حصاد رمضان 2016... هذه أفضل الأعمال الدرامية
جو 24 :
على الرغم من أن موسم رمضان التلفزيوني، في مصر، بدأ مُبشِّراً بتنافس كبير في الجودة الفنية بين عدد من الأعمال المهمة، إلا أنَّه انتهى بانخفاض في المستوى العام لتلك الأعمال بشكل واضح.
وإذا كانت هناك مشكلة واحدة، يمكنُ اعتبارها سبباً في هذا التفاوت بين البدايات المبشِّرة، ثم النهايات شبه المحبطة، فهي "لعنة الـ30 حلقة"، والإصرار لأسباب دعائيّة وتسويقيّة وماليّة، على جعل أي مسلسل تلفزيوني مكوّناً من 30 حلقة، مما يؤدّي إلى بطء في الإيقاع، وتطويل مستمر في الأحداث من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو ما يتعارض مع مستوى فنيّة العمل، ويؤدي إلى انخفاض مستواه.
لذلك، وبتقييم عام لمستوى رمضان الحالي، فقد جاء أقل من المتوسط، ولكن مع تميُّزٍ كبير لعدد من المسلسلات نستعرضها في هذا الحصاد:
يونس ولد الفضة": تفاصيل الحياة في الصعيد
لم ينل مسلسل "يونس ولد فضة" نسبة مشاهدة عالية، ربما لأنه لا يحمل نجماً ينتظر الجمهور أعماله، إذْ يتقاسم بطولته كلّ من عمرو سعد وسوسن بدر، وربّما لفقر صورة المسلسل النابعة من مشاكل إنتاجية واضحة، إذ إنَّ وجود نجم معروف في المسلسل يساعد على جذب المشاهدين وتحقيق نسب مشاهدة عالية.
ولكن إذا نحَّينا كل هذا، ونظرنا فقط للحكاية والشخصيات وتطور الحدث عبر الحلقات، فإنّ سيناريو المسلسل هو أفضل سيناريو في رمضان الحالي. عبد الرحيم كمال، كتب في رمضان الحالي أيضاً مسلسل "ونوس"، والذي عانى من تطويل واضح وملل في سير الأحداث ومشاكل في تسيير القصة، ورغم ذلك، فهو يُعتبَر فعلاً من أنجح المسلسلات.
أفضل مسلسل: أفراح القبة
على الرغم من أنَّ "أفراح القبة"، يعاني هو الآخر في بعض مراحله وحلقاته، من الفجوة بين حجم الرواية الصغيرة لنجيب محفوظ، وضرورة كتابة أحداثها في 30 حلقة، إلا أنَّه يظلُّ أفضل مسلسل مصري في رمضان. السبب الأساسي هو ثقل الرواية والشخصيات التي كتبها نجيب محفوظ قبل 40 عاماً، وثوريّة فكرة مشاهدة بعض الأشخاص حيواتهم القديمة على المسرح، ومساحة اللعب بالسرد التي تمنحها تلك الفكرة، والتي يستغلها الكاتب، محمد أمين راضي، والكاتبة، نشوى زايد، في اقتباسهما المعتمد بشكل كامل على الانتقال من العرض المسرحي إلى العالم الدرامي، وبالاعتماد على شخصيات غنيّة جداً من الناحية الدرامية.
كما أنَّ بعض الممثّلين في المسلسل، كانوا في أفضل حالاتهم وأكثرها تألُّقاً، وتحديداً منى زكي وإياد نصار وصابرين وصبري فواز. من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ المخرج محمد ياسين، والمصوّر عبد السلام موسى، يبذلان مجهوداً ضخماً في بعض الحلقات من أجل تجاوز مشاكل النص، عن طريق تصوير حلقات لا تعتمد على الحدث، قدر اعتمادها على الإيقاع والتجريب الفني، مثل الحلقة العاشرة والحادية عشرة مثلاً، حيث لا شيء يحدثُ فعليّاً في مسار القصة، ولكن هناك محاولة لخلق توتر مشدود بين الشخصيتين الرئيسيتين، طارق رمضان وسرحان الهلالي، بشكل مختلف وجديد تماماً على الدراما في مصر. لذلك، فإن "أفراح القبة"، مسلسل مهم ومثير للانتباه فنياً ودرامياً، ويستحق المشاهدة والتحليل كأهم عمل درامي في رمضان، على الرغم من العيوب الظاهرة في بعض حلقاته.
