الدراما الإماراتية.. رهان على المضمون
جو 24 :
في ساحة المنافسة السنوية التي يشهدها شهر رمضان من كل عام، أطلت الدراما الإماراتية برأسها، لتجد نفسها بين مجموعة كبيرة من الأعمال الخليجية والعربية، ورغم أن المسلسلات المحلية لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، إلا أنها كانت درساً في الكيف، حين ينتصر على الكم، إذ استطاع مسلسل محلي واحد، تهادت حلقاته تحت عنوان «خيانة وطن»، في أن يقلب الموازين، ويُعلم صناع الدراما معنى الجرأة في الطرح، وعدم الخوف من المواجهة في الحق، ليضع الدراما الإماراتية أمام منعطف جديد، قد يغير شكلها مستقبلاً.
4 مسلسلات محلية، تأرجحت هذا العام بين الجرأة والتكرار، فإلى جانب «خيانة وطن»، أطلت 3 أعمال نبشت في قضايا المجتمع، وهي «الحرب العائلية الأولى»، و«غمز البارود»، و«مكان في القلب»، بأساليب مختلفة في الطرح، جاء بعضها كوميدياً، رسم البسمة على الوجوه، وبعضها الآخر كان جاداً، ورغم ذلك، ظهر التكرار في طريقة العرض والتناول، وفي الزوايا التي تطل علينا بها كل عام.
جرأة وخبايا
وبنظرة متفحصة، نرى أن الدراما المحلية نجحت هذا العام، في كشف المسكوت عنه، ليتجلى ذلك في ما فرضته حكاية «خيانة وطن»، على المشاهد الذي لا يزال يتابع أصداء قضية طالما شغلت الرأي العام المحلي والعربي عموماً، وأرقت مضاجعه، ليتربع هذا العمل ملكاً على عرش الدراما الإماراتية والخليجية، بعد أن كشفت أحداثه بجرأة، عما يتضمنه الواقع من خبايا، ليحظى على إثرها بقبول جماهيري واسع.
منذ المشهد الأول لحلقاته، نصب «خيانة وطن»، نفسه، ملكاً على قلب الجمهور، الذي كافأ صناعه بتدشين هاشتاغ (خيانة وطن) على موقع تويتر، ليعتلي بسرعة «البرق» قائمة ترند الإمارات، بتجاوزه لأكثر من 19 مليون مشاهدة، بعد مرور أقل من ساعة على انتهاء عرض الحلقة الأولى من المسلسل، الذي لا يزال حتى اللحظة يلامس قلوب الجمهور.
الجرأة التي تميز بها «خيانة وطن»، دعته لقيادة قاطرة الدراما الإماراتية نحو التغيير، وتشكيل توجهات جديدة لدى صناعها، لا سيما أن المسلسل تميز بكونه أول عمل درامي مقتبس عن رواية «ريتاج» للكاتب الدكتور حمد الحمادي، فضلاً عن تناوله لقضية التطرف والإرهاب، الأمر الذي أشعل حس «الوطنية» في قلوب الجميع، لا سيما أن كافة حلقات العمل، أظهرت الوجه القبيح لكل من يتربصون بأمن الإمارات، بالإضافة إلى كشف خفايا التنظيم السري للإخوان المسلمين، وتأثيره في زعزعة أمن الدولة.
«خيانة وطن» لا يزال يواصل تألقه على مواقع التواصل الاجتماعي، ليدخل ضمن قوائم الأكثر مشاهدة على مستوى الدراما العربية، حيث اعتبر الكثير من مستخدميها، أنه من الأعمال الهادفة، التي تحمل رسالة مهمة إلى الأجيال المقبلة، فيما اعتبر آخرون، بأنه يحمل في ثناياه «قيمة إنسانية عالية»، وأنه يثبت مدى التلاحم بين الشعب والقيادة.
رهان
الرهان على المضمون، ميزة قادت صناع الدراما الإماراتية هذا العام، وأجبرتهم على تقديم الأفضل، فجاءت الباقة المحلية متنوعة، ما بين «الأكشن» والكوميدي والتراثي، الذي صافح حقبة السبعينيات والثمانينيات، عاكساً مدى الحنين إلى فترة اتسمت ببساطتها وحميميتها.
