رهانات نتنياهو
عريب الرنتاوي
جو 24 : يسعى نتنياهو في فرض هدنة طويلة الأمد على حماس والمقاومة وقطاع غزة، هدنة تستمر لخمسة عشر عاماً على أقل تقدير، وهذا الرقم يذكرنا بمشروع شارون القديم عن الحل الانتقالي بعيد المدى، والذي اقترح فيها إقامة دولة فلسطينية في “بعض الضفة وكل القطاع”، وإرجاء قضايا الحل النهائي لخمسة عشر عاماً قادمة، على أن تصمت المدافع والحدود طوال هذه الفترة، ومن دون الحاجة للوصول إلى اتفاقات أو توقيع معاهدات، بل ومن دون الحاجة للتفاوض على الأمر.
نتنياهو يريد أيضاً الزج بمصر في الأزمة مع غزة من بوابتين: الأولى، أن ترعى مصر اتفاق التهدئة طويلة الأجل، وأن تتعهد بمنع حماس والمقاومة من تجديد ترسانتها الصاروخية، تماماً مثلما فعل مع نظام مبارك في شرم الشيخ، بعد “تهدئة” حرب الرصاص المصبوب، حين أوكل لمصر، مهمة مطاردة وقمع تهريب السلاح بكل أنواعه للقطاع المحاصر...أما البوابة الثانية التي يراد لمصر أن تلج عبرها إلى القطاع، فهي فتح المعابر مع مصر، وإبقائها مغلقة مع إسرائيل، أي إلقاء غزة عملياً في حضن مصر، وتكريس انفصالها عن الوطن الفلسطيني الأم، حتى وإن أفضى الأمر إلى إعلانها إمارة إسلامية مستقلة..هذا ليس مهماً، طالما أن هناك من يلتزم التهدئة وهناك من يضمنها.
كل ذلك مقابل أن توقف إسرائيل عدوانها الدائر، وأن تتعهد الامتناع عن تكراره أو استئناف الاغتيالات...وهو إن حصل على ما يريد، فإنه لن يمانع في تقديم “تسهيلات” للقطاع، هو لم يتحدث عن رفع الحصار، ففي نظره غزة ليست تحت الحصار.
هو صك إذعان، يريد نتنياهو أن يفرضه على حماس والمقاومة والفلسطينيين، مع أنه ليس في وضع من يملي الشروط والفرمانات، ناهيك عن فرض “صكوك الإذعان”...فلا المقاومة رفعت الرايات البيضاء، ولا غزة تنتظر الفرج من نتنياهو...والحساب ما زال مفتوحاً بين المُعتدي والمُعتدى عليه، بين الجلاد والضحية.
لكن نتنياهو وهو يذهب بعيداً في مطالبه ومماطلته، يبني رهاناته على شيء آخر...أنه يتابع حاجة مصر في عهد مرسي للتهدئة، وهي حاجة قد تفوق حاجة القطاع إليها...فمصر التي قال مرسي أنها لن تترك غزة وحدها، لا تريد أن تذهب أبعد مما ذهبت إليه في “تصعيد” الموقف مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي...هي تريد بلا شك لهذه المعركة أن تنتهي، وأن تنتهي قريباً، ولكنها لا تريد لها أن تنتهي إلى هزيمة حماس وغزة، كما لا تريد لدورها أن يكون نوعاً من “القص واللصق” لدور مصر “القديمة” في ظروف مماثلة وأزمات سابقة.
كما أن نتنياهو قرأ بلا شك، بعض المواقف العربية، التي بشرت بامتداد عصر “العرب الحملان”، الذين لا خيار أمامهم سوى التوسل والتسول على أعتاب السيد الأمريكي والمُحتل الإسرائيلي...هو قرأ بلا شك ميل بعض العرب ودول الإقليم (تركيا) لاستعجال إقفال هذا الملف، حتى لا يُلقي بظلاله الشائكة على مسعاهم الحثيث لتكريس انفصال حماس عمّا كان يُعرف باسم “محور المقاومة والممانعة” من جهة، وتأهيلها لدور الشريك أو البديل للسلطة والمنظمة، وربما في خلفيات مواقف البعض من هذه الأطراف، تجربة الاعتراف بالدولي بالائتلاف السوري الجديد، كممثل شرعي وحيد لتطلعات الشعب السوري، فتكون حماس “الجديدة” ممثلاً شرعياً وحيداً لتطلعات الشعب الفلسطيني.
