بتصميمه على الرفع..النسور يحاول العبور من ثقب الابرة !
كتب د. حسن البراري
رفع الاسعار في الدول التي تحظى حكوماتها بثقة شعبية معقولة لا يحتاج لحملة علاقات عامة او ترويج لرفع الأسعار، الحال مختلف عندنا في الاردن، فالحكومة تبذل جهدا هائلا في هذا الاتجاه إذ قامت باجراء لقاءات كثيرة مع قطاعات تمثل الشرائح المختلفة للشعب الاردني لشرح انه ليس امامها سوى رفع الدعم ورفع الاسعار مقابل توفير دعم مادي مباشر للاردنيين.
هناك سببان يجعلان من رفع الاسعار خيارا محفوفا بالمخاطر. الأول مرتبط مباشرة بالاثر السلبي الكبير على مستويات المعيشة للاردنيين الذين مازالوا يشعرون بأنهم يتحملون الاعباء الناجمة عن سياسات اقتصادية خاطئة لم يكن لهم رأي بها من البداية، فالحكومات المتعاقبة على مدار اكثر من عقد مضى استخفت بالشعب واوغلت في السياسات التي أوصلتنا على نقطة لم تعد معها الدولة بقادرة على الصمود امام عظم الأزمة الاقتصادية.
السبب الثاني هو غياب الثقة بين المواطنيين الاردنيين والمؤسسات الرسمية وبخاصة الحكومات التي اتسمت بالضعف الشديد وامتثالها لمراكز القوى المتنفذة، وبالفعل كشف العامان الفائتان أن المواطن الأردني لم يعد ينطلي عليه أي تسويغ عندما يتعلق الأمر بقوته اليومي، فالانطباع العام أن الحكومات أخفقت إخفاقا شديدا في ضبط النفقات وتساهلت في البيوعات وانتهجت سياسة خصخصة منفلتة من عقالها بشكل ادى الى هدر في مقدرات الوطن وتراجع الايرادات. ومما زاد من الطين بلة هو أن رئيس الوزراء كان يعارض السياسات التي ينوي تطبيقها بحجة أن المسؤولية تقتضي ذلك، فإذا كان "المعارض" يتصرف بهذا الشكل، فكيف إذن يمكن للمواطن ان يثق بما يقوله الرئيس وفريقه الاقتصادي العابر للحكومات؟!
صحيح أن التحدي الأكبر هو الطاقة، فهي تستنزف الواردات الاردنية، لكن الكثير من المواطنين لا يثقون بالالية التي بموجبها توضع تسعيرة المشتقات النفطية. فكيف يمكن للمواطن أن يصدق أن هناك دعما للمشتقات النفطية في وقت تباع عندنا بسعر اعلى من الولايات المتحدة بنسبة ٣٠٪ تقريبا مع ان امريكا تدفع اجور نقل اكثر ويتقاضى العاملون في قطاع النفط بالولايات المتحدة اجورا باهظة؟! كيف يمكن تفسير ذلك؟! هل يمكن لوزير الطاقة على سبيل المثال ان يصارح الاردنيين بالكلفة الحقيقية للمشتقات النفطية؟! على رئيس الحكومة وفريقه ان يتسوعبا ان هناك مشكلة ثقة وهو ما يصعّب من مهمتهم في اقناع الناس بهذا الخيار الكارثي.
من دون شك أخفق الاصلاح الاقتصادي في تحقيق الرخاء الذي وعدتهم به الحكومات، فالقائمون عليه اغفلوا عن قصد وسؤ نية ضرورة ان يرافق ذلك اصلاح سياسي يمكن الشعب الاردني من المشاركة في صنع القرار، فغابت الشفافية والمساءلة وتطاول الكثير من المتنفذين على المال العام ولم تمتلك الحكومات غير المنتخبة ولا المجالس النيابية المزورة الجرأة أو الكفاءة على ادارة دفة الاقتصاد الوطني.
المواطن الآن ينظر بريبة لدولته، ونسمع استهجان وتذمر من مختلف القطاعات التي تستهجن عدم قدرة الحكومات على التفكير بأي خيار آخر غير جيب المواطن، فالموازنة تعاني من خلل في الاولويات ما اثقل كاهلها ودفع البلاد إلى وضع اقتصادي سيء، واللافت أن أيا من الحكومات لم تفكر في اعادة تعريف أولويات الموازنة.
الحل يكمن في اعادة رسم السياسة الاقتصادية وفي اعادة ترتيب اولويات الموازنة إذ لا يعقل ان تكون موازنة الدفاع اعلى من موازنة التعليم والصحة! وهذا لا يتم الا باجراء اصلاحات سياسية حقيقية تجعل من المواطن شريكا حقيقا، ومن دون ذلك سيستمر الاحتقان السياسي والضنك الاقتصادي وتصبح جميع السيناريوهات مفتوحة، فليس من الغرابة أن يعبر احد الاستراتيجيين الاميركان (المعروف بقربه من القصر ودفاعه عن الاردن) عن قلقه من عدم قدرة الرسميين على إدارة دفة الامور في الاردن، فإذا كان هذا هو موقف اصدقاء الاردن فعندها علينا ان نضع ايدينا على قلوبنا.