jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. المحافظات تقرع الأجراس وتقوّض المقاربة الأمنيّة

بانوراما الحراك.. المحافظات تقرع الأجراس وتقوّض المقاربة الأمنيّة
جو 24 :

كتب تامر خرمه

الزخم الذي اتسمت به فعاليات الجمعة في جنوب البلاد وشمالها، لم يجد له أصداء في العاصمة عمان، التي اقتصرت فعاليتها على اعتصام متواضع نظمته الحركة الاسلامية بمشاركة عدد من الحراكات الشعبية، حيث لم يرق عدد المشاركين في هذا الاعتصام إلى مستوى المشاركة الواسعة التي شهدتها المحافظات.

ومن جهة أخرى، فإن اعتقال معظم نشطاء الحراك الشعبي، وحالة الإرهاق التي انعكست سلبا على شبيبة القوى الحزبية بعد عشرة أيام من العمل المتواصل، والشعور بالإحباط الذي بات مهيمنا على الشارع، لم تحل دون استمرار الحراك في الجمعة الثانية منذ اندلاع هبة تشرين، والتي اتسمت بتجاوزها لكافة السقوف السياسية، وبارتفاع سقف شعاراتها التي وصلت إلى المطالبة بـ "الإسقاط".

أما الأسلوب التقليدي في التصدي للفعاليات الاحتجاجية من خلال تنظيم مسيرات مناوئة لها، وتسليط مجموعات "البلطجية" للاعتداء على المشاركين بتلك الفعاليات، فكشف افتقار السلطة إلى القدرة على التعاطي مع متغيرات الواقع، وتمترسها خلف ذات الأساليب القديمة التي أثبتت فشلها.. بل إن المبالغة في الاستناد إلى هذه المقاربة، وصلت إلى قيام "البلطجية" برشق أحد مساجد ذيبان بالحجارة، بعد أن لجأ إليه المشاركون في مسيرة الجمعة، ما أفرغ فكرة اختلاق "الرأي الموالي" من محتواها، ووضع مجموعات "الولاء والانتماء" في خانة لا يمكن لهم من خلالها الادعاء بتمثيل أية شريحة اجتماعية تمكّن السلطة من تصوير المشهد السياسي على أنه مجرّد اختلاف في وجهات النظر، وإخفاء حقيقة الصراع بين السلطة والشعب.

أضف إلى هذا تنامي خطر مجموعات البلطجية على السلطة نفسها، حيث أن آثار استعار أسعار السلع الأساسيّة بعد رفع الدعم عن المحروقات، لن تستثني المدفوعين إلى فعاليات "الولاء والانتماء".. ويمكن لأي مراقب تخيّل ردّة فعل هذه المجموعات بعد أن تكتوي بقرارات السلطة التي منحتها الحق بتجاوز كافة المحاذير القانونيّة والأخلاقيّة !!

الأغلبية الصامتة التي تراهن السلطة على حيادها، بدأت بالتعبير عن احتجاجها عبر حرق البطاقات الانتخابيّة ومشاركة أعداد واسعة من المواطنين في مختلف الفعاليات الاحتجاجية.. ليبدأ المشهد بالخروج عن دائرة الصراع السياسي إلى حالة شعبية تتسع رقعتها بشكل متسارع، حيث لن تتمكن السلطة من احتوائها دون إعادة النظر في سياساتها الاقتصاديّة.

وبعد أن فشل د.عبد الله النسور في مهمته التي يمكن تلخيصها بالترويج للانتخابات النيابية المقبلة، حفاظا على النموذج الأردني للديمقراطية الصوريّة، بدأت مهمته الأخرى المتمثلة بتطبيق قرارات البنك الدولي بدفع الحراك إلى حالة شعبيّة متقدمة، حيث حسم الشارع في محافظة معان -على وجه الخصوص- خياراته باتجاه المشاركة الواسعة في الحراك، كما حافظت الحراكات الشعبية في الطفيلة والكرك على زخمها بعد أن لامست الهمّ اليومي للمواطن البسيط، ويمكن لأي مراقب لفعاليات الجمعة أن يلاحظ أنها بصدد تجاوز الحالة النخبويّة إلى هبة شعبيّة لا يمكن لأية سلطة كبح جماحها.

قدرة الحراك على الحفاظ على زخمه في محافظات الجنوب، وكذلك في محافظة إربد شمال البلاد، بعد عشرة أيام من المواجهات بين المواطنين وقوات الدرك، واستخدام الإبر المخدّرة والغاز المسيل والرصاص المطاطي، يؤكد فشل رهان السلطة على احتواء المشهد عبر اعتقال عدد من النشطاء، حيث لن يكون الحراك مقتصرا على الطليعة الاجتماعية، بعد أن تنعكس آثار قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية على سلة السلع الأساسيّة، فعندها لن تجد الأغلبية الصامتة بديلا عن الخروج إلى الشارع.

وفي ظلّ إفلاس السلطة نتيجة إصرارها على البقاء في ذات المحور على صعيد السياسة الخارجيّة، وانعكاس هذه السياسة على الوضع الداخلي بعد استنزاف "الشقيقة الكبرى" للإرادة السياسيّة الأردنيّة، وتوقف المساعدات النفطيّة.. يأتي العرض الإيراني بمثابة طوق النجاة الذي لا يمكن الوصول إليه دون التخلي عن الدور الوظيفي الذي يقيّد الأردن.. ولكن هل تتوفر الإرادة السياسيّة لذلك ؟! خاصة وأن رفض هذا العرض تجاوز الأردن الرسمي إلى رموز من المعارضة الاسلامية التي حرّمت العزف على أوتار طهران !!!

المغامرة الخليجيّة بالواقع السياسي الأردني، ورهان السلطة على المقاربة الأمنية لاحتواء الحراك وتجاوز المطالب الشعبيّة.. أدت -حتى الآن- إلى اندلاع هبة تشرين، وانتقال الحراك من الحالة النخبوية إلى الحالة الشعبيّة.. فهل تنتهي هذه المغامرة قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة ؟!

لقد أجابت الأيّام العشرة الماضية على هذا التساؤل.. ولكن يبدو أن السلطة في الأردن تصرّ على الرهان على مقاربات لا تنسجم مع متغيرات الواقع.. وأمام رفض الانتقال من محور المنظومة الخليجية إلى المحور الإيراني، وعدم القدرة على حل الأزمة الاقتصادية على حساب "رأس المال" -الذي بات متحكما بالقرار السياسي بشكل مطلق- والإصرار على الاعتداء على جيوب المواطنين الفارغة.. كل هذا يؤكد أن الأردن يتحرك باتجاه واقع لن تكون فيه هبّة تشرين سوى مقدّمة للحالة الشعبية التي ستفرضها حركة التاريخ.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير