الملقي: الانتخابات النيابية المقبلة استحقاق وطني وواجب دستوري
أكد رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، ان إدارة الدولة الأردنية تمضي وفق نهج حكيم، ورؤية ثاقبة، وقيادة متمكنة، تحظى بشرعية دينية وتاريخية وشعبية، مكنتها من الاستمرار، والحفاظ على الصمود والنماء، ومراكمة المنجز الوطني على مر التاريخ.
وقال رئيس الوزراء، في محاضرة القاها اليوم الثلاثاء، في كلية الدفاع الوطني الملكية الاردنية حول ادارة الدولة الاردنية، إن هذا يأتي بفضل التزام الأردن بثوابته المقدسة، ومبادئه الراسخة التي تأسس عليها، والمرتبطة بمبادئ وأهداف الثورة العربية الكُبرى التي نحتفل هذه الأيام بمرور مئة عام على انطلاقتها، التي كانت بمثابة اللبنة الأساسية في بناء الدولة الأردنية، كجزء لا يتجزأ من مشروع وحدة الأمة النهضوي.
واكد الملقي ان الدولة الأردنيّة استمرت منذ ذلك الوقت بمسيرة البناء والتحديث، فتحققت نهضة ٌشاملة في مختلف الميادين، ليكون الأردن بذلك علامة فارقة وسط إقليم لم يستثمر منجز الثورة العربية، ولم يستكمل مشروعها الواحد الذي صاغه الهاشميون الأحرار والأردنيون من خلفهم.
ولفت الى ان الاردن، وعلى مر التاريخ، برع في تحويل الأزمات إلى منجزات وطنية، وأبدع في تذليل التحدّيات والصعوبات وتطويعها للبناء والإنجاز، مشيرا الى ان الأحداث التي جرت خلال السنوات الخمس الأخيرة تعد دليلاً واضحاً على ذلك، "فالأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه، استثمر حالة عدم الاستقرار الإقليم في دفع عملية الإصلاح الشامل نحو الأمام، وبدأنا فعلاً بجني ثمار الحكمة والعقلانيّة في النهج، كركائز لعملية البناء الوطني".
وتطرق رئيس الوزراء في محاضرته حول ادارة الملف السياسي، الى محورين اساسيين، هما، ادارة ملف الاصلاح السياسي، وادارة ملف السياسة الخارجية الاردنية، مشيرا الى ان جذور مسيرة الإصلاح السياسي في الأردن تعود إلى بدايات عهد الدولة، حيث جاء تأسيس إمارة شرق الأردن على أسس ديمقراطية فريدة، لم تكن شائعة إلى حدٍ كبير في ذلك الوقت، وفي مقدمتها وضع دستور ينظّم شؤون الدولة (القانون الأساسي)، وتشكيل حكومة وطنية بمدد دستورية محددة، وإنشاء مجلس نيابي منتخب يمارس صلاحياته الرقابية والتشريعية، ويكرس عملية تداول السلطة على أُسُس ديمقراطية في هذا الكيان الناشئ حديثا.
واضاف، "ثم استمر تكريس عملية الإصلاح السياسي في عهد الإمارة، إلى أن وصل تداول السلطة إلى تطبيق مبدأ الفصل المتوازن بين السلطات، والذي كان يتم على أُسس ديمقراطية متميزة رغم حداثة التجربة".
واشار الى اصرار الملك عبد الله المؤسس طيب الله ثراه بعد الاستقلال عام 1946م، على مواكبة المملكة الأردنية الهاشمية لجُل التطورات، فعمل على تعديل الدستور عام 1947م، لإيجاد برلمان منتخب يمارس مهمتي الرقابة والتشريع، وتعميق مبدأ الفصل بين السلطات، وتوسيع صلاحيات الحكومة لتكون قادرة على ممارسة مهام سيادية كتوقيع المعاهدات والاتفاقيات.
وقال رئيس الوزراء، "بعد استشهاد الملك المؤسس رحمه الله على عتبات المسجد الأقصى في سبيل مبادئه القومية الأصيلة، سعى المغفور له بإذن الله الملك طلال إلى تجذير الديمقراطية، والتوسع فيها، لتكون نهجا يميز الدولة الأردنية الحديثة، فوضع دستور عام 1952م الذي ما يزال شاهدا، على حُسن إدارة الدولة الأردنية في جميع المراحل، وإيمانها المطلق أن المواطن هو شريك أساسي في صنع القرار، وأنه محور التنمية والإصلاح وأساسهما".
