواع المطبوعات الصحفية ، وأنّ إعطاء القانون للمطبوعة الالكترونية حق اختيار التسجيل لا يعفيها من استكمال إجراءات الترخيص وفق أحكام القانون قبل ممارسة أعمالها ، وأنّ المطبوعة الالكترونية تخضع لذات شروط ترخيص المطبوعة الصحفية المنصوص عليها في قانون المطبوعات والنشر ويتوجب عليها بصفتها مطبوعة صحفية دورية الحصول على الترخيص قبل صدورها، وبخلاف ذلك تكون عرضة لتغريمها وفق أحكام المادة (48) من القانون ذاته".
واضح جدا من قراءة ما صدر عن الديوان الخاص في تفسير القوانين التناقض الواضح في ذات الفقرة فهل من المعقول أن نقول أن تسجيل الموقع الالكتروني أمر اختياري، أي يرجع لحرية صاحب او اصحاب الموقع بتسجيله أو عدم تسجيله، ثم يأتي ويقول أنه صحيح أنه تسجيله اختياري، ولكن ترخيصه اجباري!!
إن المقصود من فكرة الترخيص هي أخذ الموافقة من الأجهزة الامنية المعروفة لدى الجميع بالعمل، وحتما تلك الاجهزة لن ترخص لك ما لم تعط الوعود والمواثيق أنك ستبقى حسن السير والسلوك، أو لن تحصل على ترخيص مطلقا ،ومن جهة ثانية وهي الاخطر أنه سيكون من السهل جدا سحب التراخيص من تلك المواقع فيأي لحظة يشاء بها الحكومة، تحت مسميات الأمن القومي، والمصلحة الوطنية، والإساءة للأشخاص أو الخروج عن ضوابط المهنة ونحو ذلك.
إن هذا التفسير "العجيب الغريب" لهو أكبر دليل على جدية الحكومات المتعاقبة في كبح حريات الصحافة.
ولكن نقول لم يعد مفيدا التغني في المحافل الدولية بأن حرية الصحافة في الاردن "خطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها" لأن ما صدر عنها يناقض ما تدعيه !.