هكذا يتخطّى الطفل عقدة الخجل
ليس من الصعب التكهُّن بأنّ الطفل يعاني من الخجل. فهو ما أن يلمح شخصاً غريباً يدنو منه، حتى يسارع نحو والدته للتلطّي خلفها ثمّ يعمد الى استراق النظر بعين واحدة ساتراً الأخرى بثوب والدته، مترقِّباً اللحظة التي تفرغ فيها الساحة من الدخلاء الذين ينكِّدون عيشه، فيتنفَّس الصعداء.
كيف يجب التعامل مع الطفل الخجول ومساعدته على الخروج من قوقعته؟ كيف نقوّي شخصيته؟ الإجابة مع الاختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة الجامعية الدكتورة كارول سعادة. قد يعاني الأولاد في مرحلة الطفولة، من عدد لا بأس به من المُشكلات، منها الخجل. لذا يتوجَّب على الأهل حلَّها في سن مُبكرة، لكي لا يكبر الطفل وتكبر معه المشكلة فيُمسي انطوائياً مغلوباً على أمره. والطفل الخجول ينظر إجمالاً في حضور الغرباء إلى الأسفل ولا يجيب عن أيّ سؤال، بل يلتزم الصمت المُطبَق، يراقب الجميع عن بعد ولا يختلط بالأولاد ويفضّل عدم زيارة الأقارب ويرفض مواجهة الزائرين.
ومن هذا المنطلق، تشير الدكتورة كارول سعادة الى أنّ الطفل الخجول يعاني من عجز في التعامُل مع الآخرين ولا يستطيع التكيَّف مع أفراد المجتمع ولا التأقلم مع رفاقه في المدرسة، لذا يحاول قدر المستطاع تفادي العلاقات مع التلاميذ وبالكاد يشارك في الصف. وهو يخشى نظرات الآخرين ويهاب حُكمهم عليه، ومن أجل هذا السبب يلوذ بالعزلة ولا يمانع في تمضية معظم وقته منطوياً على نفسه في غرفته.
أسباب "هالة الخجل"
بالنسبة للدكتورة سعادة، يتعيَّن على الأهل معرفة الظروف المسبِّبة "لهالة الخجل" التي يحيط طفلهم نفسه بها، وأن يتجنّبوا كل المسبِّبات للحؤول دون تفاقم المشكلة.
فالقلق عند الأهل والخوف يمكن أن يسبّبا الخجل والخوف أيضاً للطفل. ولكن في حال كان ذووه يتمتَّعون بصفات الشجاعة والإقدام واتّخاذ المواقف والمبادرات البنَّاءة، ستجعل كلّ الصفات الإيجابية هذه، من الطفل شخصاً واثقاً بنفسه وبقدراته، وستبني رجلاً شجاعاً ومقداماً في المستقبل.
ومن جهة أخرى، على الأهل تقبُّل خجل طفلهم وألّا يظهروا أمامه انزعاجهم منه. ومن المهم أيضاً عدم الإتيان على ذكر ذلك أمام الأقارب والأصدقاء والجيران ولا سيّما عدم مقارنة جرأة الأطفال الآخرين بخجله، وتلافي الضغط عليه وإجباره على خوض تجارب ومواقف اجتماعية غير مستعد لها، لكي لا يصبح في نهاية المطاف سلبياً رافضاً باستمرار لكلّ ما يُطرح عليه من مشاريع واقتراحات.
ويجب ألّا يغيب عن بالنا، أنّ هناك أموراً كثيرة تسبِّب الخجل للطفل، إذ قد يكون ذلك عائداً لتكوينه الجيني والذي يجعله مهيّئاً وراثياً للشعور بالخجل، فضلاً عن تجاربه السابقة التي عرَّضَته لمواقف مُحرجة ومُخجلة.
كذلك، يجب تقييم مدى أهمية الدور الذي تؤدّيه المدرسة في حياته، وكيف يسعى الأساتذة الى حضِّه على الجرأة وتقوية شخصيّته ورفع معنوياته، فمن شأن ذلك وضعه على الطريق القويم والذي يخلق منه فرداً سوياً مثل أترابه الذين لا يعانون من أيّ خلل أو عقدة نقص.
إختيار العبارات بعناية
توضِّح د. سعادة إلى أنه يتوجَّب على الأهل اختيارَ العبارات التي يقولونها لطفلهم الخجول بعناية والابتعاد عن الاستهزاء والتهكُّم حين يَخجل ولا يبادر الى إلقاء التحية أو المشاركة بلعبة معيَّنة مؤثراً الانعزال والإصرار على عدم الإنفصال عن أمه.
ومن الضروري، تضيف الدكتورة سعادة، بثّ أجواء الإرتياح والطمأنينة بينه وبين الأشخاص الذين يعيش معهم داخل الأسرة والمدرسة لكي يشعر بالأمان، ما يساهم في جعله يُفصح عمّا يساوره من شكوك ومخاوف وقلق.
وتشدِّد أيضاً على أهمية إعادة الثقة بنفسه عن طريق تصحيح الفكرة التي يكوِّنها عن ذاته.
تحميل الطفل المسؤوليات
وتلفُت د. سعادة الى أنه يُستحسن تسليمه بعض المسؤوليات كأن نجعله يجيب على الهاتف والتكلُّم مع الطرف الآخر ومعرفة سبب المكالمة. وكذلك يمكن للأم أن تطلب منه شراء بعض الحاجيات بنفسه من السوبر ماركت أو الدكان الأقرب الى المنزل.
فمن خلال النشاطات اليومية الخفيفة هذه، يخرج من قوقعته تدريجاً ويصبح أكثر استقلالية وثقة. فعندما نشجّعه مثلاً على طلب الطعام الذي يفضّله بنفسه من نادل المطعم أو أن يبوح للطبيب ممّا يشعر به من ألم ويشرح له معاناته، ينسى خجله ويعتاد على التعبير بحرّية وبطريقة آلية لا قيود تكبحها.
ومن المهم أيضاً، تتابع د. سعادة، أن نشجّعه على المشاركة بنشاطات جماعية خارج المنزل مع أولاد الجيران أو رفاق المدرسة أو مع عناصر جديدة يتعرّف إليها ضمن النادي الذي يمارس فيه الألعاب التي يهواها.
وأخيراً تختم قائلة، إننا وبعدما بذلنا كلَّ ما في وسعنا لإرضائه وتدعيم ثقته بنفسه ورفع معنوياته من خلال تعليقات إيجابية، لا بدّ وأن نلمس تحسّناً ملحوظاً في تعاطيه مع الآخرين. علماً أنّ هناك معالجين نفسيّين في معظم المدارس يتابعون حالات الأطفال جميعاً.
وفي حال كلّ ما أقدمنا عليه من محاولات، لم يحقِّق الطفل أيّ تقدُّم يصبح تدخل المعالج النفسي ضرورياً للوقاية من تفاقم الوضع والحؤول دون دخول الطفل في متاهة الرهاب الاجتماعي Phobie Sociale أو الذعر من المجتمع والذي يُعتبر مشكلة كبيرة يمكن أن تصيب المراهقين وبعض الراشدين طالما لم يُعالجوا في سن مُبكرة، ولأنّ الأهل لم يأخذوا مسألة خجل أولادهم على محمل الجدّ، ما يؤثر سلباً في حياتهم المهنية والعلمية والعاطفية والاجتماعية.