مآسي الأعراس اللبنانية: عندما تحوّل الزفاف الى مأتم

من ظاهرة المغالاة في المهور، والإسراف في تنظيم حفلات الزواج، وتنافس الناس في البذخ وإنفاق الأموال الطائلة يبقى لـ"كل عرس قرص". مقولة شعبية حفظناها عن ظهر قلب وتداولناها لأنَّه غالباً ما لا تكتمل الأفراح من دون غصَّة. هذا اليوم المميز قد يتحول كابوساً يرتدُّ على العرسان أو المدعوين. وليست حادثة سقوط عمود كهربائي في مجمع "اده ساندز" السياحي في جبيل، أثناء إقامة حفل زفاف الأولى من نوعها إذ إنَّ هناك حوادث غيَّرت الأفراح لتحولها أتراحاً.

أزيز الرصاص وعدَّاد الضحايا

ظاهرة إطلاق النار عشوائياً التي تنطلق مع كل مناسبة في لبنان باتت تشكِّل مصدر إزعاج عام ووسيلة لترويع الناس وتخويفهم خلال الأعراس ما يجعل من الأفراح مصائبَ. بيد أنَّ مشكلة السلاح في لبنان قديمة وليست طارئة على مجتمعنا، ولا أعداد الجرحى الذين يسقطون في كل مرة من دون ذنب. ففي أيلول من العام 2013 أودى إطلاق النار ابتهاجاً في أحد الأعراس بحياة وسيم شحادة ابن بلدة حوش سنيد البقاعية (قضاء بعلبك). كما أدَّى إطلاق النار عام 2015 خلال حفل زفاف في منطقة التل الأبيض في بعلبك إلى إصابة شخصين برصاص طائش في قدميهما نقلا على إثره إلى المستشفى للعلاج. وفي أيار 2016 أسفر إطلاق نار كثيف في حفل زفاف في بلدة وادي الجاموس في عكار عن إصابة 3 أشخاص بجروح على إثرها نقلوا إلى مستشفيات المنطقة. هذه نماذج بسيطة عن تفلت السلاح والعادة القبليَّة التي لا زالت سائدة بين كثيرين، ولمَ تخف وطأتها بعد مرور سنوات، ولم تزد المآسي المستمرة الناس وعياً إلى مخاطر هذه الآفة.

أخبار ذات صلة

بعد سنواتٍ من الانتظار، حلمٌ قديم دمّرته جملةٌ واحدة... قالها الطبيب لسناء...

يوم مشؤوم

بتاريخ 31 تموز 2009، توفي الطفل فيليب حاتم (11 سنة) بعدما انقلبت عليه صخرة في حفل زفاف كان يحضره مع الأهل والأصدقاء. مما دفع بعائلته ومحبيه إلى إطلاق مؤسسة خيرية تحمل اسمه وتهدف إلى مساندة الفقراء وتمويل المنظمات المحلية التي تعنى بالطفولة وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي اعتمدت في 20 تشرين الثاني من العام 1989 والبروتوكولين الاختياريين لاتفاقية اعتمدت في 25 أيار عام 2000. وتسعى جمعية "فيليب حاتم" (forahappychildhood) إلى تحقيق السعادة لأكبر عدد من الأطفال المعرضين للخطر وسوء المعاملة في كل أنحاء العالم ممكن، والتأكد من أنهم يتلقون كل الدعم والضروريات الأساسية مثل الغذاء والكساء والمأوى، والحماية ضد مجموعة متنوعة من القضايا، والرعاية الصحية والتعليم.

الألعاب النارية... خطر مجهول

في 27 آب من العام 2010، وخلال حفل زفاف شادي الشدياق وعروسه دلال يوسف، شبَّ حريق في صالة "سيزر بالاس"، داخل فندق "ريجنسي بالاس" في منطقة أدما، أدَّى إلى اشتعال الستائر وسيارة العروس داخل الصالة وانقطاع التيار الكهربائي وانقطاع إضاءة الطوارئ. كما تسبَّب الحريق بحالٍ من الهلع في الصالة وتدافعٍ في الظلام، وحالات تسمم واختناق طالت ما يزيد على عشرين شخصاً، أُدخل معظمهم إلى المستشفيات للعلاج. يومها، شبَّ الحريق نتيجة خطأ في توقيت إشعال المفرقعات النارية، إذ وجب أن تنطلق المجموعة الأولى منها عند دخول العريس، والمجموعة الثانية عند دخول العروس. لكن ما حصل، هو انطلاق المجموعة الأولى والثانية من المفرقعات النارية داخل الصالة في آنٍ واحد. وتزامن انطلاقها إلكترونياً عبر جهاز للتحكم من بُعد حين دخل العريس إلى الصالة، في حين كانت لا تزال الستائر من جهة العروس مسدلة، مما أدَّى إلى احتراق الستائر والسقف وامتداد الحريق إلى السيارة الموجودة على المسرح التي يُفترض وجود العروس فيها للدخول بها إلى الصالة ولقاء العريس.

