الدباغ يحاضر عن الصوفية في منتدى الرواد الكبار
بعنوان "الصوفية في شعر محمد إقبال" قدم د.هشام الدباغ محاضرة في منتدى الرواد الكبار، وذلك في الخامسة مساء الثلاثاء 13 تشرين الثاني في مقر المنتدى قدم للمحاضرة وأدارها د.فيصل الغرايبة، بحضور المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، وعدد من المهتمين.
كلمة رئيسة المنتدى هيفاء البشير
أصحاب السعادة والعطوفة،،،
السيدات والسادة،،،
سعداء أن نلتقي هذا المساء مع هذه النخبة الطيبة من أعضاء وعضوات / أصدقاء وصديقات المنتدى لنحتفي بصديق عزيز يحدثنا في موضوع قريب إلى روح الإنسان العميقة في علاقتها مع الكون ومع الله، ألا وهو الدكتور هشام الدباغ في حديثه حول " الصوفية في شعر محمد اقبال ".
والدكتور الدباغ يجمع بين الإعلام باعتباره مركز اهتمامه الرئيس، وبين البحث والدراسة الأكاديمية من خلال تخصصه في مبحث التصوف، وهو المبحث الصعب والعميق والمجتمع معاً.
السيدات والسادة:
كما تعلمون، وكما تعلمن، فإننا نجتهد في المنتدى بأن نقدم أنشطة متعددة لإيجاد توازن بين أنواع الأنشطة المختلفة، ومن بين هذه الأنشطة التي تجمع بين البعدين الثقافي والإجتماعي، يجيء" الطبق الشعبي "حيث سيخصص بوم السبت الموافق24/11/2012م يوماً للطبق الشعبي الشركسي "الشيبس والباسطة" إضافة إلى موسيقى شركسية وزي شعبي شركسي، فمن ترغب عليها مراجعة إستقبال المنتدى لمعرفة التفاصيل.
الأخوة والأخوات:
وفي الختام، وإذ أؤكد تقديري العالي وترحيبي الكبير بضيفنا هذا المساء الدكتور هشام الدباغ، فإنني أتمنى لكم جميعا أمسية ثقافية رائقة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركات
د.هشام الدباغ: شاعر الإسلام محمد إقبال وتصوفه
هشام الدباغ مشرف التدريب الإعلامي في جامعة الشارقة سابقا، معد ومقدم برامج اذاعية وتلفزيونية في عدة محطات.
لقد كانت لنا صحبة ذوقية – امتدت لسنوات – مع فيلسوف الصوفية "محمد إقبال "،حيث أتاحت تلك الصحبة الدخول إلى عالم التصوف بآفاقه الروحية الرحيبة، كما أتاحت بعض الوقفات لمطالعة مشاهدات أهل الذوق الحافلة بالدلالات العميقة.
تعرفنا من خلال صحبتنا لإقبال على الكثير من الأفكار الخاصة بأهل الطريق الصوفي أو بعبارة أخرى شاهدنا طرفا مما يسميه الصوفية " بالحقائق والدقائق والرقائق " فرأينا في كلام إقبال عن العبادة معنى آخر ينضاف إلى المعنى الظاهري لأركان الشريعة الإسلامية.. رأينا التكامل الصوفي بين الشريعة والحقيقة ووجدنا في حقيقة العبادات مشهدا يسبح لله فيه كل من في السماوات وكل من في الأرض حتى أولئك الغارقين في الضلالة.
أما وقفتنا المتمهلة فسوف تكون عند أصول ومصادر الفكر الصوفي عند محمد إقبال وهذه الوقفة لا بد منها لأن الفكر الصوفي بعامة قد وقع اليوم بين شقي الرحى فمن ناحية لا تزال آراء المستشرقين الغربيين تؤكد دعوى مهترئة بالية تقول بأن التصوف الإسلامي إنما أخذ أصوله من مصادر غير إسلامية.. مصادر في رأيهم هندية أو فارسية أو يونانية قديمة ولكنها في النهاية غير إسلامية وحسب.ومن الناحية الأخرى يقف المنكرون على الصوفية متوجهين بسهامهم الطاعنة في التصوف وأقطابه.ومعتبرين الصوفية أهل بدع وضلالات بل إن فريقا من هؤلاء الطاعنين قرر أن الصوفية – بالجملة – خارجون عن الإسلام.