أفضل مسلسل كوميدي: نيللي وشريهان
كان الاسم الأول لهذا المسلسل هو "لغز ميكي"، وكان هذا الاسم مناسباً أكثر من الاسم الذي خرج به بعد ذلك، ليس فقط لأن اللغز هو المحرك لأحداث المسلسل الكوميدية، حيث تحاول فتاتان الوصول إلى ميراث جدهما.
ولكن، أيضاً، لأن ربط الأمر بـ"ميكي"، يليق تماماً بـ"هزلية" المسلسل وشخصياته، ومشاهدتك إياه كأنك تتابع أحداثاً كرتونية في كون مواز. كان واضحاً منذ بداية رمضان، توفير العمل لنفسه كلّ سبل النجاح.
فالمخرج، أحمد الجندي، هو أفضل مخرجي الكوميديا في مصر تقريباً (صاحب أجزاء متتالية من مسلسل "الكبير")، وبطلته، دنيا سمير غانم، هي الممثِّلة الأكثر قبولاً ونجاحاً في أعمالها الكوميديّة، مع مساندة وكيمياء واضحة بينها وبين أختها إيمي سمير غانم، وحضور قوي لعدد من الممثلين ذوي الحضور والقبول الجماهيري في الأدوار الأخرى، مثل بيومي فؤاد ومحمد سلام ومصطفى خاطر.
تلك الأسباب، إلى جانب الحضور اليومي تقريباً لضيف شرفٍ له جماهيريّة، كما حدث في العام الماضي مع مسلسل "لهفة"، من بطولة دنيا أيضاً، دفعت المسلسل ليصبح الرهان الرمضاني الأنجح كوميديّاً، والأعلى في نسَب المشاهدة بين بقية منافسيه، متجاوزاً، تحديداً، مسلسل "مأمون وشركاه" لعادل إمام، الذي ظلَّ يعتمدُ على نفس أشكال الكوميديا القديمة.
أفضل ممثل: يحيى الفخراني في "ونوس"
في الحلقة الأولى من مسلسل "ونوس"، يحضر إلى العائلة رجلٌ غريب، يخبرهم بأنَّه صديق والدهم المُختفِي منذ 20 عاماً، وبأنّ لهم إرثاً من ملايين الجنيهات، يجب أن يستعيدوه. يحيى الفخراني، في ذلك المشهد، كان يخطف الأوكسجين من الغرفة، ويسيطر بملامحه وصوته وحضوره على جميع الممثلين أمامه، وعلى ملايين المتفرجين الذين شاهدوا تلك الحلقة، ويمنحهم سبباً حقيقياً لمتابعة هذا العمل.
لاحقاً، يتكشَّف أن "ونوس" هو الشيطان، وأن المسلسل بكامله إعادة إنتاج لقصة "فاوست" الكلاسيكية، وتصبح متابعة الفخراني، وهو يوسوس لكل شخصيات العمل، ويمارس ألاعيبه السحرية أمامهم، هي المتعة الحقيقية، وأحياناً الوحيدة، التي يملكها المسلسل.
أفضل ممثلة: نيللي كريم في "سقوط حر"
لو اعتبرنا أنّنا لم نشاهد نيللي كريم من قبل، وأن "سقوط حر" هو أوّل عمل نراها فيه، فإن أداءها لشخصيَّة "ملك" هو أداء لا ينسى. ولكن عيب هذا الأداء الوحيد، هو أنَّه يمكن مقاربته بسهولة لأدائها في العام الماضي في مسلسل "تحت السيطرة" (حيث كانت حينها مدمنة مخدرات تحاول التعافي، وتمر بأزمات حياتية في مقابل أدائها هنا دور مريضة نفسية تعاني من صدمة ضخمة).