لكن ليس كل ما يتطلع إليه نتنياهو سيناله...فالرجل ليس في وضع ميداني يسمح له بتحقيق أهدافه على الأرض ليقطف ثمارها على موائد التفاوض...فلا الحرب البرية المفتوحة باتت خياراً ممكناً، ولا المواجهة مع حماس والمقاومة، مرشحة للانتهاء بالضربة القاضية الفنية، وفي المثل العربي الشهير أن الضربة التي لا تُميتك تقويك، والأرجح أن حماس والمقاومة، ستخرج من هذه المعركة أشد مضاءً وأقوى عوداً.
ثم، إذا كان البعض في حماس قد استمرأ خلال السنوات القليلة الفائتة، طرق النضال السهلة وبريق الدبلوماسية والإعلام والسلطة، فإن ما جرى في غزة خلال الأيام الماضية، قد أعاد الاعتبار مجدداً لتيار المقاومة داخل حماس وأهل غزة والضفة والشعب الفلسطيني بمجمله، وإن كان هذا التيار قد فقد أحد أهم رموزه باستشهاد أحمد الجعبري، فالأرجح أنه اكتسب عشرات المؤيدين الكبار من قادة حماس وكوادرها ونشطائها.
يضاف إلى ذلك، أن حماس وإن وجدت نفسها على مسافة بعيدة من “محور المقاومة والممانعة” إلا أنها لم تنخرط بعد، أو بالأحرى لم تتورط حتى أذنيها بالتماهي مع “محور الاعتدال”، في طبعته الخليجية بخاصة، وهي إذ تجد في مصر “الجديدة”، قاعدة ارتكاز لها، فإن هذا سيمكنها من القدرة على المناورة والمراوغة، وعدم الاضطرار للذهاب حتى آخر الشوط، لا في الابتعاد عن المحور الأول، ولا بالاندماج في المحور الثاني.
البسالة في مقاومة العدوان، والجرأة على ضرب القدس وتل أبيب، سوف تترجم بشكل دقيق في نصوص ومضامين اتفاق “التهدئة” الذي سيبرم وإن بعد تأخير...وحينها سوف يكون بمقدورنا التعرف لا على الوجهة التي ستسلكها حماس في المرحلة المقبلة، بل وعلى المعادلة الجديدة لميزان القوى داخل المنظومة العربية، خصوصاً بين دول “الربيع العربي” من جهة وبعض دول الخليج من جهة ثانية، وسوف يُختبر أيضاً شهر العسل بين الكتلتين.
(الدستور)
نتنياهو يريد أيضاً الزج بمصر في الأزمة مع غزة من بوابتين: الأولى، أن ترعى مصر اتفاق التهدئة طويلة الأجل، وأن تتعهد بمنع حماس والمقاومة من تجديد ترسانتها الصاروخية، تماماً مثلما فعل مع نظام مبارك في شرم الشيخ، بعد “تهدئة” حرب الرصاص المصبوب، حين أوكل لمصر، مهمة مطاردة وقمع تهريب السلاح بكل أنواعه للقطاع المحاصر...أما البوابة الثانية التي يراد لمصر أن تلج عبرها إلى القطاع، فهي فتح المعابر مع مصر، وإبقائها مغلقة مع إسرائيل، أي إلقاء غزة عملياً في حضن مصر، وتكريس انفصالها عن الوطن الفلسطيني الأم، حتى وإن أفضى الأمر إلى إعلانها إمارة إسلامية مستقلة..هذا ليس مهماً، طالما أن هناك من يلتزم التهدئة وهناك من يضمنها.
كل ذلك مقابل أن توقف إسرائيل عدوانها الدائر، وأن تتعهد الامتناع عن تكراره أو استئناف الاغتيالات...وهو إن حصل على ما يريد، فإنه لن يمانع في تقديم “تسهيلات” للقطاع، هو لم يتحدث عن رفع الحصار، ففي نظره غزة ليست تحت الحصار.
هو صك إذعان، يريد نتنياهو أن يفرضه على حماس والمقاومة والفلسطينيين، مع أنه ليس في وضع من يملي الشروط والفرمانات، ناهيك عن فرض “صكوك الإذعان”...فلا المقاومة رفعت الرايات البيضاء، ولا غزة تنتظر الفرج من نتنياهو...والحساب ما زال مفتوحاً بين المُعتدي والمُعتدى عليه، بين الجلاد والضحية.