واضاف، "وفي عهد المغفور له جلالة الملك الحسين الباني رحمه الله، واصل الأردن مسيرته الديمقراطية رغم التحديات الإقليمية والدولية الكبيرة في ذلك الوقت، وكانت ثمرة الإصلاحات السياسيّة التي قادها الملك الحسين أن تشكلت في الأردن أول حكومة برلمانية عام 1956م، وكانت هذه التجربة ثمرة لكل جهود الإصلاح السياسي في تاريخ الأردن، إلى أن أهدرتها فيما بعد ظروف الحرب والأحداث الإقليمية واحتلال فلسطين وإجبار الأردن على خوض حروب متتالية توقفت معها عجلة الديمقراطية جزئياً وبشكل مؤقت، لكن دون توقف الحياة البرلمانية، وكان الهدف من وراء ذلك الحفاظ على وحدة الأردن وكيانه ضد المؤامرات التي حيكت آنذاك".
وقال الملقي، "لكن، وعندما سنحت الفرصة للعودة إلى نهجنا الديمقراطي بشكله الكامل، قاد الملك الحسين الأردن إلى مرحلة أخرى عام 1984م حينما أصدر قراراً بعودة الحياة البرلمانية، ثم أُجريت انتخابات عام 1989م، حيث ضم البرلمان آنذاك مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، واستمرت بعد ذلك وتيرة الحياة النيابية إلى يومنا هذا، رغم صعوبة التحديات وكثرة الأحداث وتسارعها من حولنا".
واكد رئيس الوزراء ان الاردن مضى في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني في تجذير نهجه الديمقراطي بوتيرة متناغمة دون انقطاع، كرس من خلالها دعائم الدولة المدنية الحديثة، دولة المؤسسات والقانون، وزاد على ذلك أن استثمر الظروف الصعبة التي حلت خلال السنوات الخمس الأخيرة في دفع مسيرة الإصلاح السياسي نحو الأمام، من خلال إجراء تعديلات دستورية عام 2011م، شملت في مرحلتها الأولى (42) مادة تشكك في مجملها ثلث الدستور.
ثم اتبعت بتعديلات أخرى عامي 2014 و2016م عززت مبدأ الفصل بين السلطات، ونأت بمختلف الأجهزة الأمنية عن تجاذبات الحياة السياسية، سعياً لتعزيز الحياة الديمقراطية، ووصولا إلى تطبيق نظام الحكومات البرلماني في المستقبل القريب.
واشار الى ان الإصلاحات السياسية التي أُجريت خلال السنوات الخمس الأخيرة شملت تعديل عدد من القوانين التي تشكل في مضمونها مفاصل مهمة في الحياة السياسية من أبرزها تعديل قانون الانتخاب بما يكفل تعزيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، وتفعيل الحياة الحزبية، وإفراز مجلس نيابي يلبي تطلعات الأفراد نحو مشاركة سياسية أفضل، وتعزيز دور النواب في الاضطلاع بمهام الرقابة والتشريع وعملية اختيار الحكومات.
ولفت رئيس الوزراء الى ان القانون الجديد نص، ولأول مرة في تاريخ المملكة، على اعتماد نظام القائمة النسبية المفتوحة، والتعددية في اختيار المرشحين من داخل القائمة الواحدة، وهو ما يؤسس لحياة حزبية أفضل، وتحالفات سياسية واجتماعية تسهم في تعزيز اللحمة الوطنية، وتنظيم عمل مختلف الأطياف السياسية ليكون وفق نهج التشاركية، بما يؤسس لتطبيق نظام الحكومات البرلمانية، تطبيقا لرؤية جلالة الملك حول مستقبل الإصلاح السياسي التي تضمنته الأوراق النقاشية الخمس التي طرحها خلال العامين الماضيين.
واكد ان الانتخابات النيابيّة المقبلة التي ستُجرى في العشرين من الشهر المقبل تُمثل استحقاقاً وطنيّاً مهمّاً، وواجباً دستوريّاً يحتّم على الجميع التعامل معه بروح المسؤولية الوطنيّة، من أجل المساهمة في تعزيز الحياة البرلمانيّة، وتتويج هذا التاريخ الحافل من الحياة الديمقراطيّة بمزيد من المنجزات التي يكون الهدف منها المحافظة على الاستقرار وتعزيز قيمة الازدهار.