وهكذا وقع التصوف بين المنكرين والمستشرقين في محاولة للقضاء على أعلى مظهر من مظاهر الحياة الروحية في الإسلام ولكن الله كما يقول في كتابه العزيز يدافع عن الذين آمنوا.
ونرى قبل النظر في أصول ومصادر الفكر الصوفي عند إقبال أن نتلبث حينا عند دعاوي المستشرقين وعند أراجيف المنكرين على الصوفية فننظر في هذا وذاك نظرة المتأمل حتى يتبين الرشد من الغي.
أولا المستشرقون:
تعنى كلمة الاستشراق تلك الحركة العلمية التي قام بها العلماء الأوروبيون لدراسة التراث الشرقي عموما وكان فريق من هؤلاء الغربيين قد جعل التراث الإسلامي موضوعا لبحثه وأصبحت الإسلاميات موضوعا اهتم به هؤلاء المستشرقون فبحثوا تاريخه وأفكاره وشخصياته.
وما لبث التصوف الإسلامي أن أثار انتباه هؤلاء المستشرقين فشهد القرن التاسع عشر بداية اهتمامهم بالتصوف الإسلامي وتخصص نفر من هؤلاء المستشرقين في التصوف واتجاهاته ومذاهبه وكان من أوائل ذلك المستشرق المعروف "جولد تسيهر".
كان جولد تسيهر من يهود المجر وكان على عادة اليهود ينظر إلى الإسلام نظرة الحقد والتعصب فوضع هذا المستشرق المؤلفات وكتب العديد من الأبحاث التي دارت حول محور وحيد وهو أن التصوف الإسلامي يرتبط بكل ما هو غير إسلامي، فالزهد في الإسلام انعكاس للرهبانية المسيحية.. والمتصوفة في الإسلام هم صورة صيغت على منوال بوذا. والتصوف الإسلامي في النهاية هو مزيج تلفيقي من المسيحية واليهودية والفلسفة اليونانية.
ثم جاء بعد جولد تسيهر مستشرق إنجليزي هو ارنولد نيكلسون الذي وضع هو الآخر عدة مؤلفات في التصوف الإسلامي وتاريخه فأكد في هذه المؤلفات أن التصوف الإسلامي إنما هو مأخوذ من المسيحية في نشأته ومستمد من شتى الأصول في تطوره.
ولسنا في هذا المقام بصدد تفصيل كلام المستشرقين وآراء أهل الأهواء والملل ولكنا نود الإشارة إلى ما انتهى إليه المستشرقون من نظريات كان نتيجة طبيعية للمقدمات والأفكار المسبقة التي وضعوها نصب أعينهم من البداية والتي تسلب من الإسلام كل أصالة وجدة وابتكار.
وكانت الطامة الكبرى في أولئك الذي تعلقوا بحبال المستشرقين وتتلمذوا عليهم وصاروا أتباعا لهم في العالم الإسلامي فقد ردد هؤلاء مزاعم الاستشراق حول التصوف وبهرتهم تلك الأبحاث التي كتبها المستشرقون فساروا على نفس المنوال فأخذوا من أساتذتهم مناهج البحث وأسلوب المعالجة وكراهيتهم للتصوف. ولم يلتفت المستشرقون – ولا أتباعهم من المسلمين – إلى أنه هناك منهج واحد لا يمكن أن تستقيم بدونه أية أبحاث في التصوف الإسلامي وهذا المنهج هو الذوق فلا يمكن استكناه المقصد الحقيقي لألفاظ الصوفية بغير حس ذوقي يستشف تلك الدلالات العميقة المتوارية خلف هذه الألفاظ. ولكن على الرغم من هذه المساوئ الكبيرة لحركة الاستشراق فقد كانت لهم بعض الحسنات المعدودة منها تلك النشرات الأنيقة التي أعدوها عن بعض المؤلفات الصوفية ومنها تلك الأبحاث القليلة التي سلكت سبيل الأمانة العلمية فأتت بنتائج لا بأس بها.
ثانيا: المنكرون على الصوفية:
للمنكرين على صوفية الإسلام تاريخ طويل يبدأ من هؤلاء الفقهاء الذين وقفوا موقف العداء من الصوفية منذ أواخر القرن الثالث الهجري. وترجع أسباب هذا العداء إلى اختلاف نظرة كل من الصوفية والفقهاء إلى أركان الشريعة فالفقهاء يرون الأمور على ظاهرها وشكلها الخارجي والصوفية يرون المدار على القلب في المفهوم القرآني.