لكن نتنياهو وهو يذهب بعيداً في مطالبه ومماطلته، يبني رهاناته على شيء آخر...أنه يتابع حاجة مصر في عهد مرسي للتهدئة، وهي حاجة قد تفوق حاجة القطاع إليها...فمصر التي قال مرسي أنها لن تترك غزة وحدها، لا تريد أن تذهب أبعد مما ذهبت إليه في “تصعيد” الموقف مع إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي...هي تريد بلا شك لهذه المعركة أن تنتهي، وأن تنتهي قريباً، ولكنها لا تريد لها أن تنتهي إلى هزيمة حماس وغزة، كما لا تريد لدورها أن يكون نوعاً من “القص واللصق” لدور مصر “القديمة” في ظروف مماثلة وأزمات سابقة.
كما أن نتنياهو قرأ بلا شك، بعض المواقف العربية، التي بشرت بامتداد عصر “العرب الحملان”، الذين لا خيار أمامهم سوى التوسل والتسول على أعتاب السيد الأمريكي والمُحتل الإسرائيلي...هو قرأ بلا شك ميل بعض العرب ودول الإقليم (تركيا) لاستعجال إقفال هذا الملف، حتى لا يُلقي بظلاله الشائكة على مسعاهم الحثيث لتكريس انفصال حماس عمّا كان يُعرف باسم “محور المقاومة والممانعة” من جهة، وتأهيلها لدور الشريك أو البديل للسلطة والمنظمة، وربما في خلفيات مواقف البعض من هذه الأطراف، تجربة الاعتراف بالدولي بالائتلاف السوري الجديد، كممثل شرعي وحيد لتطلعات الشعب السوري، فتكون حماس “الجديدة” ممثلاً شرعياً وحيداً لتطلعات الشعب الفلسطيني.
لكن ليس كل ما يتطلع إليه نتنياهو سيناله...فالرجل ليس في وضع ميداني يسمح له بتحقيق أهدافه على الأرض ليقطف ثمارها على موائد التفاوض...فلا الحرب البرية المفتوحة باتت خياراً ممكناً، ولا المواجهة مع حماس والمقاومة، مرشحة للانتهاء بالضربة القاضية الفنية، وفي المثل العربي الشهير أن الضربة التي لا تُميتك تقويك، والأرجح أن حماس والمقاومة، ستخرج من هذه المعركة أشد مضاءً وأقوى عوداً.
ثم، إذا كان البعض في حماس قد استمرأ خلال السنوات القليلة الفائتة، طرق النضال السهلة وبريق الدبلوماسية والإعلام والسلطة، فإن ما جرى في غزة خلال الأيام الماضية، قد أعاد الاعتبار مجدداً لتيار المقاومة داخل حماس وأهل غزة والضفة والشعب الفلسطيني بمجمله، وإن كان هذا التيار قد فقد أحد أهم رموزه باستشهاد أحمد الجعبري، فالأرجح أنه اكتسب عشرات المؤيدين الكبار من قادة حماس وكوادرها ونشطائها.
يضاف إلى ذلك، أن حماس وإن وجدت نفسها على مسافة بعيدة من “محور المقاومة والممانعة” إلا أنها لم تنخرط بعد، أو بالأحرى لم تتورط حتى أذنيها بالتماهي مع “محور الاعتدال”، في طبعته الخليجية بخاصة، وهي إذ تجد في مصر “الجديدة”، قاعدة ارتكاز لها، فإن هذا سيمكنها من القدرة على المناورة والمراوغة، وعدم الاضطرار للذهاب حتى آخر الشوط، لا في الابتعاد عن المحور الأول، ولا بالاندماج في المحور الثاني.
البسالة في مقاومة العدوان، والجرأة على ضرب القدس وتل أبيب، سوف تترجم بشكل دقيق في نصوص ومضامين اتفاق “التهدئة” الذي سيبرم وإن بعد تأخير...وحينها سوف يكون بمقدورنا التعرف لا على الوجهة التي ستسلكها حماس في المرحلة المقبلة، بل وعلى المعادلة الجديدة لميزان القوى داخل المنظومة العربية، خصوصاً بين دول “الربيع العربي” من جهة وبعض دول الخليج من جهة ثانية، وسوف يُختبر أيضاً شهر العسل بين الكتلتين.
(الدستور)