وقال "كما شملت الاصلاحات السياسية تعديل قانون الأحزاب السياسية بما يكفل إيجاد البيئة الملائمة والمناخ الأمثل لنمو المشاركة الحزبية التي تكون المصلحة الوطنية غايتها، من خلال تجذير نهج التداول السلمي للسلطة"، مشيرا إلى قيام الحكومة قبل أيام بإقرار نظام المساهمة في دعم الأحزاب السياسية لتمكينها من الاضطلاع بدورها في الانتخابات النيابية المقبلة، ولتعزيز مشاركتها في الحياة السياسية.
وشملت الاصلاحات السياسية إقرار قانون مجالس المحافظات (اللامركزية)، والذي يؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الرشيد عن طريق تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار وانخراطهم في الحياة العامة وتكريس نظام الحكم المحلي، واختيار طبيعة ومستوى الخدمات ذات الأولوية بالنسبة إليهم، مؤكدا ان القانون، الذي من المتوقع البدء بتطبيقه صيف العام المقبل يعد واحدا من أهم القوانين لمستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهو يتيح للمواطنين الفرصة بأن يكونوا شركاء حقيقيين في صنع القرارات المتعلقة ببيئتهم المحلية، ويقلل من حجم الأعباء الخدمية الملقاة على عاتق أعضاء مجلس النواب بحيث يتفرغ النائب بشكل أكبر لممارسة مهام الرقابة والتشريع، كما يسهم في تعزيز التوزيع العادل لمكتسبات التنمية في مختلف مناطق ومحافظات المملكة.
واشار الملقي الى ان الاصلاحات السياسية شملت كذلك تعديل قانون البلديات بما ينسجم مع تطبيق نظام اللامركزية، بحيث يتم الانتقال من مفهوم الإدارة المحلية إلى مفهوم الحكم المحلي، الذي يعني أن تُمنح المجالس البلدية المنتخبة صلاحيات واسعة، واستقلالية في العمل وصنع القرار، في ظل سيادة الدولة، وبما يتيح المجال واسعا أمام تحسين مستوى الخدمات، وإشراك المواطنين في تنمية بيئتهم المحلية والتخطيط لمستقبلها.
كما تضمنت الإصلاحات السياسية استحداث مؤسسات دستورية ذات أهمية، من شأنها أن تعزز المسيرة الديمقراطية، وتمنع التداخل بين السلطات، وتكرس مفهوم دولة المؤسسات والقانون، وفي مقدمتها: المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلّة للانتخاب. وقبل ذلك كانت الدولة قد أنشأت هيئة لمكافحة الفساد عام 2006م، ثمّ تطوير مهامها لتساعد في ترسيخ مبدأ النزاهة في عام 2016م، لافتا الى ان جميع هذه المؤسسات تعتبر قفزة نوعية في مجال الإصلاح السياسي.
وفيما يتعلّق بالسلطة القضائية، اكد الملقي ان القضاء اعطي مزيدا من الاستقلال عن السلطة التنفيذية بموجب تعديل المادة (98) من الدستور، بحيث أصبح المجلس القضائي يتولى وحده حق تعيين القضاة النظاميين، وهذا من شأنه أن يعزز استقلالية السلطة القضائية، ويحد من تدخل السلطة التنفيذية بشؤونها.
ولفت بهذا الصدد الى انه تم حظر محاكمة أي شخص مدني أمام هيئة قضائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين وذلك بموجب تعديل المادة (101) من الدستور، وكذلك تعديل قانون محكمة أمن الدولة التي انحصر دورها بجرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات، وتزييف العملة.
واكد ان إدارة الدولة لملف الإصلاح السياسي عبر تاريخها كانت إدارة حصيفة، كرست من خلالها الإرادة السياسية الأردنية النهج الديمقراطي، وسعت على الدوام إلى تعزيز هذه المنظومة وتطويرها وفق أفضل الممارسات، وبما يضمن تحقيق المصلحة الوطنية العُليا، مشيرا إلى دور أجهزتنا الأمنية في دعم مسيرة الإصلاح السياسي على مدار العقود الماضية، وتمثل ذلك أخيرا في تعاملها الحضاري والعقلاني الحكيم والمتزن مع مجمل الاحتجاجات التي سادت على الساحة المحلية ابان مرحلة ما يُسمى بـ"الربيع العربي".