ولكن لا نجد واحدا من الصوفية يهاجم الفقهاء في أقواله أو مؤلفاته فقد كان الصوفية في شغل عن ذلك في شغل بالحق عن الخلق.
والمنكرون على الصوفية من أهل الظاهر عادة ما يوجهون اتهاماتهم للقوم بسبب أحوالهم غير المألوفة وبسبب أفكارهم الدقيقة حول العلاقة بين العبد وربه.
فأما أحوال الصوفية فهي نتاج لتجربة ذوقية خاصة يعايشها الصوفي في ترقية وعروجه نحو الذات الإلهية وأي من هذه الأحوال يخرج عن حد الشريعة فهو مرفوض عند غالبية الصوفية قبل غيرهم ولهذا فقد يغيب الصوفي عمن حوله وقد يفنى عن ما سوى لله للحظات وقد ينطق بالغريب من المعاني وفي هذا فهو داخل تحت حكم التجربة ولكنه إن أسقط التكاليف وضيع فرضا من فروض الله فهو خارج عن دائرة الإسلام وليس بصوفي.
ابن خلدون يدلي بدلوه في رأي موضوعي:
ويذكر ابن خلدون في مقدمته رأيا سديدا في مسألة أحوال الصوفية فيقول " إن الإنصاف في شأن القوم أنهم أهل غيبة عن الحس.. والواردات الإلهية تملكهم حتى ينطقوا عنها بما يقصدونه وصاحب الغيبة غير مختار والمجبور معذور فمن علم منهم فضله واجتهاده وإقتداؤه بالسلف الصالح حملت أحواله على القصد الجميل، أما من لم يعلم فضله ولا اشتهر فمؤاخذ بما صدر عنه من ذلك إذا لم يتبين ما يحكمنا على تأويل كلامه "
وأما عن السبب الثاني من أسباب حملة المنكرين وهو تميز الصوفية ببعض الأفكار والرؤى فذلك ميراث محمدي فالقوم أخذوا في بداية الأسلوب بأطراف العلم الظاهر، ولم يسمحوا للمريد المبتدئ بالدخول إلى الطريق قبل تحصيل العلوم الدينية من حديث وتفسير وفقه فكان أن من أدى العمل بهذا العلم ورث العلم اللدني الباطن كما ورد بأن من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لا يعلم
ولهذا تميز الصوفية بما يسمى بعلوم الإشراق وفرقوا تلك التفرقة بين الشريعة والحقيقة وهي تفرقة أثارت حفيظة المنكرين إذ لم يتفهموا ذلك المعنى الذوقي لفكرة الشريعة والحقيقة وهو المعنى الذي أشار إليه القشيري في رسالته حين قال " الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة فهي أمر غير مقبول، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة أمر غير مقبول. فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عن تصريف الحق. الشريعة أن تعبد الله والحقيقة أن تشهد الله الشريعة قيام بما أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر الشريعة مقام إياك نعبد والحقيقة مقام إياك نستعين . فالشريعة حقيقة من حيث أنها وجبت بأمره والحقيقة شريعة من حيث أن المعارف بالله وجبت أيضا بأمره.
وعلى هذا النحو كانت الحقيقة عند الصوفية هي لباب الشريعة فمن عمل بالشريعة انكشفت له لبابها.. والجانبان يكمل الواحد منهما الآخر، فلا شريعة بلا حقيقة ولا حقيقة بدون شريعة. وفي هذا يقول الصوفية إن من تشرع ولم يتحقق فقد تفسق ومن تحقق ولم يتشرع فقد تزندق.
وأخيرا فلعل حملة المنكرين على الصوفية قد وجدت قبولا عند البعض بسبب ما يرونه من المظاهر السلبية التي علقت بالتصوف بعد انتشار الطرق الصوفية على نطاق واسع ودخول الجهلة والمنتفعين إلى الطريق الصوفي فقد كان هؤلاء الأدعياء الذين لا هم لهم غير الرقص في الموالد صورة سلبية علقت في الأذهان وظنها البعض الصورة الحقيقية للتصوف.
ولكن التصوف بريء من هؤلاء الأدعياء الذين شوهوا صورة التصوف وقد تنبه أئمة الصوفية إلى خطر أولئك المدعين منذ وقت مبكر وظل الأئمة دوما يحذرون منهم، فالتصوف علم وعمل..علم قائم على تعاليم الكتاب والسنة، وعمل بأوامر الله، علم كتب فيه أئمة التصوف وعمل بمجاهدة النفس الأمارة بالسوء.
ولنترك كلام المنكرين والمستشرقين إلى كلام إقبال وفكره، لنرى الأساس الذي قام عليه فكر هذا الرجل ونرى ما هو المصدر الذي استقى منه نظرياته الصوفية.
عودة إلى بيت القصيد:
إذا نظرنا إلى فلسفة إقبال الصوفية نظرة تحليلية اتضحت لنا الدعامات الأساسية في تصوفه أو بعبارة أخرى " أصول ومصادر الفكر الصوفي عند إقبال “.
ويمكننا القول بأن هناك أصلين ثابتين لفلسفة إقبال الصوفية إلى جانب ثلاثة مصادر رئيسية، فالأصلان هما : الكتاب والسنة. أما المصادر فهي : التأويل الصوفي، التجربة الروحية، الثقافة السائدة.
وتأتي هذه التفرقة بين الأصل وبين المصدر على اعتبار أن الأصل هو الدعامة الثابتة للفكر والفلسفة الصوفية بعامة سواء عند إقبال أو عند غيره من الصوفية، وهذا الأصل أيضا هو المقياس الذي يضعه صوفية الإسلام جميعا للحكم على أي فكر وأية فلسفة فالأصل هو النبع الذي يشرب منه كل رجال التصوف الحقيقي في الإسلام.
أما المصادر فهي العيون التي يستقي منها كل صوفي والتي يمكن أن تتنوع – بخلاف الأصل الثابت – فنرى المفكر الصوفي يستمد من مصادر قد لا تكون هي ذاتها نفس المصادر التي يستمد منها غيره، وإن كان من الممكن أن نجد اتفاقا بين بعض الصوفية في مصادر فكرهم الصوفي وبالجملة : فالأصول ثابتة ولكن المصادر قد تتنوع.
ولعل تفصيل الكلام في أصول الفكر الصوفي ومصادره عند إقبال يكون الرد الأفضل على ادعاءات المستشرقين الذين ذهبوا إلى أن التصوف ليس إسلاميا في أصله ومصدره ويكون في الوقت ذاته – أنسب حجة تساق إلى إخواننا المنكرين على التصوف والصوفية وذلك على الأقل بما يتعلق بإقبال الذي نعتبره فيلسوف الصوفية المستنير جدا.
الكتاب والسنة:
نود أن نشير هنا إلى تلك الرابطة بين أفكار إقبال الدقيقة التي تتألف منها نظرياته وبين أصول هذه الأفكار في الكتاب والسنة. فذلك حتى يتخفف المنكرون من تلك الحدة التي يقابلون بها فكر الصوفية وعسى أن تتقارب وجهتا النظر، ويلتئم شمل شقي المسلمين وتسقط تلك الفواصل المزعومة بين الصوفية والمتشددين.
وقبل الكلام عن المصدر الأول من مصادر الفكر الصوفي عند إقبال وهو التأويل الصوفي للآيات القرآنية والأحاديث النبوية نورد عبارة للقشيري في رسالته التي تعتبر واحدة من أهم مراجع التصوف – يقول القشيري : " أعلموا رحمكم الله أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد صانوا بها عقائدهم عن البدع دون أي تقصير.
ولننظر في المصادر التي استمد منها إقبال فكره الصوفي بادئين بالتأويل الذي يعد واحدا من أهم هذه المصادر ويقوم هذا التأويل السوي عند الصوفية على تناول الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تناولا ذوقيا فالتأويل عند القوم مصدر قائم على الأصل.
