jo24_banner
jo24_banner

قصة ليلة 31 أغسطس 1950 الحية في ذاكرة المصريين

قصة ليلة 31 أغسطس 1950 الحية في ذاكرة المصريين
جو 24 :

ليلة 31 أغسطس 1950، عقارب الساعة تُشير إلى الواحدة والنصف صباحًا، رائحةُ الموت تسيطر على بقعةٍ بعيدة في الصحراء، حيثُ تجمع المهندسون والمحققون والخبراء الأميركيون، ليقوموا بعملهم بين مجموعة من الخرائط والأشرطة في تلكَ الصحراء المُجدبة.

تمُر الساعات، ومازالت شظايا الطائرة التي استقلتها ممثلة مصرية مشهورة مُتناثرة في كل مكان، الخُبراء يضعون لكل شظية من شظايا الطائرة رقمًا، ثُم يقيسون المسافة بين مكانها ومكان الطائرة، ويصفون الحالة التي وجدت عليها، ويقول مُراسل مجلة «المصور»، الذي تواجد هُناك، تجولنا بين حطام الطائرة، نبحث وننقب، فوجدنا عدة أوراق متناثرة إلى مسافات بعيدة في الصحراء، هُنا جواز سفر «مايكل بونامي»، وإلى جواره جواز سفر زوجته وابنته، فهو تاجرٌ لبناني قدم من أميركا في نزهةٍ أمضاها في لبنان ومصر، ثم أراد العودة إلى أميركا.

وعلى مقربة من نُقطة بحث الخبراء، تواجد جواز سفر المهراجا الهندي، باتي شبنخ، وبجواره كتاب عن «نهرو»، موقَّع بإهداء المؤلف، ورغم تناثُر الحطام، كان لايزال الكتاب مفتوحًا على الصفحة رقم 118، ووفقًا لدفتر ركاب الطائرة، فإنّ مقعد الممثلة المصرية، كاميليا، كان مجاورًا لمقعد المهراجا، والتي لم يتبقَ منها سوى حذاء ستان أخضر، وسجّل الناقد الصحفي، حسن إمام عُمر، شهادته أن المهراجا كان صديقًا مقربًا من كاميليا، وأنه علم بالنزيف الذي تعاني منهُ كاميليا، وكان سببًا في نفور الرجال منها.

وتناثرت بعض الشائعات أيضًا التي تخُص إصابة كاميليا، التي وصفت بصديقة الملك فاروق، بداء السُل وآلام في المعدة، لذا جاء سفرها على متن الطائرة لهدفين، وهما، العلاج ثُم التوجه لمقابلة الملك فاروق.

لم تكُن شهادة مُراسل مجلة «المصوّر» هي الشهادة الوحيدة بخصوص ليلة وفاة كاميليا، حيثُ روى الكاتب الصحفي الراحل، محمد حسنين هيكل، تفاصيل الليلة التي سبقت تحطُم الطائرة، قائلاً: «بدأ القدر أول خطوة في لوحته المروعة في الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح يوم الخميس آخر أيام أغسطس، وبدأ يختار أبطال لوحته في مطار فاروق، كان مشهد المطار لحظتها عادياً، وكانت الطائرة رقم 903 نجمة ميرلاند قد هبطت أرض المطار قادمة من بومباي، ونزلت هيئة القيادة كي تترك الطائرة لهيئة قيادة جديدة تتولاها باقي الرحلة وأمام الطائرة التقى القائدان، الذي انتهت نوبته والذي عليه الدور».

استمرت أحداث رحلة الطيران، وسط غضب الرُكاب، بسبب تأخُر موعد إقلاع الطائرة، وحينها صاحَ الرُكاب، فردّت عليهم المضيفة الباريسية الشقراء، لورنزي، وهي تنظُر في ساعتها، قائلة: «بعد ربع ساعة»، وعندما زاد غضب الركاب، ردّت عليهم ضاحكة: «على أي حال، لن يكون هناك شيء تفعله الليلة إلا أن تنام، سوف تستيقظ في الصباح لتجد نفسك في بلد آخر».