كوميديا
ما طرحته الدراما الإماراتية من قضايا مجتمعية هذا العام، بينت مدى حرص صناعها على مناقشة قضايا المجتمع بشفافية، ما مكن الدراما من تصدر الماراثون الرمضاني. ففي الوقت الذي اتجهت فيه بوصلة الدراما العربية نحو أعمال تفوح منها رائحة الجريمة، وأخرى تحمل إسقاطات على الواقع، وتعالج قضايا مجتمعية عربية، فضل أحمد الجسمي برمضان، أن يشعل «حربه» العائلية الأولى، ليؤسس بذلك لثلاثية جديدة، سنرى أجزاءها الثانية والثالثة لاحقاً.
أحداث الجزء الأول من «الحرب العائلية»، تصدت لجملة من القضايا الاجتماعية التي تواجه المجتمع الخليجي عموماً، وتمت صياغتها بقالب كوميدي، بعيداً عن دراما «التراجيديا»، التي تحاصر معظم الأعمال العربية والخليجية. ورغم ما تعرض له العمل من هجوم، قبيل بدء عرضه، إلا أنه استطاع أن يؤسس لنفسه موطئ قدم في الدراما الإماراتية والخليجية.
وجهات نظر
على مواقع التواصل الاجتماعي، بان العمل بشكل واضح، حيث عكس كم التغريدات، حجم ما يحظى به المسلسل من متابعة جماهيرية خلال رمضان، والملاحظ، أن معظم تغريدات مستخدمي «تويتر» جاءت محملة بحلقات العمل الكوميدي، فيما حملت أخرى، مشاهد يعتبر مغردوها أنها الأكثر قرباً إلى قلوبهم، لما تحمله من «قفشات» كوميدية، قد تتحول مع مرور الوقت إلى «إفيهات» عامة. وفي وقت دخلت فيه «الحرب العائلية الأولى»، قائمة بعض المغردين المفضلة، وجه بعض المغردين سياط نقدهم للعمل، معتبرين أنه «لا يرتبط» بالكوميديا أبداً، والسبب، وفقاً لتعبيرهم، يرتبط بـ «ضعف السيناريو والحوار»، ليأتي الرد من آخرين، بأنه تفوق على مسلسل «عجيب غريب».
في مواجهة الثأر
إطلالة الجسمي في «الحرب العائلية الأولى»، لم تمنعه من تقديم عمل آخر، لا يقل جودة عن نظيره، إذ كانت له مع مسلسل «غمز البارود»، قصة أخرى، لعب فيها على وتر الثأر، فظهر التنويع الحقيقي في عمليه، أولهما كوميدي يُضحكك من القلب، وثانيهما، يجعلك في حالة ترقب وفضول، لمعرفة أحداث تنتظرها بشغف، ولم يقف «غمز البارود» على عتبات المُشاهدين، بل اقتحم بيوتهم وقلوبهم دون استئذان، وحاز على اهتمامهم، إذ وصفه الكثيرون، بالرائع، فيما عبَّر البعض عن استيائهم من توقيت عرضه، ما يعد مؤشراً للجماهيرية التي يحظى بها العمل.
وتشارك نخبة من الفنانين المحليين والخليجيين بهذا المسلسل، الذي يعانق من خلال 300 مشهد فترة الثمانينيات، ليرافق «أبو سالم» (أحمد الجسمي) في رحلته، ويشهد على الأحداث التي يتعرض لها في الحي الذي يقطن فيه في الفجيرة بين أسرته، ليمر بمواقف تضعه في مواجهة مع الثأر.
قضايا
وفي «مكان في القلب»، تتهادى الكوميديا على وقع القضايا الاجتماعية، لترسم البسمة على الوجوه، بأداء يتألق فيه الفنان جابر نغموش، وقصة يحكي أحداثها الكاتب والمنتج سلطان النيادي، ليعود الزمن إلى الثمانينيات والتسعينيات، مستحضراً باقة من الوجوه الإماراتية والسعودية والعمانية، التي يضفي اجتماعها معاً قيمة للعمل.
