دعاة التكفير وأدعياء التنوير وجهان لعملة التطرف وإشاعة الكراهية
جو 24 :
كتب عمر المحارمة -
ليس من بيئة أكثر خصوبة لتنامي التطرف والفكر التكفيري وتغذية الارهاب من جنوح بعض «أدعياء» التنوير الى استغلال الحرب على التطرف والارهاب لجعلها حربا على الدين والتدين، وهؤلاء التنويريون في الحقيقة ليسوا الا وجها آخر للتطرف واشاعة الكراهية ونبذ الآخر.
ما تحمله بعض المقالات الصحفية او الدعوات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن تصنيفها الا في خانة الاعتداء على المقدسات وعلى الهوية الشعبية التي تميل للتدين وترفض بشدة التعدي على الثوابت الدينية.
الشعب الاردني متمسك بدينه معتز بوطنيته وهويته، وأي محاولة لمواجهة مظاهر التدين بحجة محاربة الإرهاب ستدفع بالمزيد من ابنائه نحو التطرف عدا عن كون تلك المحاولات انتهاكا لحقوق الإنسان واعتداء على حريات الناس في الراي والتعبير من قبل من يضعون أنفسهم في صف المدافعين عن تلك الحقوق.
الحملة «المسعورة» ضد مظاهر التدين والمؤسسات الدينية يقودها مدعون للتنوير «ينهون عن الفعل ويأتون بمثله» فهم ينقلبون بسرعة كبيرة من دعاة لحرية الراي وتبني الافكار واختيار شكل الحياة او نوع التعليم الى دعاة لقمع من يختار او يتبنى افكارا تخالف ما يرون هم أنه الطريق القويم في تجلٍ واضح للفوقية والنرجسية.
الإرهاب يمثل تهديداً مستمراً للسلام والأمن والاستقرار ويحتاج الى اعتماد خطة استراتيجية متكاملة وشاملة ومحكمة وقابلة للتّنفيذ تعتمد على المعالجة الأمنية والثقافية والنفسية، والإجراءات السياسية حتى نحمي أبناءنا من الأفكار الهدامة ونجنبهم الوقوع فريسةً للجماعات والمنظمات المشبوهة الى جانب المعالجة الأمنية.
والمعالجة الثقافية والسياسية تتطلب بالضرورة مواجهة الدعوات التي تستفز الناس وتدفعهم الى التزمت والتشدد حفاظا على هويتهم ومعتقداتهم، فالداعي للانضواء في الجماعات الارهابية ليس اقل خطرا من الدافع نحوها حتى وان رفع شعار محاربتها.
تاريخيا تعتبر محاربة مظاهر التدين احد النتائج المباشرة لقيام المحافظين الجدد والمعروفين بتعصبهم الديني بشن حرب على كل ما هو إسلامي بعد هجمات 11 سبتمبر بدعوى محاربة «التطرف والإرهاب» دون تعريف واضح لمعنى «التطرف والإرهاب» فأصبح الحجاب وبناء المساجد والصلاة فيها والمآذن التي تعلوها من «التطرف» وأصبحت الجمعيات الخيرية التي تساعد الفقراء وتكفل الأيتام وتعلم القرآن والأحاديث وتبني المدارس تتبنى «الإرهاب» وتم إغلاق ومطاردة معظمها على خلفية هذه الاتهامات الملفقة مما أضر بالملايين في مختلف دول العالم.
هذه الحمى انتقلت من أمريكا إلى دول أوروبية عديدة حاربت النقاب ثم منعت الحجاب في المدارس وأماكن العمل وراقبت مرتادي المساجد وألقت القبض على الكثير منهم لمجرد الاشتباه وتنصتت على ملايين المكالمات والرسائل الإلكترونية كل ذلك تحت لافتة محاربة «الإرهاب» ولم يقدم أحد حتى الآن دليلا واحدا على العلاقة بين هذه الأمور و»الإرهاب» ولكن كان هناك تعمد لخلط الحابل بالنابل للتضييق على المسلميين وتخويفهم.
لكن المثير للحنق ان تمتد هذه الظاهرة إلى بعض البلدان الإسلامية وتبني افكارها ومواقفها عبر تيارات ومؤسسات مدنية وسياسية ووسائل اعلام محلية تدعي الانتماء لذات الهوية فيما تشن الحرب ضد الدين والتدين عبر منصاتها واثيرها او صفحاتها.
خطورة استغلال الحرب على التطرف والارهاب لمحاربة الدين والتدين لا تتعلق بمخاطر متوقعة على الهوية الدينية، فهي متجذرة في الوجدان المجتمعي ومتعمقة في نفوس الناس الى حدود تضعها موضع التحصين، لكن الخطورة في ما ينتج عن هذا الاستغلال من تنام للتطرف وتزايد ميول الشباب للالتحاق بالتنظيمات الارهابية اعتقادا منهم ان ذلك سبيل للدفاع عن الدين والتدين خصوصا اذا ما لاحظ هؤلاء الشباب ميلا للتغاضي عن تجاوزات «التنويريين» الظلامية.
مهاجمة الشريعة الإسلامية والاستهزاء بأحكامها ومحاولة تحجيم المؤسسات الدينية ليس الا وجها آخر لتغذية التطرف وطريقا مختلفا لتجنيد المتشددين في صفوف الجماعات الارهابية، وليس من المبالغة الدعوة الى محاربة هذا الفكر «التنويري» في سياق الحرب على الارهاب والتطرف، فمواجهة الفكر التكفيري الخبيث لن تتم الا بفكر مستنير، منفتح، يقبل الآخر ويتعايش معه مستمد من ديننا الإسلامي الحنيف الصحيح الذي يدعو للسلام، ويحرم الدماء، ويحفظ الأعراض، ويعمر الأرض، ويوجه طاقات الإنسان لعمل الخير ولمساعدة ألاخر وليس من خلال فكر يحارب الاسلام نفسه ويحاول ان يلصق تهمة الارهاب به.-(الدستور)