ورغم التحقيقات التي قيل إنها مستمرة لكشف غموض الحادث، خصوصاً بعدما أكد طاقم القيادة قبل إقلاعها أن كل شيء على ما يرام، فإن النيابة صرحت بدفن جثة كاميليا فتمت الصلاة عليها في كنيسة القديس يسوف خلف الانتكاخانة وسط حشد جماهيري كبير وحشد آخر من كبار الفنانين، في مقدمهم تحية كاريوكا ومديحة يسري وباقي نجوم مصر، الجثث خرجت جميعها من مشرحة مستشفى قصر العيني، وكان أهالي الضحايا يزدحمون بالملابس السوداء خارج باب المشرحة، وكان بينهم أهل الطيار السابق كمال الدين فهمي وأرملة كابتن الطائرة الكابتن، بوب، لكن الذين كانوا في حالة انهيار تام هم أهل الفتى الذي ركب الطائرة للمرة الأولى في حياته وهو أدوارد غرابيت نشاينان،وفقا لصحيفة المصري اليوم.

كان الفتى كما تروي أسرته بدموع لا تتوقف يمضي إلى مطار فاروق في قمة البهجة والسعادة كأن له في هذه الطائرة حبيبة تناديه وتنظره. كان مسافراً إلى سويسرا لينال دبلوم صناعة الساعات ويُمني نفسه بالنبوغ الذي سيتاح له بعد أن يعود إلى مصر. لكنه عاد إليها جثة مشوهة أكلت النار بعضها… وقضت على آماله وآمال أهله فيه قبل أن يتجاوز عامة الثالث والثلاثين. وكانت أمام المشرحة أيضاً عائلة المضيفة الفرنسية الشقراء لورنزي، يتذكر أفرادها كيف أمضت يومها الأخير في حمام سباحة مصر الجديدة تضحك وتلهو مع الجميع وحينما طالبتها أمها بأن تخفف من هزارها قالت لها: «أنا حياتي كلها بين السماء والأرض، اتركيني أضحك وأتمتع بالدنيا، أنا ممكن أموت في لحظة»..

وفي أرجاء المطار كان القدر يمهد للوحته بحكايات ساخرة وعجيبة، حيث وقف رجل اسمه مستر فريمان أمام الأستاذ جمال زيتون من موظفي شركة الخطوط الجوية العالمية، قائلاً: «ألا تفهم، يجب أن أسافر الليلة بالذات، وعلى هذه الطائرة لا يمكنني الانتظار للغد»، فردّ عليه الموظف بأدب: «آسف يا سيدي، لأنك لم تؤكد الحجز في مكتب القاهرة».

وبعد محاولات عديدة باءت كلها بالفشل، جاءَ قرار برفض مستر فريمان هكذا «آسف يا سيدي، مكتب القاهرة لم يخبرنا بأنك أكدت حجز محلك تنتظر إلى الغد وتأخذ الطائرة التالية»، واستدار مستر فريمان يائساً وانصرف وهكذا رفض القدر واحداً.

وبعدها أقبلت سيدة جميلة مسرعة، وعرفها بعض موظفي شركة الطيران، وعرفوا أنها تسأل عن زوجها كابتن «هاميت»، كابتن الطائرة، ونزل لها زوجها ليسمعها تقول له في لهفة: «ما رأيك، لو جئت معك؟»، ووجدها الكابتن تصر، وتدق الأرض عناداً بكعب حذائها الأنيق فقال لها: «الطائرة مليئة، ولا يوجد بها مقعد خال».

وأراد أن يقنعها فمضى بها إلى مكتب الحجز في المطار، ووصلا في نفس اللحظة التي انصرف فيها الإنجليزي مستر فريمان يائساً، وقال الكابتن هاميت لموظف الحجز: «أحاول أن أقنع زوجتي ومعها تذكرة مجانية مفتوحة، بأنه لا أماكن على هذه الطائرة، لكنها تصر، فقل لها أنت أنه لا يوجد مكان»، فابتسم الموظف وأوضح أن هناك راكبًا لم يؤكد حجز مقعده، فمنعناه من السفر ومكانه خال.

