jo24_banner
jo24_banner

المصري: الحديث عن "فك الارتباط" وامكانية العودة عنه يهدف إلى خلط الأوراق

المصري: الحديث عن فك الارتباط وامكانية العودة عنه يهدف إلى خلط الأوراق
جو 24 : أكد رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري أن الحديث المتصاعد في الفترة الأخيرة عن قرار فك الارتباط الإداري والقانوني، وإمكانية العودة عنه، بإعادة الضفة مجددا إلى الأردن في إطار من حلول وتسويات من نوع ما، تهدف إلى خلط الأوراق بصورة ضبابية، والعبث بالنسيج الاجتماعي الوطني الأردني.

وأشار المصري في كلمة ألقاها في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، إلى أنه عارض قرار فك الارتباط في حينه، لكنه اصبح اليوم واقعاً بحكم الظروف والتطورات، وباتت هناك "حاجة ملحة وغير قابلة للنقض أو الاجتهاد، لان نتشبث جميعاً، بحقيقة ان فلسطين هي فلسطينْ، وأن الأردن هو الأردن، وأن نصر على ذلك ، وعلى حتمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، على التراب الوطني الفلسطيني".

وأكد المصري أن الحفاظ على الوحدة الوطنية على مبدأ المساواة يعد أهم عناصر الأمني الوطني، منوها إلى أن مصطلح المواطنة هو الأقرب للصواب، حيث أن "الأوطان لم تكن يوما من الأيام حصصا ومكاسب".


وتاليا نص كلمة طاهر المصري كاملة:


بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الشرف الكرام ،،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأود ابتداءً، أن أشكر كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، آمراً ومنتسبين، على دعوتهم الكريمة، وأن أؤكد إعجابي، بهذا النهج الواعي الذي تعتمده الكلية، في عقد الندوات الحوارية المعمقة، لمناقشة قضايانا الوطنية، بروح من المسؤولية وسمو الفكر... وبعد .
هذه هي المرة الثانية ، التي يُطلب إلـــيَّ فيها، الحديث في محور الوحدة الوطنيهْ ، كأحد أهم عناصر الأمن الوطني. وللمرة الثانية كذلك، أعرب عن اعتقادي، بأن المبالغة في استخدام مصطلح الوحدة الوطنية، قد لا يكون أمراً مناسباً، وأن الاستعاضــة عن ذلك بمصطلح، وحدة النسيج الاجتماعي، أو وحدة الشعب الأردني، قد يكون هو الأفضل.
وفي السياق، فعند الحديث عن الوحدة الوطنية في بلدنا، جرت العادة أن ينصرف التفكير فوراً، إلى الوحدة بين مكونين رئيسيين، هما المكون الأردني من أصل أردني، والمكون الأردني من أصل فلسطيني، وهذا أمر غير دقيق، فالوحدة الوطنية، تعني عملياً، الوحدة بين سائر مكونات المجتمع، بغض النظر عن الأصل والدين والعرق والجنس، أو حتى نمط التفكير. بمعنى أن الأصل ان نؤمن وكمنطلق للحديث عن الوحدة، بأن جميع المتمتعين بالجنسية الأردنية، هم مواطنون أردنيون، متساوون تماماً في القيمة الدستورية والقانونية للمواطنهْ، ولا ميزة لأحدٍ على آخـــر في هذا المجال، وعلينا جميعــاً، أن نسعـى إلى تجذير وحدتهـم، وعلى امتــداد الوطن كلــه، حيث لا إقليميــة ولا جهوية، من وجهة نظر سياسية .
عملياً أرى ان الوحدة الوطنية ( وأنتم ترون أنني ما زلت استعمل تعبير الوحدة الوطنية بالرغم من معارضتي له ) حسب مفهوم الندوة وأدبياتها، ليست فقط أحد أهم مرتكزات الأمن الوطني، وإنما هي أهمها على الإطلاق. فالوحدة الوطنية تتحقق ، عندما تتحقق شروطها ومتطلباتها. والأمن الوطني بمفهومه الشامل، سياسياً واقتصاديـاً واجتماعياً، هو ثمرةٌ طبيعيةٌ للوحـدة الوطنيهْ، مكتملـةِ الشروط ِوالمتطلباتْ. فالأمن الوطني بمفهومه الحديث المتطور، لم يعد ذلك المفهوم الشُرطي المجرد، والذي ساد في عقود ماضية من القرن الماضي، وإنما هو أمنٌ شامل، يوفر الطمأنينة للمواطن الفرد، في عمله، ومسكنه، وأسلوب عيشه، وبيئته الاجتماعيـة، تماماً مثلمـا يوفر هكذا طمأنينة، في فكـره وحريته، وحقـه فــــي التعبير، والعيش بكرامة إنسانيهْ، عالية المستوى والمضمون. وهي أمور متداخلهْ، لا انفصام لأيٍّ منها عن الآخر، والا فأن الأمر يحتاج إلى نظر !.