حيث تعتمد، نيللي كريم، على نفس أشكال التعبير كأنها لشخصية واحدة. ولكن مع ذلك، فإنها تقدم أفضل أداء كممثلة في رمضان الحالي، حيث يظلّ أداؤها مؤثّراً وقويّاً، ويشكل الرابط الأساسي بين المشاهد وبين ما يراه أمامه على الشاشة.
على الجانب الآخر، يجمع النقّاد، حتى الآن، على أنّ التجربة الإخراجيّة في مسلسل "أفراح القبة"، وتجربة كتابة السيناريو في مسلسل "يونس ولد فضة"، هما من التجارب الأفضل في مسلسلات موسم رمضان الحالي، حيث تتنافس المسلسلات بشراسة في جذب انتباه المشاهد العربي.
"أفراح القبة": هيمنة بين المخرج والكاتب
أثناء تصوير مسلسل "أفراح القبة" حدثت مشاكل ضخمة بين المخرج محمد ياسين، والكاتب الأساسي للسيناريو محمد أمين راضي. على الأغلب، كان الخلاف حول الملكيّة الإبداعيّة للمسلسل. راضي، كان قد قدَّم ثلاثة مسلسلات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة، ويبدو أنَّ طموحه مُتعلّق بإعادة نجومية كاتب السيناريو، أسوة، بأسامة أنور عكاشة، من قبل، حيث يتحول المخرج لأداة تنفّذ أفكار الكاتب، وهذا تحديداً سيكون غير مقبولٍ بالنسبة لمحمد ياسين، كمخرج له رؤيته الخاصّة.
وكان ياسين قد أخرج قبل سنوات قليلة مسلسل مثل "موجة حارة"، والذي يُعتبَر من أفضل المسلسلات التي قدّمتها الدراما المصرية في السنوات الأخيرة، لذلك فإن النتيجة كانت انسحاب راضي من العمل بعد كتابة نصف الحلقات، وذلك بسبب الصراع بينه وبين المخرج على مسألة الهيمنة على العمل. ياسين، قرر بعد انسحاب راضي، الاستعانة بالكاتبة، نشوى زايد، لتكمل حلقات المسلسل، لتظهر بعد ذلك المشاكل في الكتابة والفارق في العوالم، لأن بنية العمل ليست من قبل صانع وكاتب واحد، ورغم أن ذلك الأمر كان من المحتمل أن يعصف بالمشروع كله، إلا أنَّ موهبة ياسين الفائقة والواضحة جداً، هي ما أنقذت كل شيء.
هناك حلقات كاملة من المسلسل تعتمد على تطوير العلاقة بين شخصين، وليس على حدث مباشر يتابعه المشاهد. الحلقة الثامنة، مثلاً، تبدو مثالية في إظهار تطوّر العلاقة بين "تحية عبده"، و"طارق رمضان"، إذ كيف يخلُق ياسين لحظات هادئة جداً للذكرى، كغناء "الهاشا باشا تاكا" في الشارع مثلاً، أو حوارهما معاً في المسرح، ليمنح مسلسله دفعة شعورية تتجاوز حتى مشاكل الكتابة. ويظهرُ مجهود ياسين بشكلٍ واضح مع المصوّر، عبد السلام موسى، في كل لقطة، وفي كل كادر، لصنُع صورةٍ فنيّةٍ بعيدة عن المُعتاد في المسلسلات المصرية. وأيضاً، في كيفيّة إظهار الكثير من الممثلين في أفضل أداءاتهم، وخلق تفاعل و"كيميا" بينهم على الشاشة. "أفراح القبة"، هو المثال الأبرز على قيمة الإخراج، وقدرته على تجاوز كل العثرات الممكنة، ليصنع عملاً مهماً وقيماً.