مسلسل مأمون وشركاه : تراجع عادل إمام إذ يبلغ ذروته
جو 24 :
صنع الممثل المصري المخضرم عادل إمام تاريخاً لا يُنسى في السينما المصرية، ما شفِع له كثيراً كلما احتدم الجدل حول مواقفه السياسية التي كانت تسعى لاسترضاء النظام دوماً، برغم لبوس المعارضة الذي يرتديه، وها هي تشفع له الآن كلما خرج على جمهوره العربي الواسع بعمل تلفزيوني لا يرتقي لمكانته الفنية التي تبوّأها بجدارة في عقود خَلَت.
ليت إمام بقي وفياً لعادة تقديم فيلم جديد سنوياً، عوضاً عن مسلسل رمضاني؛ ذلك أنه صنع مجداً تلفزيونياً هاماً حين قام ببطولة مسلسل "دموع في عيون وقحة" قبل عقود ماضية، والذي توقف عقبه تماماً ليتفرغ للسينما، لكنه حين عاد، ظَهَرت ثيمات أعماله التلفزيونية ركيكة وبأداء مفتعل ومتعَب للغاية، إلى جانب أن مكانة إمام الفنية لا تسمح له بدخول المعترك الرمضاني الذي يحفل بأخطاء كثيرة وعملية "سلق" واضحة للحاق بركب الموسم الفني الزخم في هذا الشهر، في حين كان يخصص وقتاً أطول وتركيزاً أكبر في فيلمه السنوي، إلى جانب كون المسلسل طويل الحلقات، يكشف كثيراً من التهافت في الأداء، وتعتريه شوائب كثيرة كمن يطيل حديثاً فتصبح إمكانية الخطأ فيه واردة أكثر من الحديث المقتضَب.
غيّر إمام نهج الشخصية التي تقمّصها طوال الأعوام الماضية، وهي شخصية البرجوازي باذخ الثراء، ليكون في مسلسل "مأمون وشركاه" بخيلاً كادحاً، وإن تجلّت حقيقة أخرى لاحقاً وهي كنزه ثروة كبيرة، بيد أن هذا التغيير من البرجوازي للكادح البخيل لم يظهر جلياً في البيان النفسي للشخصية ولا الأداء؛ إذ قفشات إمام وملامحه ونبرة صوته أثناء أداء مقاطع متعددة من الحوارات، هي ذاتها، ما يجعل من الصعب تمييز هذا العمل عن أعماله الرمضانية في الأعوام السابقة، إلى حد قد يكون فيه صعباً تذكّر حتى اسم هذه الأعمال وحكاياتها بدقة، لا سيما وأن إمام بات حبيس قطبين: المؤلف يوسف معاطي والمخرج رامي إمام.
يبقى هاجس إمام ذاته موجوداً، والذي تجلّى في السابق من أعماله، لا سيما في الأعوام الأخيرة، وهو حشد أكبر عدد ممكن من الأطراف: الموالاة والمعارضة، والديانات السماوية، والأقطاب الدولية، والطريف أنها جميعها تلتئم تحت مظلة إمام، كما حدث في مسلسله الحالي، الذي جَمَع بين الديانات السماوية في بيته من خلال حكايات غير محبوكة بعناية ومنطقية، إلى جانب تواجد أقطاب المعارضة والنظام تحت سقف بيته، بل إن بيت إمام هو رمز للأمن القومي المصري، ما يجعل وزارة الداخية وأمن الدولة يتابعانه ويوميات عائلته لحظة بلحظة!
قد يكون بيت إمام رمزاً لمصر، التي تتخاطفها وتقتتل عليها حهات عدة، عابثة بأمنها واستقرارها، بيد أن الرمزية جاءت فجة وغير منطقية وغارقة في الشطحات الخيالية.
فيما يتعلق بالشخصيات اليهودية التي ظهرت في مسلسل إمام، فلعلها من بين السقطات الكبيرة التي اعترت مسيرته؛ ذلك أنه ناقش هذه الشخصية غير ذات مرة، لكنها الأولى تقريباً التي يدخِل فيها الشخصية اليهودية، المؤمنة بكيان الاحتلال والهجرة له، لتعيش في بيته وتقتسم معه قوتها، من دون التطرّق ولو بعبارة لما فعلوه بالفلسطينيين، والاكتفاء بتصويرهم بالمنغلقين على أنفسهم والمهووسين بأداء الطقوس المتطرفة والمتعاونين في الخطوات كلّها مع الأميركيين!
برّر إمام ما سبق بمحاولته تصوير إمكانية التعايش بين الأديان السماوية، لكنه لم يلتفت لكونه لم يصوّرهم يهوداً فحسب، بل وحالمين بالكيان الإسرائيلي، ما يجعل من محاولة الدفاع عنه في هذا الجانب أمراً مستحيلاً.
أغلب الظن، أن الحلقات القادمة لن تسعِف إمام ومسلسله الذي يشهد ذروة الانحدار في مسيرته، وإن كان الإقرار ما يزال جماعياً تقريباً حول أهمية هذا الفنان المصري العربي، ليس لأنه وقفشاته ومسرحياته وأدائه الكوميدي جزء ثابت من الوجدان العربي فحسب، بل لأنه رجل مقرّب من النظام دوماً، وناطق فني باسمه كما أثبتت التجربة، ما يجعل من قراءة أعماله بدقة أمراً مهماً للغاية، بل حتى كيان الاحتلال الإسرائيلي كان قد أعلن أنه يتابع المسلسل عن كثب؛ لتناوله شخصيات يهودية، مثلما حدث في وقت سابق مع مسلسله "فرقة ناجي عطا الله"!