إن " المواطنة " الحقه، هي القاعدة الأساس لبناء مفهوم المواطن الصالح ولبناء وحدة وطنية حقيقية، والعدل هو أهم متطلباتها، في تحديد شكل ومضمون تلك المواطنهْ، على قاعـدة المساواة في الحقوق والواجبـات، وعلى قاعدة سيادة الدستور، وسائر التشريعات الصادرة بموجبه ، وعلى مختلف الشرائح والأفراد، وعلى امتداد رُقعة الوطن. وهنا لا بد وأن أُشير، إلى أن الأصل في الدستور، والتشريعات الناظمة للحياة العامهْ، هو أنها ليست مجرد نصوص جامدهْ ، يمكن الاعتزاز بها كنصوص وحسبْ، وإنما هي نصٌ وروح، يمكن الاعتزاز بها عملياً، عند تطبيقها بعدالةٍ وأمانةٍ وكفايهْ، وعلى الجميع وبلا استثناء، مثلما يجري الاعتزاز بمخرجاتها، عندما تكون تلك المخرجات، تجسيداً حياً وعملياً، لوحدة النسيج الاجتماعي، وتأكيداً لصلابة وحدة المجتمع، وبالتالي قوة للوطن، بكل مكوناته. ومتــى كان المجتمع كذلك ، كـــان مجتمعــاً آمنــاً، يشعر كل فرد فيه، بأنه جزء من هذا النسيج، وعلى قاعدة المساواة مع الآخر. وبأن العدل يتحقق، وضمن أقصى درجات النزاهة والمصداقية والالتزامْ، وبأن الجميع أمام القانون سواء. وهنا تتعزز أسباب ومبررات المشاركة ، في إعلاء بناء الوطن، مثلما يتعزز الشعـــور لدى كل مواطن، بحتميــة نهوضه بالمسؤولية الأخلاقية، نحو بلده ومجتمعه، وعلى قاعدة الشراكة "المَشاعْ". فالأوطان لم تكن في يوم من الأيام، حصصاً ومكاسب، وإنما هي قيمٌ عظمى، يشترك الجميع في صنعها، وفي الدفاع عنها، وليس لأحد دون سواه ، أن يُعَّرض تلك القيمة للخطـــر، وفق نهج الأِستئثار والمحاصصة ، أو إقصاء الشريك مثلاً، وإلا، فإن الوطن، يصبح حالة تنازع وادعاء وتنافر، بين سائر مكوناته. وفي هذا في تقديري، أبشع وأسوأُ صور التهديد المباشر، للأمن الوطني، داخلياً وخارجياً، وعلى حدٍ سواء .
ان الأمر المستجد في هذا السياق، هو تلك الاجتهادات والتسريبات الإعلامية التي تظهر بين الحين والآخر، والتي تعيد خلط الأوراق بصورة ضبابية ، ومن ذلك ، الحديث المتصاعد في الآونة الأخيرة، عن قرار فك الارتباط الإداري والقانوني ، بين الأردن والضفة الغربية، وإمكانية العودة عن هذا القرار، وبالتالـي عودة الضفة مجـدداً إلى الأردن، في اطار حلول وتسويات من نوع ما. وهذه أمور لا بد وان نبدي آراءنا فيها، بمنتهى الصراحة والوضوح ، وذلك تجنباً لآثارها السلبية ، والتي قد تستغل في طرح آراء وسياسات عقيمة ، يمكن أن تكون سبباً في إيذاء الوحدة الوطنية ، والإساءة لمفهوم المواطنة الحقه ، وإحداث شروخ في النسيج الاجتماعي الوطني ، وبالتالي تهديد الأمن الوطني برمته .
شخصياً آمل ان تكون الانتخابات النيابية المقبلة ، بوابة حقيقية ، لولوج مشروع وطني شامل، يتضمن تجلية حقيقية لسائر المسائل الوطنية الخاضعة للاجتهاد حتى الآن، وفي مقدمة ذلك ، موضوع المواطنه، والذي يعتبر ركيزة أساسية ومهمة جدا، في مأسسة وتأطير الوحدة الوطنية، واعتبر ان هذه فرصة سانحه بامتياز، لكي يكون تصويت المواطن في الانتخابات، بداية لمرحلة تشاركية واندماج وطني للحمة الوطنية لمكونات المجتمع الأردني .