السكاكين بديلاً من الرقص

في عام 2005، تحول حفل زفاف فلسطيني داخل مخيم عين الحلوة في صيدا مسرحاً للعراك استخدمت فيه السكاكين. وفي التفاصيل، أنَّ عرساً كان يقام في قاعة ناجي العلي داخل عين الحلوة ما لبث أن تحولت أجواؤه من الموسيقى والرقص والأغاني إلى عراك بالأيدي فالسكاكين نتيجة إشكال فردي بين شبان من حي العروس وآخرين من حي العريس ما أسفر عن إصابة خمسة بجروح مختلفة وأدَّى إلى إلغاء الحفل.

من زفاف إلى مأتم

زفاف في شهر آذار من العام 2016 تحوّل في بلدة ببنين العكارية إلى عزاء، بعد وفاة مفاجئة لوالدة العريس وصديقه بعارضين صحيين، وبفارق نصف ساعة فقط بينهما. وفي المعلومات أنَّ صديق العريس أصيب بعارض صحي نقل على إثره إلى المستشفى ولكن ما لبث أن فارق الحياة. ولم تمضِ نصف ساعة حتى أصيبت والدة العريس بعارض صحي أيضاً، نتيجة الإرهاق الشديد، ما تسبب في وفاتها على الفور، ليتحول الزفاف إلى مأتم.

دخلاء على المهنة

في هذا الإطار، تشرح منظمة الاعراس و الحفلات فاليري زريق في حديث لـ"النهار" أنَّ "في لبنان شركات محترمة تهتم بتنظيم الأعراس وما يحصل من حوادث هو حالات قليلة مقارنة بمئات الحفلات التي تجري طيلة العام. ولكنَّ المشكلة تكمن في وجود بعض الدخلاء على المهنة ما ينعكس سلباً على الزبون. نحن في عملنا نحرص أولاً على كل التفاصيل المتعلقة بالكهرباء ونتنبَّه إلى عدم مرور أي شريط كهرباء بالقرب من مكان فيه مياه أو حوض سباحة، كما نحرص على وجود فني خبير بشؤون الكهرباء طيلة فترة الحفل، إضافةً إلى إيلاء الأهمية إلى معوقات قد تطال الترتيب أو تركيب جسور الحديد وحتى حال الطاولات والكراسي التي تؤدي عدم جودتها إلى سقوط المدعوين. ونسعى دوماً إلى العمل مع موردين يرسلون إلينا فنيين متخصصين بمسألة السلامة العامة. وفي ما يتعلق بالألعاب النارية يجب أن يدرك المنظمون أنَّ هناك مفرقعات مخصصة للداخل تكون قوتها وشرارتها أقل وأخرى للهواء الطلق، وغياب المعلومات حول هذا التفصيل ينجم عنه أخطار". وتضيف: "شركات تنظيم الحفلات غالباً ما تؤمِّن على حياة فريق العمل وكل إنسان مدعوٍ إلى الحفل. ولكنَّ منظم الحفل لا يتحمل دوماً المسؤولية لأن الزبون قد يطلب أحياناً التعامل مع شركات يختارها قد لا تعي تماماً دقة العمل. لذا، النصيحة للراغبين في الزواج أو تنظيم حفل بالتواصل مع منظم حفلات متمكِّن من عمله ومدركٍ لكل التفاصيل لا السعي فقط إلى من يقدِّم عروضاً بأسعار أرخص من دون مراعاة السلامة العامة والضرر بحياة الناس".

بين الحوادث المرتبطة بالأخطاء البشرية والقدرة الإلهية، تبقى الأقاويل الشعبية مثل "الله يتمِّم على خير" و"الله يهنيكم" التي نرددها من دون الانتباه إلى عمق معانيها من أصدق الأماني في أنْ تمرَّ لحظات الفرح بخير من دون أن تتخللها غصَّة أو دمعة.النهار