غريبٌ ومنطوٍ .. ما الذي دفع الإيراني علي سنبلي لقتل زملائه في ميونيخ؟
أنهى علي سُنبُلي جولته لتوزيع الصحف مساء الجمعة 22 يوليو/تموز 2016، بعدما اخترق حساب إحدى الفتيات على فيسبوك واستخدمه لنشر دعوة إلى مكدونالدز القريب، ليقتل بعد ذلك كلَّ من قاده سوء حظه إلى قبول تلك الدعوة.
عرف الجيران وزملاء المدرسة الشاب البالغ من العمر 18 عاماً كفتى وحيد منبوذ من زملاء الفصل ومن مجتمعه المحلي، ولم يُرَ إلا نادراً بعيداً عن جولته لتوصيل الصحيفة المحلية المجانية، وفقاً لتقرير لصحيفةالغارديانالبريطانية.
وكشفت الشرطة سعيه لتلقي العلاج من الاكتئاب والمشكلات النفسية، قبل أن يطلق النار على 9 أشخاص بدمٍ بارد ثم قيامه بقتل نفسه، لكن تحوله لقاتل عنيف أذهل هؤلاء الذين رأوا هذا المراهق المضطرب أثناء نشأته.
بدا خجولاً
وقال زملاء الدراسة وأصدقاء العائلة والجيران، إن الفتى الطويل المنعزل قد بدا دوماً خجولاً لا عنيفاً، كما أكدت الشرطة أنه لا يملك سجلاً جنائياً ولم يظهر مطلقاً على رادار أجهزة المخابرات الألمانية.
وذكر ستيفان باومان (47 عاماً) مالك المقهى والمخبر المجاور لمدخل مسكن عائلة سنبلي أنه "لم يكن ذا مظهرٍ مخيف، لكن شخصيته كانت غريبة بعض الشئ" وتابع قائلاً "بدا متوتراً على الدوام".
يعرف باومان شكل والد المهاجِم الذي عمل سائقاً للتاكسي، كما أنه أحياناً ما لمح المراهق خلال جولاته، التي تختصر أحياناً برمي أكوام الصحف التي كان يحصل على المال نظير توزيعها في سلة القمامة القريبة.
وعبر علي صديق (29 عاماً)، أحد الجيران الذي اعتاد ابنه لعب كرة القدم مع شقيق سنبلي الأصغر والأكثر اجتماعية، عن حيرة مماثلة لحيرة صاحب المقهى، قائلاً "بدت الأسرة على ما يرام بالنسبة لي. حتى (المهاجِم)، على الرغم من انعزاله وشخصيته الغريبة، إلا أنه كان يحصل على ماله الخاص عن طريق جولاته لتوزيع الصحف".
وأضاف قائلاً "لم أعتقد مطلقاً أن بإمكانه القيام بهجوم مثل هذا".
إلا أن المظهر الخجول كان خادعاً، فعلى ارتفاع عدة طوابق فوق مقهى باومان، كان المراهق المنبوذ يدرس السفاحين، ويخطط للقتل بنفسه، وفقاً لما أعلنته الشرطة. خزَّن مئات الطلقات، وحصل على سلاح قوي من السوق السوداء، كما تدرب على ألعاب التصويب على الهدف على الكومبيوتر، وقرأ عن حوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية في كتاب (لماذا يقتل الأطفال) الذي كتبه أحد الأكاديميين الأميركيين بدقة شديدة.
كان منبوذاً
واهتم سنبلي بقتلة المدارس الأميركية، كما أُعجب بأحد المهاجمين المراهقين الذي فتح النار على الناس في مدرسته القديمة في مدينة فينيدين، بجنوب غرب ألمانيا، عام 2009 ليُقتَل 15 شخصاً، وفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية.
وقال زملاء الفصل السابقين إن الألماني الإيراني الخجول ونجل أحد الأزواج الذين قَدِموا إلى ألمانيا في التسعينيات كلاجئين، كان منبوذاً من الطلاب الآخرين.
"تعرض علي في المدرسة للكثير من المضايقات من قبل الآخرين ولم يكن محبوباً بالفعل" هكذا قالت إحدى زميلات الدراسة (14 عاماً) التي سكنت مع علي في نفس المبنى، لكنها كانت متأخرة عنه بعامين في المدرسة المتوسطة المحلية.
وتابعت "كان وحيداً أو مع شخص أو اثنين في المدرسة، لكن لم يبد أن له أصدقاء". وكانت هذه المراهِقة أحد أواخر الناس الذين رأوه قبل أن يأخذ سلاحه نصف الآلي ويطلق النار بهدوء قاتل خارج مركز تسوق أوليمبيا.
كما ذكرت أيضاً "عدت إلى المنزل أمس ظهراً، الجمعة 22 يوليو/تموز 2016، ورأيت علي في مدخل بنايتنا. كان ما زال يوصل الصحف في يوم الهجوم، وهو ما كان غريباً" وتابعت "عادة يُلقي عليَّ التحية، لأنني أعرفه، لكن حين حييته لم يقُل شيئاً وبدا غريباً ومنعزلاً أكثر".
وخلال ساعات كان قد أطلق الرصاص على 9 أشخاص -معظمهم من المراهقين- قبل أن يوجه السلاح لنفسه على مشارف حديقة المدينة الأوليمبية.
أما الشرطة، فقالت إنها ما زالت تعمل على تحديد الدوافع الحقيقية وراء الهجوم، الذي يشير توقيته وموقعه إلى علاقته إلى ما يزيد على حدث واحد فظيع في الماضي.
وقع هجوم سنبلي في الذكرى الخامسة لموجة القتل التي قام بها الإرهابي اليميني المتطرف أندرس بريفيك في النرويج قبل أن ينتحر، كما وقع على مشارف القرية الأوليمبية التي شهدت أسوأ الحوادث الإرهابية الألمانية في 1972 والتي عُرفَت بمذبحة سبتمبر الأسود.
كانت قوات الأمن المحلية على أهبة الاستعداد بالفعل بعد ظهر يوم الجمعة، إذ شهدت ألمانيا الهجوم الأول المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية قبل ما يقل عن أسبوع، حين هاجم أحد اللاجئين المراهقين مجموعة من السياح على متن قطار وامرأة تمشي مع كلبها، مُسلحَاَ بفأس وسكين، قبل أن تتمكن قوات الشرطة من قتله.
لذا حين أشارت التقارير الأولى إلى سماع طلقات النار في مركز التسوق القريب من موقع الألعاب الأولمبية السابق في ميونيخ، انتشر الفزع عبر المدينة أسرع من الأخبار الحقيقية.
وتسببت التقارير التي أشارت إلى رؤية ثلاثة أشخاص هاربين من موقع الهجوم بعض الناجين المذعورين كما عُرِف بعد ذلك- وإطلاق النار في أماكن أخرى، في شلّ العاصمة البافارية.
أغلقت الشرطة شبكات المواصلات العامة، وأمرت السيارات بالابتعاد عن الطرق السريعة ووضعت كل المستشفيات في حالة من التأهب، كما استخدمت أنظمة التحذير في الهواتف الذكية لحث الجميع على البقاء في منازلهم. وطلبت الشرطة أيضاً من الصحفيين وأعضاء الشبكات الاجتماعية الامتناع عن نشر صور قوات الأمن لكيلا توفر معلومات لمهاجمين محتملين.
خوف وتحد
واستجابت المدينة بمزيج من الخوف والتحدي، وانتشرت صور الحيوانات اللطيفة على وسوم الهجوم بدلاً من صور الشرطة، كما فتح سكان المدينة منازلهم كمأوى للذين تقطعت بهم السبل جراء إغلاق الطرق، بالإضافة إلى المساجد وعربات القطار تحت الأرض.