لقد عارضت قرار فك الارتباط في حينه، لكنه اصبح اليوم واقعاً بحكم الظروف والتطورات، وباتت هناك حاجة ملحة وغير قابلة للنقض أو الاجتهاد، لان نتشبث جميعاً، بحقيقة ان فلسطين هي فلسطينْ، وأن الأردن هو الأردن، وأن نصر على ذلك ، وعلى حتمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، على التراب الوطني الفلسطيني. ومن الطبيعي، فإن مسؤولياتنا جميعاً، هي دعم وتقوية الهوية الوطنية الفلسطينية، على ارض فلسطين، والهوية الوطنية الأردنية على ارض الأردن، وبذلك نؤدي واجبنا، في إرساء أُسس الضمانة الأقوى لحفظ الحقوق على الأرض. وعندها يصبح الحديث عن علاقات اردنيه فلسطينية مستقبلية ، أمراً خاصاً يقرره الشعبان بإِرادتهما الحره، بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، على الأرض الفلسطينية ، لكي نتجنب أية آثــار سلبية على وحدة النسيج الاجتماعي الوطني الأردني، بسبب اجتهادات وآراء، نحن في غنى عنها تماما، في وقت لابد وأن نحرص فيه جميعاً، على متانة هذا النسيج، تأكيداً لمتانة امننا الوطني، إذ من غير المقبول أبداً، ان نترك هكذا أمور مصيرية وحساسهْ، رهناً بالاجتهادات الجهوية أو الفردية، نظراً لما يشكله ذلك، من خطر على وحدة المجتمع .
لا جدال في أن الأردنيين جميعاً، ومن سائر المشارب والأصـــول ، متشبثـون بدولتهم الأردنيهْ، بهويتها العربية الجامعة، وبنظامها النيابي الملكي الوراثي، وعنوانــه "العرش الهاشمي"، وهذه ثوابت وطنيهْ ، تحظى بإجماع الكل، ولا تنازع أو خلاف فيها أو حولها .
والأردنيـون ومـن شتى الاهتمامات والأفكار، هم من أكثـــر الشعـــوب وعياً بالسياسة، وفق مفهومها المجرد، ولهذا تتباين بينهم الاجتهادات والرؤى، ولكن من أجل الأردن، لا على الأردن، واليوم، تشتد المخاطر والتحديات من حولنا، وتُندرُ التطـورات الإقليمية والدوليهْ بمخاطـر جمَّه، بعضُها يتصل بتطورات القضية الفلسطينية، في ظل استمرار الاحتلال، ومخططات التهويد، والرفضِ الإسرائيلي المستفحل لمبادئ السلام العادل، وانغلاق الأفق السياسي والمستقبلي لها، وبعضها يتصل بالملفين السوري والإيراني، وبعضها الآخر، بتطورات مخرجات الربيع العربي، وبعضها بالمطامع والمطامح الدولية وتقاطعاتها. وهنا، وللحيثيات آنفة الذكر، تغدو حاجتنا في الأردن مُلحةً جداً، أكثر من أي وقت مضى، لتمتين أواصر وحدتنا الوطنية، كركيزة أساس، لأمننا الوطني، وهذا يمكن أن يتحقق، من خلال التأكيد، على منظومة متكاملة من الإصلاح الشامل، في المجـالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعبر منهجية الحوار الوطني الشفاف، والصريح والسلمـي، وصـــولاً إلى قاعدة مشتركة من المبـــادئ العامة التي من أهمها:
1) سيادة الدستور والقانون وعلى الجميع، وبعدالة ونزاهة، وتطبيقٍ كاملٍ وأمين.
2) إشاعة العدل في سائر ميادين الأداء العام، وعلى مستوى القطاعين العام والخاص.
3) احترام وتجلية منظومة الحقوق والواجبات، في ميزان عادل، يوازي بين طرفي المعادلة، أي حقوق تقابلها واجبات .
4) احترام حقوق المواطنه، وعلى قاعدة المساواه، تفعيلا لمبدأ المشاركة الأوسع في صنع القرار، وإدارة الشؤون العامة للدولة، وفي كل مفاصلها، إذ لا يجوز أبدا، أن يظل أمر المواطنة تغلفه الضبابية، أو خاضعاً للاجتهاد. وهنا يمكنني القول، أن حق العودة إلى فلسطين، حق مقدس يجب التشبـــث بــه والعمل من أجله، وهو حق لا ينتقص البتة، من عناصر مواطنة الأردنيين أصحاب هذا الحق .
