القيصر الضائِع.. تواطؤ مدروس وحبس للأنفاس!
ليس جديداً على كاظم الساهر أن يصبح مرادفاً لحالة العشق والعشّاق وأن يستعير من قصائد نزار قباني جمالية الصور الشعرية ليرسم درب أغنية جديدة تصيب القلب بسهامها. هذه هي حال أحدث أعماله الغنائية المصوّرة "عيد العشّاق" التي يبدو فيها الساهر ضائعاً أكثر من أيّ وقت مضى في بحر العشّاق، موغلاً في الغوص فيه ما بين التيه الهاذي الجميل والعبور الفنّي الواثق من حالة شعرية ورومانسية إلى أخرى أكثر عذوبة وأشدّ حرارة.في الشريط الجديد الذي صوّره المخرج الإسباني المعروف Diego Hurtado de Mendoza، لأغنية "عيد العشّاق" شقاوة اللعب ما بين خطورة الشِعر وبساطة الحب، حيث التوازن الفنّي الخفي ما بين البوح و الكتمان.
عبقرية المخرج أنه عرف كيف يلتقط خجل الساهر الحالم ويمزجه بجرأة شاعر المرأة الأوّل نزار قبّاني، فطعّم المشاهد بخيالات تتراقص ما بين عتمة وضوء ليفصح عن القليل من تفاصيل قصّة الحب ويترك المجال لكثير من المتخيَّل الجميل في توليفة مشهدية تكاد توازي الكلمة شاعريةً.
ومن جنوب إسبانيا حيث تمّت عملية التصوير، جاءت عدسة المخرج وكأنها طَير يحلّق فوق جبال أندلوسيا الإسبانية ليلتقط الجمال المنثور تحته من وديان وشطآن. وعلى طريق جبلي متعرّج يبدو الساهر كمَن تحرّر من قبضة المدينة ليمشي درب الحب وصولاً إلى مكان الحبيبة المنتظرة.
ورغم أنّ الفيديو كليب ينطلق من مشهد لطائرة هيليكوبتر تنتظر رجل الأعمال الذي يلعب الساهر دوره لتقلّه على ما يبدو إلى موعد عمل طارئ، إلّا أنّ العمل يتفلّت بسرعة من صورة الرفاهية والأعمال الصارمة، لينقل المشاهد معه في رحلة حميمة حارة على درب الحب المطعّمة بالتفاصيل الصغيرة التي تخلق انطباعات كبيرة لا تزول بسهولة.
وفيما يبدو أنه تواطؤ مدروس ما بين الكلمة الشعرية والصورة تتطوّر الأغنية لحناً ومشهديةً على نحوٍ لافت لتقبض على القلوب بسلاسة كنسمة تتسلّل خلسةً إلى داخل شَعر امرأة لتشمّه أو تراقصه.
وعلى وقع ألحان الساهر المتمايلة كخصر يعانق ظلاله، وتوزيع موسيقي لا يقلّ جماليةً وإبداعاً من توقيع ميشال فاضل، تتجلّى ذورة الصورة في مشهد حابس للأنفاس تتراقص فيه الحبيبة معانقةً ظلّها في تجسيد لروح الأغنية ضمن لعبة بصرية رائعة ما بين العتمة والنور تبدو وكأنّ المخرج يمسك ريشةً فيها ويشكّل صورته كلوحة أمام ناظرِنا.
أغرق المخرج صورته بالضوء في كثير من اللقطات وبدا وكأنه بدوره يراقصه بعدسته، فهو تارةً يلتقطه من خلف الأشجار وطوراً من خلف الجبال، أحياناً يحبسه في غرفة زجاجية فسيحة تبدو وكأنها تشرب الضوء ماءً يملؤها وأحياناً أخرى يطلقه حرّاً ليغمر المدينة بكاملها ويقبّل بياض جدرانها وبيوتها بيتاً بيتاً، فلا ينحسر "الضوء الحبيب" إلّا خجلاً من رقص المعشوقة ودلعها، فيترك مجالاً للغروب وخيالات ترقص في الهواء راسمةً أحلاماً بلقاء مُشتهى.
أن ينعم المشاهد بهذه الواحة من الجمال على صعيد الشعر واللحن والصورة وأداء الساهر الرائع فهو لا شك يشكّل قطرة الماء التي تشتهيها صحراء الفن القاحلة. ولا نتمنّى سوى أن يبقى كاظم الساهر كما في كلمات أغنيته في بحر الحب ضائعاً ليبقى "قيصراً للعشاق" ونهيم معه في هذا التيه الجميل ما بين الحب والشعر ونردّد معه ومع نزار قبّاني "إِنَّنِي مِن يَوْم مِيلادَيْيَ بِبَحْر الحَبّ ضائِع".
(رنا اسطيح - الجمهورية)