بعد كثرة الشائعات والأقاويل... تفاصيل رحيل نورهان حمُّود الغامض
جو 24 :
الرحيل إرادة الأقوياء، وهو لقرارٌ صعب وجريء اختارته نورهان حمُّود ابنة العشرين عاماً، فلم تتمكن من التعايش مع الموجود ولم تنغرَّ بالأمل المنشود بغدٍ أفضل. قررت وبملء إرادتها أن تنتقل إلى عالمٍ من المؤكد أنها وجدته أفضلَ، يحقق آمالها ويريحها. الرثاء كان الجامع الوحيد بين الأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين لنورهان. وحدها المصيبة تجمع دوماً بين الناس. لا نعرف لمِ لا ندرك أهمية شخص في حياتنا إلا بعد خسارته؟!
ابنة كفرملكي الجنوبية، التي كانت تتخصص في إدارة الأعمال، وُريَت في الثرى بعدما قررت إنهاء حياتها ورمت نفسها من الطبقة الثامنة من الشقة التي تقطن فيها. المعلومات التي حصلت عليها "النهار" تفيد بأنَّ نورهان تأتي من عائلة كان وضعها المادي ممتازاً حيث عملَ والدها في البورصة، لكنَّ الزمن جار عليه. لينفصل بعدها عن زوجته، تاركاً أربعة أبناء، 3 فتيان ونورهان. بالعودة إلى الحادثة، كثُرَت التحاليل والأقاويل والشائعات ولكنْ بقي السرُّ الحقيقي مع نورهان. يؤكد أحد المقربين منها أنَّ "نورهان تمرُّ منذ فترة بأزمة نفسية، ولكن ما مِن قصة عاطفية خلف الأزمة أو مجتمع منغلق يرفض السهر بل العكس. علِمنا أنها كانت حزينة وعندما نسألها عن السبب كانت تجيب: "عادي شو فيها هالدني غير الزعل"، كانت تبقى في غرفتها، رغم إصرار صديقاتها على الخروج لكنها كانت ترفض وتبقى في غرفتها. كانت تنام كثيراً ومادياً وضعها صعب. منذ زمن وهي تستمع إلى أغانٍ عن الانتحار، كنا نحاول البقاء دوماً إلى جانبها ولكن لم تُظهر لنا يوماً إمكان اتخاذها خطوة كهذه".
أحبَّت البطيخ كثيراً، ويمكن ملاحظة ذلك من صفحتها الشخصية في "فايسبوك"، يقول أحد المقربين منها "أجمل ضحكة بالدني راحت، قوليلها ترجع في كتير بطيخ بدنا ناكلهن سوا". ويتابع: "نورهان متناقضة، إذ كانت مليئة بالفرح والعفوية على الرغم من أنها كانت تمرُّ بظروف صعبة، وعندما كانت تتكلَّم عن أشقائها الصغار كأنما تحكي عن أولادها. وهذا الشيء أشعر الآخرين بأنها متعلقة بالحياة كرمى لعيونهم".
تتعدَّد الأسباب والانتحار واحد!
نسأل الطبيب والباحث في علم الدماغ السلوكي أنطوان سعد عن موضوع الإقدام على الانتحار فيُرجع القرار لأسباب عدَّة، ويشرح في اتصال مع "النهار" أنَّ "الانتحار لا يرتبط بالأوضاع المعيشية أو ما يمرُّ به لبنان، بل يكمنُ في عوامل منها غياب الدعم الاجتماعي من الأهل أو الشريك، ما يجعل الشخص يجنحُ نحو العزلة ليشعر تالياً بعدم أهمية وجوده وغياب أي مستقبل لذاته وما من شيء يرضيه أو يطمح له ليحققه. فيجد أنَّ وجوده وغيابه في هذه الحياة سيَّان، لا بل إنَّ وجوده مزعجٌ أكثر فيقرر إلغاء ذاته". ويضيف: "اليأس ليس أبرز العوامل الدافعة للانتحار، منها مرضية نفسية، كانفصام الشخصية، والاكتئاب، واضطراب في المزاج ذي القطبين. أو حدث خارجي تعرض له الشخص ومدى أهمية الحدث الحاصل مما يشكِّل ضغطاً كبيراً عليه يرافقه ضعف على مستوى تكوينه الذاتي. إضافةً إلى مجموعة من الأسئلة تخطر في ذهن المنتحر، منها: هل وجودي مهم في هذه الحياة؟ أو قد يشعر أحياناً بالذنب أو بأن وجوده بات سيئاً ويؤثر سلباً في الآخرين. إلى ذلك، مواجهة المنتحر لأزمة يجد أنه من الصعب التعامل معها".
ويشير سعد إلى أنَّ "الانتحار يتغير تبعاً لاختلاف الجندر، الفتيات يحاولنَ لكنَّ الشبان ينجحون أكثر بإنهاء حياتهم. كذلك يرتبط الإقدام على الانتحار بالعمر فيكون بأعلى درجاته في فترة المراهقة أي بين الـ 15 والـ 25 عاماً كما بعد سن الـ 65 عاماً. لينقسم قرار الإقدام على الانتحار إلى: أفكار (ideas)، ثمَّ النية (intention)، لتليه خطَّة (plan) ليحقق من خلالها هدفه".
الانتحار بالأرقامٌ!
تفيد إحصائيات صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وفقاً لـ"الدولية للمعلومات" بأنَّ عدد المنتحرين في لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة يوزَّع على الشكل التالي: 111 منتحراً في عام 2013، ليرتفع إلى 144 منتحراً عام 2014، لينخفض إلى 138 شخصاً عام 2015، ليعود ويسجَّل منذ بداية العام 2016 وصولاً إلى أول تموز عدد الأشخاص الذين قرروا إنهاء حياتهم 76 شخصاً. أرقامٌ إنَّ دلَّت على شيء تشير إلى أنَّ الموت بات الخيار الأنسب لكثيرين في ظل تراكم الصعاب وازدياد الخيبة بين المواطنين خصوصاً من فئة الشباب.النهار اللبنانية