وداعاً للسرية المصرفية
جو 24 :
أصبح التهرّب الضريبي وباء تسعى الى مكافحته كل السلطات الضريبية في العالم بكل ما أتيح لها من سلاح وأدوات، لما تحمله هذه الجريمة من خسائر سنوية على خزينة الدول التي أقدمت على إقرار سلسلة تشريعات وأنظمة جديدة لوضع حدّ لهذه الظاهرة التي تأزمت أكثر بعد فضيحة ما عرف بـ"أوراق بناما"، وأجبرت عدداً من الدول ومنها لبنان على الانخراط في هذه الأنظمة الجديدة.
شهدت العلاقات الضريبيّة الدولية تطوّرات سريعة في الأعوام الاخيرة لا سيما على مستوى توقيع معاهدات تلافي الازدواج الضريبي بين الدول، وتأسيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وتعزيز دورها في مجال مكافحة التهرّب الضريبي وتنسيق تبادل المعلومات الضريبيّة عن المكلفين ومكافحة ظاهرة الملاذات الضريبيّة، وصولاً الى إقرار قانون "فاتكا" الأميركي عام 2010 والذي رسخ فكرة التبادل التلقائي للمعلومات الضريبيّة بين الدول.
وبعدما هزّت فضيحة "اوراق بناما" العالم، إتخذت سلطات مالية وضريبية قراراً لعولمة قانون الإمتثال الضريبي الأميركي ليصبح قانوناً دولياً تحت مسمّى قانون الامتثال الضريبي على الحسابات العالمية GATCA أي ما يعني GATCA Global Account Tax Compliance Act، والذي يساهم في تبادل المعلومات المالية بين الدول الموقّعة عليه، لمنع مواطني هذه الدول من التهرّب من دفع الضرائب.
يعتبر قانون "غاتكا" الحدث الأهم عالمياً على صعيد محاربة التهرّب الضريبي، وينصّ على إلزامية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبيّة بين الدول المُوقعة عليه. في شباط ٢٠١٤، طرحت الـOECD مشروع إتفاق التبادل التلقائي للمعلومات الضريبيّة بين دول المنظمة. والفقرة الأهم في هذا الإتفاق هي إلزاميّة التبادل التلقائي للمعلومات بين الدول التي توقع الإتفاق، إضافة إلى فرض عملية تحقق من مداخيل الأشخاص والمؤسسات من مصارف هذه الدول (Due Diligence). ومنعاً لإعتباره جنّة ضريبية وادراجه في اللائحة السوداء الدولية، أجبر لبنان على توقيع تعهّد الانضمام الى المنتدى العالمي (Global Forum) الذي إنبثق منه قانون "غاتكا"، لتصبح مصارفه مُلزمة من ايلول 2018 تقديم المعلومات المالية المتعلقة بالحسابات لديها الى الدول المنضوية في النظام.
وعلى لبنان الانتقال الى المرحلة الثانية قبل حلول ايلول 2016 لتفادي ادراجه في اللائحة السوداء، وتقضي بأن يوقع الإتفاق المتعدّد الطرف للمساعدة المتبادلة في المجال الضريبي وإقرار عدد من مشاريع القوانين الجاهزة في أدراج مجلس النواب، كذلك عليه وضع قواعد محلية للاستحصال على المعلومات والإبلاغ عنها، وتوفير أداة قانونية تتيح التبادل التلقائي للمعلومات بين أنظمة الدول المختلفة. ومن المتوقع أن يصدر مصرف لبنان مبادئ توجيهية للمؤسسات المالية لتكون لديها الوسائل التقنية اللازمة وكذلك الإدارية وضمنها الإمكانات البشرية لالتزام تبادل المعلومات. ومع الاشارة الى ان الأمينة العامة للمنتدى الدولي مونيكا باتيا ستزور لبنان في 12 تموز الجاري و13 منه، تليها زيارات تقنية في أيلول المقبل بهدف التحقق من الآليات التي وضعها لبنان لتطبيق بنود GATCA عن التبادل التلقائي للمعلومات. ويفرض تطبيق هذه الأنظمة الجديدة تشريعاً قانونياً جديداً قبل حلول أيلول المُقبل مما يساهم في رفع السرية المصرفية وان جزئياً عن بعض الحسابات ليتمكن لبنان من نقل المعلومات المطلوبة في التصريح الضريبي التلقائي تحت طائلة مُخالفة وزارة المال للقانون الذي ولدت بموجبه السريّة المصرفية، وهذا الأمر غير محسوم نظراً الى وجود نقاط عالقة. وتنص القوانين الواجب إقرارها على رفع السرّية المصرفية ولو جزئياً ويتوجّب أن تكون مشاريع هذه القوانين في اللجان النيابية قيد الدرس. كما سيطرح رفع السرّية المصرفية عن حسابات الزبائن السؤال عن مصير السرّية المصرفية على كل حسابات الزبائن من وجهة نظر وزارة المال. وتالياً ثمة تساؤل أساسي عن قانونية رفع السرّية المصرفية عن الحسابات لمصلحة الدول التي وقعت إتفاق "غاتكا" وعدم رفعها الى حساب وزارة المال. وهذا الأمر إذا حصل سيدفع بوزارة المال وتحديداً بمديرية الضرائب إلى الشروع بملاحقة التهرّب الضريبي في لبنان.
والى المخاوف من أن يؤدي "غاتكا" الى إختفاء السرية المصرفية في لبنان يحمل النظام العالمي الجديد تكاليف تشغيلية إضافية، بالاضافة الى إمكان أن يؤدي الى هرب بعض الودائع من لبنان بعدما كانت تجد في مصارفه ملاذاً آمناً لها. علماً أنه في حال أثمر هذا النظام الجديد دولياً، سيكون على لبنان تغيير نظامه الضريبي كي يشمل اتفاق "غاتكا" 12 مليون لبناني موزعين عالمياً، قد تشملهم الاجراءات الضريبية اللبنانية.-(النهار - موريس متى)