وخطّ موظف الحجز بعد ذلك اسمها بالقلم الرصاص على دفتر الركاب، وفي الوقت نفسه نادى أحدهُم في الميكروفون «رُكاب الطائرة 903، يتفضلون بالتوجه إلى الطائرة».

وبالقُرب من مكان الطائرة، كان هُناك زحام على أولى درجات السُلم، حيث وقفت الممثلة، كاميليا، وكان أحد موظفي الدعاية في شركة الطيران وهو الأستاذ حسن سمرة، قد استوقفها كي يلتقط لها أحد المصورين صورة تستغلها الشركة في الدعاية، وقفت كاميليا تضحك والتقطوا لها صورتين، وصاحت ضاحكة «كمان صورة»، وقال لها الأستاذ حسن سمرة: «تكفي صورتان لأن الطائرة على وشك القيام»، وقالت كاميليا في إصرار: «يعني هي الدنيا ح تطير!»

وبالفعل التقطوا لها صورة ثالثة قبل أن تطير الدنيا، وأقفلوا عليهم الباب، حيث صعد الركاب (48 راكباً) ثم أقفل باب الطائرة عليهم جميعاً، وبدأت المحركات تدور، وانزلقت الطائرة في مماشي المطار، وارتفعت في الجو، ولوح بعض المودعين لأنوارها الحمراء والخضراء الطائرة مع النجوم.

وعندما تحركت عقارب الساعة نحو الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين وسمع موظف اللاسلكي في مطار فاروق صوت قائد الطائرة يقول «أوكي» أي أن كل شيء على ما يرام، ومرت 22 دقيقة صامتة، وفي الساعة الواحدة والدقيقة السابعة والأربعين انبعث من جهاز اللاسلكي في مطار فاروق صوت (سبيلز) ضابط اللاسلكي في الطائرة يقول: «نجمة ميرلاند تنادي القاهرة هل تسمعني؟».

وردت محطة اللاسلكي في المطار «نحن معك»، وقال سبيلز «نحن الآن في طريقنا إلى البحر، الجو هادئ. كل شيء على ما يرام؟»، ومَرَّ نصف ساعة وتذكر موظف اللاسلكي في مطار فاروق أن الطائرة نجمة ميرلاند لم تتصل به للمرة الأخيرة قبل أن تغادر أراضي مصر كما تقضي القواعد.
وبدأ يحاول الاتصال بها ولم يرد عليه أحد، وفي الساعة الرابعة بدأ القلق يستبد بموظف اللاسلكي فاتصل بمطار أثينا وكان المفروض أن الطائرة تتجه بموجاتها اللاسلكية إليه، بعد أن تعبر حدود مصر وتظل على اتصال به حتى تقترب من إيطاليا، فتتجه بموجاتها إلى مطار روما وانطلقت الرسالة من مطار فاروق «القاهرة تنادي أثينا، هل اتصلت بك نجمة ميرلاند؟».

وقالت أثينا إن الطائرة لم تتصل بها حتى الآن، واتصلت القاهرة بروما فجاء رد روما بأنها لم تتلق شيئاً من الطائرة. وفي الساعة الرابعة والنصف صباحاً كانت كل محطات اللاسلكي في شرق البحر الأبيض المتوسط على اتصال، تبحث في السماء عن نجمة ميرلاند وفي الساعة الخامسة كان هناك يقين في كل هذه المحطات بأن شيئاً ما قد حدث للطائرة.

وفي اليوم التالي وجدوا حُطام الطائرة التي أكد الخبراء، أن النيران اشتعلت أولاً في أحد محركاتها فأراد قائدها أن يهبط اضطراريًا وبسرعة، لكنهُ قرب الأرض فشل في إنزال العجلات فارتطمت الطائرة بأرض الصحراء وانفجرت.

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير