الشباب الأردني.. ازمات مدورة وخيارات ضيقة
جو 24 :
حذر المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، من أن استمرار انتشار البطالة في صفوف الشباب، واستمرار عدم قدرة الحكومة على وضع حلول عملية ناجعة لمشكلة البطالة، من شأنه أن يضع الشباب أمام خيارات صعبة. مجدداً دعوته للحكومة ولصانعي القرار بضرورة إعادة النظر بشكل جذري في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة سياسات العمل والتشغيل والتعليم.
وفي ورقة تقدير موقف أصدرها المرصد اليوم الأربعاء، بمناسبة اليوم العالمي للشباب الذي يصادف في الثاني عشر من آب من كل عام، وحملت عنوان "الشباب الأردني: أزمات مدورة وخيارات ضيقة"، استعرضت واقع الشباب الأردني، والتحديات التي يواجهونها في مجال العمل، إلى جانب الوقوف عند السياسات المتعلقة بتشغيلهم وخياراتهم وأحلامهم.
وبينت الورقة أن الشباب الأردني يتعرض للعديد من الضغوط التي أدت إلى تضييق الخيارات الاجتماعية أمامه، ويعود ذلك إلى السياسات الاقتصادية التي طبقت في الأردن خلال العقود الماضية والتي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير مقارنة مع غالبية دول العالم، إلى جانب ضعف قدراتهم المعرفية والمهاراتية بسبب ضعف النظام التعليمي، والفجوة بين التخصصات التي يوفرها النظام التعليمي وخاصة الجامعي وحاجات سوق العمل الأردني وكذلك ضعف شروط العمل في القطاع الخاص، المولد الرئيسي لفرص العمل.
وأوضحت الورقة أن استمرار مشكلة البطالة في صفوف الشباب في المنطقة العربية والتي بلغت خلال عام 2015 (28.2%)، وهي أعلى كثيراً من معدل البطالة على المستوى العالمي والتي تبلغ (13.1%)، مما زاد من حالة التوتر وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبالتالي الأمني التي تعيشها المنطقة العربية منذ عقود، والتي أدت إلى رفض شباب المنطقة لواقعهم ونزولهم إلى الشارع احتجاجاً على الطريقة التي يحكمون بها، والنظم السياسية التي تحكمت بمقدراتها، وضد النماذج التنموية والاقتصادية التي فرضت عليها، وادت إلى افقار غالبية شعوب المنطقة بالرغم من تميز هذه المنطقة بمواردها الطبيعية، ونزوع بعضهم إلى التطرف والالتحاق بالمنظمات الارهابية.
وبينت الورقة أن السنوات الخمس الماضية شهدت تراجعاً ملموساً في عدد فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد الأردني، اذ بلغ عدد فرص العمل المستحدثة خلال النصف الأول من عام 2015 ما يقارب 17 الف وظيفة جديدة، وكانت قد بلغت ما يقارب 45 الف وظيفة في عام 2014، و(54) الف وظيفة في عام 2013، و(50) الفاً خلال عام 2012، وفي عام 2011 بلغ عددها 55 الف وظيفة، بينما بلغ عددها 66 الف وظيفة في عام 2010 و 69 الف وظيفة في عام 2009، و70 الف وظيفة في كل من عامي 2007 و2008. ويبدو أن الأمور وفق هذا المؤشر تسير باتجاهات أكثر صعوبة، خاصة وأن توقعات منظمة العمل الدولية تشير أن معدلات البطالة ستستمر على ارتفاع في المنطقة العربية حتى عام 2018.
وأشارت الورقة أن قطاعات واسعة من الشباب الأردني تعاني من ضعف جودة التعليم الأساسي والثانوي وما بعد الثانوي الذي يتلقونه، الأمر الذي ينعكس سلباً على مهاراتهم المعرفية والفنية الأساسية. وبينت الورقة أن نتائج امتحان الثانوية العامة التي صدرت قبل أيام توضح أن غالبية الطلبة الذين تقدموا للامتحان اخفقوا في اجتيازه، اذ بلغت نسبة النجاح في الامتحان (40.1%)، وفي بعض الفروع مثل الأدبي والمعلوماتية تراوحت النسب ما بين 18-26 بالمائة. وكذلك، فإن نتائج امتحان الكفاءة الجامعية الذي تعقده وزارة التعليم العالي أظهرت أن غالبية خريجي الجامعات الجدد يمتلكون اقل من 50% من المعارف والمهارات التي يجب عليهم امتلاكها، ومجمل ذلك يضع عقبات أخرى أمام الشباب للحصول على وظائف لائقة. وينطبق ذات الأمر على خريجي المراكز المهنية والمعاهد الفنية من حيث ضعف المهارات التي اكتسبوها أثناء دراستهم مع متطلبات وحاجات سوق العمل في الأردن، ناهيك عن غياب برامج الارشاد والتوجيه المهني أثناء مرحلة اختيار التخصص الذي يدرسونه، يضاف اليهم عشرات آلاف الطلبة سنويا يخفقون في اجتياز امتحان الثانوية العامة، ونسبة كبيرة منهم تصبح عمالة غير ماهرة، بسبب ضعف منظومة التعليم المهني والفني غير القادرة على استيعابهم.
وأكدت الورقة أن بيئة وشروط العمل غير اللائق تصدم غالبية الشباب طالبي الوظائف الجدد في غالبية القطاعات الاقتصادية الأردنية والتي يشكل الانخفاض الملموس في مستويات الأجور أبرز سماتها، إذ أن معدل الأجور في الأردن يقارب (460) ديناراً حسب المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهو في القطاع الخاص أعلى منه في القطاع العام، حيث بلغت في القطاع العام (435) دينارا شهريا، وفي القطاع الخاص (474) دينارا شهريا. وعند التعمق في شرائح الأجور التي يحصل عليها العاملون بأجر، نلحظ الوضع الكارثي، إذ أن (18) بالمائة منهم تبلغ أجورهم الشهرية 200 دينارا فأقل، و (57) بالمائة تبلغ أجورهم الشهرية (400) دينارا فأقل، وكذلك (75.6%) منهم اجورهم (500) دينارا فما دون. والحد الأدنى للاجور البالغ (190) دينارا، ما زال منخفضا جدا ويقارب نصف خط الفقر المطلق، ويبدو أن الحكومة عدلت عن زيادته بعد التوافقات النسبية لرفعه والتي تمت بشأنه منذ عدة أشهر. ناهيك عن شروط العمل الأخرى من ساعات العمل الطويلة وضعف تطبيقات الصحة والسلامة المهنية، والتهرب التأميني في اطار منظومة الضمان الاجتماعي. يضاف الى ذلك المنافسة غير العادلة بين الشباب الأردنيين وخاصة الخريجي الجدد لمراكز التدريب والمعاهد المهنية والفنية والجامعات مع العمالة الوافدة (المهاجرة) والناجمة عن ضعف ادارة سوق العمل وتنظيمه، الأمر الذي أغرق سوق العمل الأردني بمئات الآلاف من العاملين الوافدين دون حصولهم على تصاريح عمل رسمية، وكذلك دخول عشرات آلاف العاملين من اللاجئين السوريين الى سوق العمل دون الحصول على تصاريح عمل رسمية.
وبينت الورقة أن هذا الواقع يعكس حالة اغتراب يعاني منها العديد من المسؤولين مطوري هذه السياسات ومنفذيها عن واقع التحديات الحقيقية التي يواجهها المجتمع الأردني، حالة الاغتراب هذه تعبر عن ذاتها في العديد من الافتراضات الخاطئة التي يتم رسم الخطط والسياسات ذات العلاقة في ضوئها، حيث يريدون حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بذات السياسات والأدوات التي أوجدتها.
وشددت الورقة على ان مجمل هذه التحديات تضيق الخيارات أمام الشباب الأردنيين، وأدت الى تقزيم أحلامهم الكبيرة، وتحولت الكثير من هذه الاحلام عند الكثير منهم الى سلوكيات تمردية على القوانين وممارسات تحمل الكثير من العنف، الذي نشهده يوميا في مختلف انحاء المملكة، ويعمق فجوة الثقة بينهم وبين مؤسسات الدولة، الأمر الذي يدفع العديد منهم ليكونوا عرضه لتأثير الجماعات المتطرفة.
واختتمت الورقة بالقول أنه بات مطلوبا من الحكومة وبشكل ملح الأخذ بعين الاعتبار الأسباب الأساسية التي أدت الى تضييق الخيارات أمام الشباب، من خلال إعادة النظر بشكل جذري بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة سياسات العمل والتشغيل والتعليم، وتطوير سياسات تشغيل فعالة وعادلة، والابتعاد عن السياسات ذات الطابع الدعائي، والتي تعيد تدوير الأزمة، والتركيز على المشاريع والاستثمارات التي تخلق فرص عمل كثيفة وبشروط عمل لائقة، واعادة النظر بسياسات التعليم بمختلف تخصصاتها ومستوياتها وتحسين جودتها، الى جانب تنظيم سوق العمل، بهدف إعادة التوازن الى شخصية شبابنا وتوسيع الخيارات أمامهم.