استغرق الأمر عدة ساعات وأحد الروبوتات المخصصة للتخلص من القنابل، لفحص جسد سنبلي بحثاً عن متفجرات، قبل أن تتمكن الشرطة من تأكيد وجود مهاجم واحد وانتحاره مبكراً في ذلك المساء.
في الساعات التي تلت ذلك، بدأت الشرطة في تفكيك الدوافع المتشابكة للقتيل.
ما علاقته بداعش؟
واستبعدت الشرطة سريعاً صلته بتنظيم الدولة الإسلامية أو الإرهاب الإسلامي المتطرف، بينما سُلِط الضوء على "الصلة الواضحة" بين الهجوم وبين ذكرى الهجوم الذي قام به بريفيك في جزيرة أوتايا.
مثل بريفيك، يبدو أن سنبلي استهدف الشباب عن عمد. فسبعة من الضحايا التسع الذين قتلهم كانوا مراهقين، بينما بلغ عمر ضحية أخرى 20 عاماً وضحية واحدة فقط أكبر سناً (45 عاماً).
وربما عرف سنبلي بعض الضحايا أيضاً، إذ إنه اعتاد الذهاب إلى فرع مكدونالدز الذي وقع فيه الهجوم.
ووفقاً لمحقق شرطة ميونيخ روبرت هايمبرجر، من الواضح أن سنبلي اخترق حساباً على فيسبوك ووجه دعوة غريبة ليجتذب بعص المراهقين إلى المطعم.
كما أضاف "يبدو أن هناك دلائل مبدئية، ما زال علينا التأكد منها، على أن المهاجم قد اخترق أحد حسابات فيسبوك".
كما استخدم هذا الحساب، متنكراً كفتاة شابة، ليحث الناس على الذهاب للمطعم في حوالي الساعة الرابعة، مستخدماً اسماً محلياً لمكدونالدز -ميجي- وواعداً بوجبة مجانية.
وقالت الرسالة "تعالوا اليوم إلى ميجي في الرابعة مساء، وسأدعوكم على شيء، فقط لا تختاروا شيئاً باهظاً".
وتسبب المذبحة التي استمرت ساعتين على ما يبدو في صدمة في ألمانيا، إذ جعل صغر سن الضحايا، من بينهم مراهقين من أصول تركية وكوسوفية، ومعاناة ذويهم المكلومين الحادث أكثر إيلاماً.
كما قال توماس دو مايزيري وزير الداخلية الألماني "ينفطر قلبك حين ترى الكثير من الأطفال والمراهقين من أصول مختلفة وسط الضحايا".
واعترفت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أن الهجوم الذي جاء بعد عدة أيام من عملية تنظيم الدولة الإسلامية على متن القطار ومذبحة نيس الفرنسية، دفع العديد من الألمان للتساؤل "أين الأمان؟" لكنها وعدت أن قوات الأمن "ستقوم بأقصى جهدها للحفاظ على أمن وحرية سكان ألمانيا".
أما في الطريق خارج مسكن سنبلي، في الحي الذي يضم مساكن الضمان الاجتماعي بجوار صالة عرض مازيراتي، تعهد السكان المحليون بعدم السماح لهذا الحادث بتعطيل مدينتهم أو حياتهم اليومية.
وقال سباستيان (30 عاماً) مالك أحد وكالات العلاقات العامة في المبنى المجاور "جلس جميع الموظفين في المكتب حتى منتصف الليل. كنا خائفين من مغادرة المبنى. كما كان اكتشافنا أننا بجوار مسكن المهاجم هذا الصباح مخيفاً بعض الشئ، ونحن الذين ظننا أننا نحمي أنفسنا".
كما أضاف قائلاً "لكنني لا أظن أن هذا سيغير إحساسي تجاه الحي. لن نبالغ في رد الفعل، فمن الممكن أن يحدث هذا في أي مكان".