التأويل الصوفي:
التأويل كلمة قرآنية وردت مرات عديدة في الآيات الكريمة للوصول إلى حقيقة المعنى المراد من الآيات القرآنية وقد وردت كلمة التأويل أيضا في الأحاديث النبوية الشريفة ويرى بعض اللغويين أن التأويل والتفسير بمعنى واحد فالتفسير هو بيان وشرح اللفظ المشكل وإظهار المستغلق من الكلام بعبارة واضحة مفهومه أما التأويل فهو استبصار وترجيح لمعنى من المعاني التي يحتملها اللفظ بوجه من الوجوه وتغليب هذا المعنى على سائر معاني اللفظ، فالتأويل تقدير الألفاظ تقديرا محتملا فيقال في اللغة أول الكلام وتأوله.. تدبره وقدره وقد لجأ علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم منذ وقت مبكر لطريقة التأويل، كي يدعموا أفكارهم ونظرياتهم ويقيموا الحجة عليها من كتاب الله ولعل بداية التأويل كانت على يد فرقة المعتزلة الذين قالوا بنظرية التنزيه الإلهي التي تقتضي نفي التجسيم والتشبيه عن الذات الإلهية فلما وقف هؤلاء المعتزلة على الآيات التي تشعر بالتجسيم والتشبيه مثل قوله تعالى ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله ( تجري بأعيننا ) ذهبوا إلى تأويل هذه الآيات وأمثالها تأويلا عقليا بحيث يتفق المعنى مع نظريتهم القائلة بنفي التشبيه فقالوا إن المراد باليد هو تأييد الله للمؤمنين وهذا لأن الله عز وجل لا يمكن أن تكون له يد بالمعنى الذي نعرف فالله تعالى (ليس كمثله شيء) كذلك أول المعتزلة تجري بأعيننا فقالوا: أي بعنايتنا.
ولكن تأويل المعتزلة كان تأويلا عقليا أدى إلى العديد من النتائج التي تخالف روح الآيات ومن هنا قامت خلافات عديدة بين المعتزلة وأهل السنة ولم يكن اعتماد المعتزلة على التأويل العقلي للآيات هو الطريق الأمثل في تناول آيات القرآن الذي قال الحق تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله) فالتأويل العقلي الذي قام به أهل الاعتزال على الرغم من أنهم قصدوا به التنزيه – لم يصل بهم إلى معرفة حقيقة الآيات القرآنية تلك الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله.
ونترك تأويل المعتزلة لننظر في التأويل الصوفي وحقيقته.. من هنا كان التأويل الصوفي نتاجا لتناول قلبي لمكاشفات والهامات إلهية يتجلى الله بها على عباده المتقين.
أمثلة من تأويلات إقبال:
ومن أمثلة تأويلات إقبال أيضا ما ذهب إليه في قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) فقال: المقصود بالأمانة هو قبول التجلي الإلهي والمقصود بأنه كان ظلوما جهولا هو أن الإنسان كان ظلوما لنفسه جهولا بقدرها رغم كونها المحل الأوفى لفيض التجلي الذي أشفقت منه السموات والأرض والجبال.
خطورة التأويل وحساسيته:
لكن الصوفية وقد أدركوا خطورة التأويل وحساسيته فمنعوا أن يكون التأويل مباحا لكل شخص وقالت الصوفية بأن التأويل موقوف على الخواص أو كبار الأولياء أما الشخص العامي فلا يحق له أن يتأول معاني الآيات من نفسه فذلك محرم عليه فإذا قام العامي بالتأويل كان أشبه بمن يخوض البحر المغرق وهو لا يحسن السباحة.
كذلك منع الصوفية تأويل العالم للعوام فلا يجوز لعالم أن يحادث العامي بلسان التأويل وإلا فذلك أشبه كما يقول الغزالي : بالغواص الذي يجر شخصا لا يعرف السباحة إلى أعماق البحر المهلك.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تفرقة الصوفية بين العوام والخواص لا تقوم على اعتبار أن العامي هو من لا يجيد القراءة والكتابة فقد يدخل تحت حكم العامي كل عالم لم يتجرد من علائق الدنيا ويتذوق حلاوة الإيمان.
وهكذا فشرط التأويل عند الصوفية أن يكون المتأول متجردا ومتذوقا وعارفا بالله بعبارة أخرى لا بد أن يكون المتأول صاحب تجربة صوفية.
التجربة الصوفية:
التجربة الصوفية واحدة من أهم مصادر الفكر الصوفي عند إقبال ولكن ما نود الإشارة إليه هنا هو خصوصية هذه التجربة وتفردها مما يفسر ثراء الفكر الصوفي على النحو الذي نراه عند أئمة التصوف وتعني خصوصية هذه التجربة من أنها لا تتكرر عند كل الصوفية فلكل صوفي تجربته الروحية الخاصة التي يبدأها مريدا والمريد حين يقول إن الله عز وجل قد يختص المريد ببعض المكاشفات التي لم يطلع عليها شيخه وذلك لا يعني أن المريد قد أصبح أعلى مقاما من شيخه ولكنه يعني أن الله سبحانه يخص كل من يتقرب إليه بتجل من تجلياته الإشراقية وعلم من علومه اللدنية التي لا يحصيها الإدراك.
