الخدع المبرمجة في الإعلام.. فعل مهين ومحط بالكرامة!
ممّ لا شك فيه أنّ برامج المقالب التي تُعرض على مختلف الشاشات الفضائية والعربية خلال شهر رمضان المبارك قد حقَّقت نسبة مشاهدة مرتفعة، وقد يبدو من الطبيعي اهتمام الناس بهكذا نوع من البرامج بحثاً عن البسمة ما دام الأمر يبقى ضمن إطار المقلب. فالمشاهد بطبيعته لديه حشرية حول وضع إنسان آخر في مواقف محرجة ورصد ردّات فعله. لكن ما نراه في البرامج الحاليّة، وأعني منها تحديداً برنامجَي "هاني في الادغال" و"رامز بيلعب بالنار"، تعدّى الفكرة المعتادة للمقلب ليصل الى حدّ وضع الضحية في حال تخويف وترهيب حقيقيّين، تصل الى حدّ استباحة مشاعره وتعريضه لشتّى أنواع ردّات الفعل والانفعالات تحت تأثير الخوف المحتّم والخطر الداهم.
فما يحصل في هذه البرامج هو وضع الضحية في مواجهة "الموت" من خلال إيهامها بطريقة محكمة مدروسة بأنها في دائرة خطر لا مفر منها، أمام استمتاع فريق الإعداد بتعذيبها وتجرّدها من انسانيّتها ومراقبة ردات فعلها من دون تحريك أيّ ساكن.
امام هذه المشاهد يُطرح السؤال الآتي: ما هي حقوق "الفريسة" امام خطورة المقلب وما هي خياراتها بعد كلّ ما تتعرّض له من مواقف مؤذية؟
الاجابة على هذا السؤال تتطلب - الى جانب الرأي القانوني - إحاطة من وجهة نظر علم النفس. "الجمهورية" التقت الدكتور شربل جان سكاف، وهو طبيب أمراض نفسية ومحلل نفسي واستاذ محاضر في جامعات لبنانية وأوروبية. وكان الحوار الآتي:
• كيف يُعرّف علم النفس المقلب؟
- المقلب (او الخدعة) هو عملية إستدعاء شخص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للخضوع أو القيام بفعل مهين ومحط بالكرامة. هو شكل من أشكال العنف، خصوصاً أنه تصرّف متعمّد لإذلال الآخر ترافقه المتعة لإظهار نقاط ضعف الضحية. والجدير ذكره هو أنّ المخادعين لديهم تصوّراتهم الخاصة بهم، أي إنهم يُقرّرون وفق غاياتهم ومصالحهم ما هو محلّل وما هو محرّم.
• ما هو دور المحطات التلفزيونية في دعم معدّي برامج الخدع وتسويقها؟
- إنّ تماسك المجموعة وهنا أقصد المؤسسات التلفزيونية المروّجة لبرامج الخدع، يؤمّن جواً مؤاتياً لإنجاح الخدعة والقيام بتصرّفات يصعب على المخادع أن يقوم بها منفرداً، كما أنّ هذه الوحدة تساعد المخادع لكي يغضّ النظر عن الأذى الذي يمكن أن تلحقه الخدعة بالضحية.
• تقنية الخدعة في البرامج قد استُنفدت من بعد تطبيقها سابقاً، لكننا نشهد عودتها اليوم، كيف تفسر ذلك؟
- يمكن أن نرجح عودة برامج الخدع التلفزيونية لرغبة لدى معدّيها بالحصول على الشهرة السريعة لما لهذه البرامج من تأثير على جذب نسبة عالية من المشاهدين، والخدع تؤمّن لمعدّيها الذين هم في صدد التفتيش عن الشهرة والمكانة الاجتماعية نوعاً من الوهم (illusion) الذي يساعدهم على تلبية هذه الرغبة.
• ما هو مبرّر قيام معدّي ومقدّمي هكذا برامج بهذه التصرفات المذلّة؟
- هناك مبرران لذلك: الأول يكمن في ازدواجية الخدعة التي تنجح في إظهار حدث مؤلم على انه مصدر لذة، أما المبرّر الثاني فهو أنّ بعض المخادعين قد يلجأ الى الخدع من اجل تعويض فشل معيّن في الحياة.
• هل يمكن مقاومة المخادعين؟
- مفهوم الخدعة يرتكز على "الوهم"، بمعنى أنّ أحداً لا يمكنه الفرار منها. الضمانة لمواجهة هذا النوع من البرامج هي عدم المشاركة في البرنامج إلّا من خلال الحصول على تفسيرات شخصية وربط المشاركة بالعقاب القانوني، وتلك البرامج يخفّ وهجها كلما ضعفت إمكانات مشاركة الضيوف وازدادت نسبة رفضهم لتلبيتها.
لكن ما أود تأكيده أنه لا يمكن إعتبار معدّ البرنامج جلاداً والضيف ضحية، خصوصاً أنّ العلاقة بينهما هي علاقة جدلية، أي إذا توصل معدّ البرنامج إلى وضع ضيفه في وضعيّة حرجة، فذلك يدلّ على أنّ الضيف إستجاب لإثارة معيّنة، وهذا ما يمكن أن يجذب المشاهد لأنّه اقترب أكثر من الجوانب اللصيقة بشخصية بالانسان.
• البعض يتكلم عن أنّ معدّي هذه البرامج يقدمون أموالاً إلى ضيوفهم؟
- المسألة ليست مسألة أموال بحتة، إنما مسألة أكثر تعقيداً، إذ إنها ترتبط بتاريخ الشخص المخدوع، بحيث يمكن أن يكون تعرّض إلى صدمة في حياته، يحاول تعويضها عبر قبول المال.
• أخيراً، ثمّة ضحايا يعتبرون أنّ إصابتهم باضطراب نفسي شديد قد تتحوّل إلى إرهاب أو فوبيا مدى الحياة من النار أو الطائرة أو الوسيلة المرعبة التي تُستخدم، وعليه وجدنا العديد من الدعاوى القضائية في هذا المجال. ما رأيك؟
- إنّ الخضوع لخدعة قد يُعزّز حال الخوف الشديد إنما لا يمكن أن يخلقها إذا لم يكن عند الفرد إستعداد معين. ويكون المريض غالباً مدركاً تماماً بأنّ الخوف الذي يصيبه غير منطقي ولكنه لا يستطيع التخلص منه من دون الخضوع للعلاج النفسي، وعندها نساعد المريض ليفهم المؤثرات التي أوصلته إلى حال الرهاب.
بعد هذه الإحاطة لرأي علم النفس، يبقى السؤال الاكثر حضوراً: لماذا يقبل الضيف -بعد تعرّض صورته لكلّ ما تتعرّض له- بعرض المشهد خصوصاً أنه من المشاهير؟ مع الاشارة الى انه في القانون يحق له الاعتراض على بث الحلقة، وأكثر من ذلك المطالبة بتعويض مادي ومعنوي ومقاضاة منفّذي هذه المقالب للمطالبة بما أصابه من ضررٍ نفسي او جسدي.
(رولا ايليا - الجمهورية)