كما تحدث رئيس الوزراء حول إدارة الدولة لملف السياسة الخارجية الأردنية، مؤكدا ان السياسة الخارجية التي تنتهجها الدولة الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني مكنت الأردن من أن يكون دولة ذات وزن سياسي مؤثر، تحظى باحترام مختلف دول العالم، رغم محدودية إمكاناتها، ودليل ذلك اختيار الأردن خلال العامين الماضيين عضواً غير دائم في مجلس الأمن، وتقلده كذلك منصب الرئيس.
واكد ان الدبلوماسية الأردنية اجتهدت منذ قيام الدولة في الدفاع عن المصالح الوطنية بالارتكاز إلى الثوابت الوطنية والقومية ومن خلال تطبيق السياسة الخارجية للمملكة؛ بهدف تعظيم المكتسبات والمنجزات، فكان لها دور كبير فيما تحقق من إنجازات على مر التاريخ.
ولفت رئيس الوزراء الى ان الأردن سخر جانبا واسعا من جهوده السياسية والدبلوماسية في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وبذل مساعي كبيرة في سبيل تعزيز العمل العربي المشترك، وبناء ثقل عربي إقليمي يعزز مستقبل الأمة ويحقق مصالحها المشتركة، بالإضافة إلى الدور الكبير الذي يلعبه الأردن في ترسيخ الأمن الإقليمي والدولي والمساهمة في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
واكد ان الاردن استثمر علاقاته الإيجابية مع مختلف دول العالم، وفي جميع المحافل المحلية والإقليمية والدولية، من أجل الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحق الأشقاء الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران، وفقاً لما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية التي تحظى بدعم ثلثي دول العالم.
كما اكد انه وفي ظل الأحداث الأخيرة التي عصفت بإقليمنا العربي، فقد لعبت الدبلوماسية الأردنية دورا بارزا في دعم الأشقاء الذين تضرروا من هول الأحداث، فاحتضن الأردن ورغم الصعوبات الاقتصادية التي يعانيها، مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، ومن قبلهم الأشقاء العراقيين، كما حثت الجهود الدبلوماسية الأردنية منذ بدء الأزمة على ضرورة إيجاد حلٍ سياسي يضمن استعادة أمن سوريا واستقرارها ووحدة شعبها، وقال "نحن مستمرون على ذات النهج إلى حين الخروج من هذه المحنة".
واضاف رئيس الوزراء "قد أسهمت قدرة جلالة الملك عبد الله الثاني وحضوره الدولي والاحترام الذي يحظى به بجعل الأردن السفير الأهم لقضايا الأمتين العربية والإسلامية أمام المجتمع الدولي، فقد أضحى للأردن بقيادته دور أساسيٌ، ورأي محوريٌ في مختلف قضايا المنطقة، بما يحظى به من احترام وتقدير الجميع".
ولفت الى ان الأردن ينشط من خلال جهوده الدبلوماسية في الدعوة إلى إشاعة الأمن والسلام ونبذ العنف والتطرف والإرهاب حيث تبلور هذا الدور على الأرض أخيرا حينما شاركنا إلى جانب قوى التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب بعد أن حاول الإرهابيون تقويض أمننا واستقرارنا.
واشار الملقي بهذا الصدد إلى دور قواتنا المسلحة الباسلة - الجيش العربي، وأجهزتنا الأمنية في دعم سياستنا الخارجية، "فقواتنا المسلحة تشكك رادفاً قوياً لسياستنا الخارجية، وصولاً إلى اضطلاع الأردن بدور فاعل في معادلة الأمن الاستراتيجي في المنطقة، وحليفاً موثوقاً في الحرب على الإرهاب والقوى الظلامية التي تسعى لتهديد الأمن والسلم الدوليين"، مؤكدا ان رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني باتت هي محور التفاعلات الدولية وأساس النظرة الاستشرافية لمجمل الأحداث والتطورات في المنطقة.
واكد ايمان الدولة الأردنية وبشكل مطلق بأن الحرب ضد الإرهاب ليست حرباً عسكرية وأمنية فحسب، بل هي حرب فكرية وثقافية وأيديولوجية، لذا كان الأردنّ سباقاً في أطلاق مبادرات عديدة، كرسالة عمان عام 2004م، ومبادرة "كلمة سواء" عام 2006م، ومبادرة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان عام 2010م، وذلك من أجل تعزيز التعايش والتسامح ونبذ الفرقة والطائفيّة، وبالتالي إشاعة الأمن والسلام.
(بترا)