القصة الكاملة لداعشي تونسي قتل التنظيم والده
جو 24 :
لم تهدأ تونس الليلة الماضية، وهي تترقب وصول "الداعشي ابن البطل"، الذي شغل سكانها وقض مضجعهم بعد أن تسبب بطريقة أو بأخرى في مقتل والده. ووصل في الساعة الأولى من فجر اليوم السبت، أنور بيوض وخطيبته اللذان التحقا بـ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العام الماضي، إلى التراب التونسي، لتكون قوات "مكافحة الإرهاب" بانتظارهما من أجل نقلهما إلى التحقيق.
وأكّد المتحدث باسم النيابة العمومية والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، سفيان السليطي، في تصريح صحافي، توقيف ابن العميد الراحل فتحي بيوض وصديقته فور وصولهما إلى مطار قرطاج الدولي، وأضاف أنه "تم إحالتهما على الوحدة الوطنية المختصة في البحث في الجرائم الإرهابية بثكنة الحرس الوطني بالعوينة، وذلك بموجب بطاقتي جلب صادرتين في حقهما، على أن يمثلا أمام قاضي التحقيق الأوّل بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب خلال هذا الأسبوع".
ولا تزال العائلة والمقربون منها تحت وقع صدمة ما وقع للعميد الراحل، الذي قضى نحبه قبل ساعات من تخليص ابنه من براثن "داعش" وتسليمه للسلطات التونسية، كما لا تزال العائلة تتوجس من ردة فعل الولد عند إعلامه بمقتل والده في تفجيرات مطار أتاتورك بتركيا، حيث كان ينتظر والدته التي حطت طائرتها وجاءت لتستقبل عودة ابنها وإن كانت إلى السجن والعقاب القانوني والشعبي معا.
ولم يكن العميد فتحي بيوض على علم بانتماء ولده لتنظيم "داعش"، وفق تأكيد حسن سلامة، صديقه المقرب منذ صغره وصديق أسرته في حديث لـ"العربي الجديد"، بل كانت المفاجأة مدوية للعائلة ومقربين، فلم يبرز على أنور (الابن) ما يفيد بأنه تأثر بالفكر "الداعشي"، وحتى لحيته التي أطلقها في الأشهر الأخيرة كانت تعلتها الموضة، وكانت تحركاته اعتيادية جداً وتردده على الجامع لأداء صلواته، التي دأب عليها منذ صغره أيضاً كان اعتيادياً، ما مثل صدمة للأب الذي أسرّ لصديقه أن صدمته كانت هائلة بابنه الذي لم يعتد إخفاء شيء عن والديه.
حياة الابن "الداعشي"
لا يوجد في طفولة أنور وصباه ما كان يؤشر على إمكانية انضمامه يوماً لـ"تنظيم إرهابي"، ويصفه سلامة بـ"الهادئ وقليل الكلام والمقبل على الحياة"، نجح في البكالوريا ثم درس الطب سنة في موريتانيا، إرضاءً لوالده الذي رغب في أن يرث عنه هذه المهنة، لكنه لم يواصل دراسته في نواكشوط وعاد إلى تونس حيث دخل مدرسة خاصة للطيران وأنهى دراسته بها واشتغل في شركة خاصة حال تخرجه.
ويروي الصديق المقرب، لـ"العربي الجديد"، أن أنور تعرف على خطيبته ذات الثمانية عشرة عاماً خلال عمله بالشركة الخاصة، وطلب من والده خطبتها له وهو ما تم فعلاً، ولم يلاحظ على كليهما تغير في السلوك أو في الخطاب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت الصدمة، إذ تلقت العائلة أول اتصال بها من الخطيبين يعلنان تواجدهما في العراق، وأنهما مكلفان بمهمة إنسانية تتمثل في معالجة الجرحى وتقديم المساعدات الإنسانية، فكانت الكارثة التي حلت على العائلة لا سيما أن أنور قدم أوراقاً مزورة لوالديه تفيد حصوله على منحة للدراسة في سويسرا وسافر بمباركة العائلة لتلتحق به خطيبته بعد بضعة أيام، ثم انقطع الاتصال بهما في الأشهر الأولى، وهو ما فسره الابن فيما بعد بأن التنظيم احتجز هواتفهما حال وصولهما، وفقاً لرواية سلامة.
وبحسب سلامة، فقد أبلغ العميد بيوض الجهات الأمنية المختصة فور علمه بالتحاق ابنه وخطيبته بتنظيم "داعش"، وانطلق إثر ذلك في محاولة الكشف عن خيط يصله بمكان تواجد ابنه.
وتابع: "اتخذت عملية البحث منعرجاً آخر إثر اتصال أنور بوالده في فبراير/شباط الماضي معلناً تواجده في سورية، وطلب المساعدة. كما أعرب عن ندمه على الالتحاق بداعش، قائلاً إنّ ممارسات التنظيم فظيعة لا تمت للدين بصلة أو للصورة التي رسمت له عنها. وطلب العميد من ابنه حينها تسليم نفسه لجيش النظام السوري".
وأردف سلامة: "العميد بيوض سافر منذ ذلك الحين إلى تركيا وتولى عمليات التنسيق مع جهات في سورية أمّنت خروج ابنه وخطيبته من المناطق التي يسيطر عليها داعش، خاصة وأنهما ملاحقان من طرف التنظيم بعد التأكد من هروبهما، وأقدما على تسليم نفسيهما إلى الجيش السوري، الذي تولى التحقيق معهما مدة شهرين ونصف الشهر، والترتيب لتسليمهما للجيش التركي".
ولفت إلى أنه "خلال تواجد العميد بيوض في تركيا بالفترة الأخيرة توصل إلى إنهاء ترتيبات التسليم، لكن التفجير الذي جد بمطار أتاتورك حال دون استقباله لابنه وتسليمه للسلطات التونسية حيث قضى العميد، طبيب الأطفال، في المطار عندما كان ينتظر وصول زوجته لتشهد بدورها عملية التسليم".
ويجزم سلامة بأن أنور بيوض (الابن) على استعداد تام لتقديم كافة المعطيات التي يملكها حول من تولى تسفيره ومن سهّل وصوله إلى العراق وسورية، وهو مستعد للتعاون.
وفي الوقت الذي انقسم فيه الرأي العام التونسي بين متعاطف مع أنور، ويعتبره ضحية للجماعات الإرهابية ومن يراه إرهابياً مجرماً بانتمائه لـ"داعش" حتى وإن لم يساهم في القتل أو التعذيب أو غيرها من الجرائم، فإن العائلة عبرت بدورها عن حزنها المضاعف وأسفها على الأب الفقيد وعلى الولد الذي فقد الكثير باتخاذه لقرار متهور لم يعد لندمه عليه أي فائدة تذكر.-(العربي الجديد)