وحظي «مكان في القلب»، باهتمام الجمهور، وظهر ذلك عبر تغريداتهم التي عكست آراءهم، إذ أكد أحدهم، أن «العمل ثقافي كوميدي راقٍ، بطولة فنان مخضرم ورائع»، وذكر آخر أن «المسلسل من الأعمال التي نفخر بها وتستحق المتابعة»، ولفت أحد المغردين إلى أن المسلسل جميل، مشيراً إلى شغفه بهذه النوعية من المسلسلات المتقنة، ومؤكداً أنه يمتاز ببساطته ودقته، دون استخفاف بعقلية المشاهد، وقال أحد المغردين «المسلسل يعود بي لزمن جميل، لمدرستي وحارتنا وأهلها الطيبين»، واصفاً المسلسل بالعمل الدرامي الأكثر من رائع.
«الأنيميشن» هموم الشارع بقالب كرتوني
شهد الموسم الرمضاني، حضوراً للكرتون المحلي، إذ لم تعد المائدة الرمضانية تكتمل إلا بوجود «الأنيميشن» على طاولتها، ليصبح أبطالها ضيوفاً دائمين عليها، وعلى الرغم من غياب «عجائز» فريج عن المشهد العام، إلا أن «شامبيه» ورفاقه ظلوا أوفياء لمشاهدي الشاشة الصغيرة، فلا يمر الموسم الرمضاني، دون أن يطلوا على متابعيهم، طارحين بأسلوبهم العفوي، بعضاً من قضايا وإشكاليات المجتمع، التي اعتاد المخرج حيدر محمد وفريقه النبش عنها في سكيك الإمارات وأسواقها، ليأتي العمل محملاً بهموم الشارع.
وفي رمضان الحالي، يبلغ «شامبيه» عامه الـ 11، ليؤسس بذلك لحكاية طويلة الأمد، من خلال محاولة جادة من صناع العمل على تقديم مضمون جيد، وسعي كبير منهم لإثراء الجوانب الفنية والتقنية عاماً بعد عام، وتجديد في الشكل والمضمون.
عودة «اشحفان»
هذا العام، لم يكن «شامبيه» وأصدقاؤه في «شعبية الكرتون»، الوحيدين في الساحة المحلية، فبعد طول انقطاع، عاد «اشحفان» إلى الحياة، وهو العمل الذي أحبه الناس، وتفاعلوا مع شخصياته منذ إنتاجه قبل أكثر من 30 عاماً، ليطل «اشحفان القطو» في موسم ثانٍ، معيداً إلى الذاكرة، واحداً من أبرز كلاسيكيات الدراما الإماراتية، بحكايات «اشحفان» وتفاصيل حياته، التي يغلب عليها طابع البخل الشديد، وانعكاسات ذلك على يومياته وعلاقته مع من حوله، مثل زوجته أم حارب، وابنة أخيه شما بنت مصبح، وصديقه التاجر بوطبر، إلى جانب ما يتعرض له من مكائد يحيكها صديقاه، في محاولتهما اليائسة لكفه عن البخل.
«اشحفان القطو»، يحمل أيضاً بصمة حيدر محمد في الإخراج، وفي التأليف محمد بن ثالث، أما الأداء الصوتي، فهو لناجي خميس، وأحمد عبد الرزاق وإبراهيم سالم، ومحمد ياسين، ورزيقة طارش، وعبد الله بن حيدر، وبدور محمد، وخالد النعيمي، وطلال محمود، وسلامة المزروعي.
«أنيميشن» «اشحفان القطو 2»، جاء مستكملاً لمسيرة المسلسل الأصلي الذي عرض في عام 1978، بالإضافة إلى ما جاد به الجزء الأول الذي عرض في عام 2011، من حكايات غلفها الطابع الكوميدي، لتبدو معه مغامرات «اشحفان» غير منتهية الصلاحية، راسماً من خلالها الضحكة على شفاه متابعي أنيميشن الدراما الإماراتية، سواء كانوا صغاراً أم كباراً