الخوف الإحترامي.. يؤدّي إلى الطلاق
غالباً ما نسمع مقولة «رضا الله ورضا الوالدين». فحبّ الأهل والعناية بهم واحترامهم واجب مقدّس على الأبناء. لا بدّ هنا من ذكر مقولة أخرى: «تنتهي حرّيتك عندما تبدأ حرّية الآخرين»؛ فاختيار الشريك يعود فقط لمَن يرغب بالزواج، يختاره بحسب حاجاته وميوله وقناعاته، وكلّ تدخّل من قبل الآخرين على مستوى القرار، وخصوصاً الأهل، يُعتبر بمثابة اعتداء على حرّية الآخر.الإحترام هو التقدير والإعتراف بقيمة شيء، شخص أو إحساس، بسبب تميّز أو قيمة معيّنة، لما يمثله. والإحترام بين البشر، يجب أن يكون متبادلاً، وإلّا تحوّل إلى انكسار وضعف من جهة، وتسلّط واستقواء من الجهة الأخرى.
احترام نسبي
خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وعلى رغم إصرار المجتمع على مبدأ احترام الإنسان، إلّا أنّ هذا الإحترام يبقى نسبياً، بحسب البيئة، العادات والتقاليد، الجنس، الدين، العرق، المستوى الإجتماعي والإقتصادي، العمر والحاجات. يختلف مفهوم الإحترام المتبادل، بين الأهل والأبناء، فغالباً ما نلتمس فوقية الأهل، ودونية الأبناء، من ناحية الاحترام.
الأهل أتوا بأولادهم إلى هذه الدنيا، واهتمّوا بتربيتهم وتعليمهم، ومنحوهم الكثير من العطايا والإهتمام، إلّا أنّ ذلك لا يعني إطلاقاً تملّك الأهل للأبناء، والسيطرة على قراراتهم وخياراتهم. ففي هذه الحالة، تتحوّل العلاقة إلى تسلّط واستغلال من قبل الأهل، وضعف وانكسار من قبل الأبناء، في مرحلة اختيار الشريك المناسب. وتُطلق على ذلك تسمية الخوف الإحترامي.
احترام غير متبادل
الخوف الإحترامي هو احترام الآخر في حين يستغلّ هذا الطرف الإحترام، مثلاً: عندما يحترم الأبناء الآباء دون أن يحترمهم هؤلاء في المقابل، أو يحترموا رغباتهم، فتتحوّل العلاقة إلى طرف متسلّط، يفرض الإحترام بالقوة، وطرف منكسر، ضعيف، راضخ، خائف، يتجنّب خسارة محبة أهله، لا حول ولا قوّة له، وإلا... هذا الاحترام هو احترام مفرط للوالدين، يقيّد حرية الأبناء من حيث اختيار شريك الحياة.
هو مبالغة في احترام الأهل، وتنفيذ رغباتهم بهدف إرضائهم والخوف من لومهم، وتَسبُّب الحزن لهم، وإغضابهم والبعد عنهم لمدة طويلة. وقد يكون الخوف الإحترامي نتيجة للضرب والتهديد بالطرد والحرمان من الميراث.
هو واجب تجاه مَن يرأسنا من والدين، يتحوّل إلى خوف شديد في حال الضغوط. خوف مُنزَل من الآباء على أبنائهم للضغط عليهم في عملية اختيار الزوج، لعدم خسارة أمور معيّنة. والنتيجة قبول الأبناء مقترحات الأهل، وتنفيذ رغباتهم، وإلّا تحوّلوا بنظر الأهل والبيئة المحيطة، من أبناء مثاليين، مميّزين، «الله يرضا علين»، إلى محطّ غضب وخيبة أمل الجميع، وناكرين للجميل.
في حالة الخوف الإحترامي، قد يصل الأمر بالأهل إلى تهديد الأبناء بالقطيعة، الحرمان، وبالغضب الشديد، في حال عصيان تنفيذ إرادتهم، أي الرضا بالزواج من الشخص المختار من قبلهم. فيصبح الأبناء بين شرّين، إما التصادم مع الأهل وتحمّل غضبهم، وإما الرضوخ لإرادتهم، والإرتباط بمَن لا يرغبون الزواج به.
يلعب نوع العلاقة بين الأهل والأبناء دوراً في مدى نموّ الخوف الإحترامي، كذلك شخصية الآباء والأمهات، وجنس الأبناء. عندما يتعرّض الأبناء لضغوط الأهل، وخصوصاً النفسيّة منها، من خلال إشعارهم بالذنب لعدم الوفاء للأهل، والموافقة على خياراتهم، يتحوّل الأبناء الذين تربّوا على التبعية وتنفيذ إرادة الأهل كأمر مفروض غير قابل للنقاش، إلى أداة طيّعة مرنة بيد آبائهم وأمهاتهم المتسلّطين عليهم.
كما يقع ضحية الخوف الإحترامي الأبناء الذين لا قدرة لديهم على إثبات الذات، وأصحاب الثقة الضعيفة بالنفس، غير القادرين على اتخاذ القرارات المتعلّقة باختيار الشريك، فيتركون ذلك للأهل، الأعلى منهم شأناً ووعياً ومقدرة.
ينتج الخوف الإحترامي عن شعور عميق بالغضب، يحوّل علاقة الأهل بالأبناء إلى علاقة صعبة. قد يكون ذلك بسبب الضرب والتهديد، أو حتّى نظرات تحمل إيحاءً بالتخويف، او إلحاح متواصل دون الأخذ في الإعتبار حرّية الأبناء.
ربّما يرضخ الأبناء لأسباب معنوية كتعلّقهم بأهلهم، ومادية بسبب الحاجة للسكن والمال والتعليم، فيصبح الزواج وسيلة تحرّر من ضغط الأهل. لا تشكّل القوة والفرض المباشر السبب الوحيد للخوف الإحترامي، فقد يتمّ ذلك من خلال تدليل الأبناء ومعاملتهم بلطف ونعومة، ودفعهم للقبول بخيار الأهل.
زواج تحت الضغط
إنّ قرار الزواج تحت تأثير الخوف الإحترامي، أي تحت ضغط وإكراه الأهل، هو فاقد للركن الأساسي الذي يُبنى عليه الزواج، أي الرضا، وبالتالي أيّ زواج من دون رضا متبادل من الزوجين، مهدّد بالفشل.
الخوف الإحترامي سبب مبطل للزواج قانوناً، خصوصاً عندما يقترن بالشدّة والتهديد والأوامر والإلحاح، فهذا ما يُسمى بالإكراه المعنوي، أي القيام بأيّ سلوك أو خيار تحت الضغط. قد يصل الإكراه إلى تهديد الأهل الأبناء بالقتل إذا لم يرضخوا لإرادتهم بالإرتباط بالشريك المختار من قبلهم.
يؤدّي الخوف الإحترامي إلى نفور ورفض للشريك، خلافات زوجية حادة، إضطرابات نفسية، يأس قد يصل إلى انهيارات عصبية، وانتحار. قد يلجأ الشريك المختار من قبل الأهل إلى الإكراه والضغط بهدف إنجاح الزواج، ما يقابَل برفض من الطرف الآخر، ونتيجة ذلك حتماً عنف زوجي متكرّر، كراهية، حقد، وربّما يصل إلى الهجر، وبطلان الزواج والطلاق اللذين يحلّلهما القانون في ظلّ الخوف الإحترامي.
(ساسيليا دومط - الجمهورية)