5) احترام الحريات العامة المسؤولة، واطلاق الطاقات والأفكار المبدعة، للإسهام في بناء الوطن، عملا بالنهج الديمقراطي الصحيح .
6) تأكيد مبدأ الحاكمية الرشيده، وإصلاح النظم التعليمية والتربوية، وتوسيع مبدأ مشاركة القطاع الخاص، وضمان حرية الإعلام الموضوعي، وحماية إنجازات الأجهزة الأمنية الوطنية، وتعزيز احترافها المهني .
7) تأكيد استقلال القضاء وتفعيل هذا المفهوم بكل وضوح والتزام، والفصل بين السلطات على قاعدة التكامل لا التقاطع.
8) تعزيز منظومة ومبادئ النزاهة الوطنية، وحماية المال العام، وقطع دابر الفساد بشقيه المالي والإداري، واعتماد مبدأ الثواب والعقاب، وفق الحاله .
9) تأكيد نزاهة الانتخاب، ترجمة أمينةً لإرادة الشعب في اختيار ممثليه، وتطوير التشريعات، بما يحاكي روح العصر من جهة، وإرادة الجمهور من جهة ثانية .
وفق هذه المحاور وغيرها، يمكن في تقديري، تعزيز مفاهيم وشروط الوحدة الوطنية، وصولاً إلى تعزيز مبادئ الأمن الوطني الشامـــل. وهي مهمة ليست بالصعبة أبدا، في غياب الفكـــر المنغلق، والجمود في الحوار والطرح والاعتقاد، وفي المقابـل، تطوير العقول والمفاهيم، بمــا ينسجم مع روح العصر ومتطلباته، وإلا، فـإن الجمـــود الفكري القائم على التعصب والاستئثار، سبب مباشــر وبالضـرورة، للتخلــف الذي ينتج مشكلات مستعصية، ويتسبب في تشظي المجتمعات، وهدر طاقاتها، وتوجيه مقدراتها نحو ميادين التنازع ، بدلاً من أن تُوجه نحو ميادين البناء والإنجاز، فلا بُدَّ من تأصيل مبدأ التشاركية المجتمعية الراقية، في الغرم والغنم معاً، وذلك استناداً إلى الحقائق التاريخية، المتصلة بنشوء الدولة، وبدستورها الجامع، وهويتها الوطنية الأردنية العربية الجامعه.
وقبل أن أختم، فلا بد من أن أعيد التأكيد على حتمية أن تكون الانتخابات النيابية القادمة، انطلاقة مفصلية جديدة وذات أثر، ولا بد أن تفرز معطيات جديدة مختلفة تماماً عن سابقاتها، بحيث يجري الإصلاح الحقيقي الشامل، وبصورة تعيد النظر في مجمل الإدارة الأردنية، وعلى نحو تُفتحُ فيه الملفات كافه، وفي سائــر مجالات العمل العام، في التربية والتعليم، والصحـة، والزراعة، والإدارة، والخدمات... الخ. وإذا ما أُحسن التعامل مع الانتخابات، فسيكون اليوم التالي لها، بداية لمرحلة جديدة من العمل الوطني الجاد، المستند إلى وضع البرامج والخطـــط والتشريعات، وسيكــون ذلك بلا شـك، مفصـلا مهما في بناء الدولـة الحديثـة، بحيــث تتجلى روح المواطنة في أحسن صورها. وهنـا لا بد وأن أُشير كذلك، إلى ضرورة ان تكون القوائم والتكتلات في المجلس النيابي الجديد، تجسيداً حقيقياً لمفهوم التوافق الاجتماعي، الذي يعبر عن رؤى سائر شرائح المجتمع، وبروح وطنية شامله، هدفها الأسمى، هو تمتين أواصر الوحدة الوطنية، وصولاً إلى تعزيز مبادئ الأمن الوطني الشامل .
حضرات الأعزاء ،،،
أشكركم ثانيةً، وأنا على يقين من قدرة الأردن، على الصمود في وجه التحدي، بوعي شعبه، وحكمة قيادته الهاشمية، وقبل هذا وذاك، بتوفيق الله جلت قدرته، واسمحوا لي، أن أعبر عن إعجابي واعتزازي، بهذا الاهتمام الذي تبديه المؤسسة العسكرية الوطنية، في الربط بين الوحدة الوطنيه، والأمن الوطني الشامل، وهو اهتمام يعبر في تقديري، عن حصافةٍ وبعد نظرٍ وحكمةٍ وادراكٍ عميقْ .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طاهر المصري
تابعو الأردن 24 على google news