وليس ثمة سبيل لإشراق العلم اللدني إلا هذه التجربة الذوقية التي تنكشف فيها الحقائق بحسب صدق سلوكه وذلك من حيث ( إتقوا الله ويعلمكم الله ) فكلما تقرب الإنسان لربه تقرب الله إليه بالمن والعطايا، وعطايا الحق تعالى لعباده المخلصين ليست شيئا من حطام الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة وإنما هي إشراقات قرب وعلوم ذوق وتجليات محبة ولهذا دفع إقبال مريده دفعا لخوض هذه التجربة :
حدثنا إقبال عن بعض جوانب تجربته الذوقية الخاصة في كتابه" تجديد الفكر الديني" كما يشير إلى جوانب أخرى منها في مؤلفاته الأخرى، ولكن إقبال يترجم لنا هذه التجربة ترجمة كاملة في تصوير شعري مرهف وذلك في رائعته الشعرية حديث الروح فيحكي لنا كيف سلك طريق القوم بهمة عالية وفرغ فؤاده عما سوى الله وأتى إلى مولاه وما له في شيء سواه:
فإقبال في أشعاره عالم بدقائق اللغة العربية بجوانبها النحوية والبلاغية والشعرية إلى جانب علمه باللغات الهندية والفارسية والأوردية بل ويضع إقبال كتبا ومؤلفات بهذه اللغات..
السيرة الذاتية د.هشام الدباغ
أردني الجنسية من مواليد مدينة يافا
حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة البنجاب في الباكستان وقدم أطروحة بعنوان الإنسان الكامل بين عبد الكريم الجيلي ومحمد إقبال
حاصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة البنجاب في الباكستان.
حاصل على دبلوم الدراسات العليا في التاريخ من جامعة القديس يوسف في لبنان
لديه خبرة وافية في التعامل مع أجهزة الحاسوب وشبكات الإنترنت واستخلاص المعلومات وإدخالها في المواقع، وقدم لشركة (صخر لبرامج الحاسوب )عدة أفكار جرى تنفيذها وقام بالمشاركة وتعديل موقع المتنبي.
شغل منصب مدير البرامج الثقافية في التلفزيون الأردني.
أعير كخبير إعلامي لدولة الإمارات العربية لمدة عشر سنوات.
عمل مؤخرا خبيرا في الإعلام لدى هيئة الأمم المتحدة وسفيرا للنوايا الحسنة في السودان
قام بتدريس التاريخ والحضارة الإسلامية وفنون الخطابة والإلقاء ومبادئ التحرير الصحفي في عدد من الكليات الجامعية وكلية التقنية العليا في مدينة العين وجامعة عجمان وجامعة الشارقة
عضو مؤسس في اتحاد الكتاب الأردنيين.
عضو مؤازر في مجمع اللغة العربية الأردني وأعد وقدم برنامجا تلفزيونيا بالتعاون مع المجمع بعنوان (لغة العرب)
له عدة مؤلفات وأبحاث منشورة في حقول الإعلام والسياسة والتاريخ الإسلامي،
وله برامج تلفزيونية بعنوان (أحداث القرن العشرين ) وقضايا عالمية و(فنون وآداب) والعين الثالثة الذي يبث حاليا من فضائية سفن ستارز ويبث له حاليا برنامج من اذاعة الجامعة الأردنية بعنوان (مرآة النفس) ومن اذاعة عمان الرسمية برنامج كلمات حول الأغنيات
بالإضافة إلى مقطوعات شعرية قام بتلحينها صفوان بهلوان وطارق فؤاد وجميل العاص وحميد الشاعري المتزوج من ابنة هشام الدباغ
انتهى مؤخرا من تفسير وتأويل القرآن بالكامل تفسيرا صوفيا فلسفيا وتم طبعه من قبل المجمع الثقافي في أبو ظبي.
له عشرات المقالات في الصحف العربية والخليجية في حقول الإعلام والنقد السينمائي والتحليل الأدبي والتفسير والتأويل القرآني.