لماذا يجب أن يعرف أبناؤك كم تكسب من المال؟.. سيكون أفضل درس يتلقَّونه في حياتهم
جو 24 :
عندما أراد سكوت باركر لأطفاله الستة أن يتعلموا شيئاً عن قيمة المال، قرر أن يفعل شيئاً قد يراه بعض الآباء متطرفاً: أراهم بالضبط ما يكسبه شهرياً.
ذهب سكوت إلى فرع بنك ويلز فارجو المحلي بمدينة إنسينيتاس في ولاية كاليفورنا الأميركية، وطلب سحب مرتبه الشهري بأكمله نقداً، وفي هيئة عملات من فئة دولار واحد. احتاج صرّافو البنك 24 ساعة لتجميع هذا العدد من الأوراق النقدية، فعاد اليوم التالي وأخذ معه رزماً من مئات الدولارات في حقيبة قماشية، وفق ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
يتذكر ابنه الأكبر دانيال، بعمر 15 سنة آنذاك، اللحظة التي دخل فيها والده إلى المنزل وألقى بما يقرب من العشرة آلاف دولار على الطاولة، يقول "بدا كأنه قد قام بالسطو على بنك".
بعد أن أعطاهم فترة لاستيعاب الوضع، بدأ باركر بسحب بعض الأوراق النقدية. حدثهم عن الضرائب، وجنّب بعض المال لزكاة يقدمها لكنيستهم، كما وضع كومة كبيرة لقسط المنزل. تكدست الدولارات من أجل تدريب كرة القدم والكشافة وليلة الهامبرغر.
عندما انتهى، لم يتبق الكثير من المال، قال "كنت أحاول إحداث أكبر أثر ممكن فيهم، وقد حصلت بالتأكيد على اهتمامهم وقتها".
أحد أهم الدروس
يستحق أطفالك أيضاً معرفة كم تجني من المال. قد يبدو هذا شيئاً مستبعداً، لكن يمكنك البدء بمشاركتهم في سن تبدأ من الخامسة أو السادسة، ببناء إدراكهم ببطء حتى تعطيهم إجابات حقيقية وهم لا يزالون في سن المراهقة. أحسِن تولي الأمر وسيكون هذا أحد أهم دروس طفولتهم.
إليك المشكلة الكبرى التي يساعد هذا في حلها: يمثّل المال لغزاً بالنسبة للأطفال. يشعرون بقوته، فيسألون، ويسألون كثيراً، على مدار سنين طويلة. لماذا بيت قريبنا أكبر من بيتنا؟ لماذا لا أستطيع الحصول على مزرعة نباتات آكلة للحوم؟ لماذا أضطر لاحترام المدرسين إذا كان دخلهم السنوي 60 ألف دولار فقط؟ (سؤال حقيقي!) هل نحن فقراء؟ لماذا لم تعطِ الرجل الذي طلب منك مالاً؟ طالما حصلت أختي على سماعات ماركة بيتس هيللو-كيتي، لماذا لا تشتري لي لعبة ليغو مايندستورمز؟ (ثمنها 349 دولاراً فقط، كما أنها تعليمية يا ماما!).
ومع ذلك، اعتدنا نحن البالغين أن تكون إجاباتنا رديئة في المقابل. ندفع بأسئلة أطفالنا عن النقود بعيداً، أو نخبرهم أن هذه الأسئلة فظّة، أو ربما نقلق أن يكتشفوا نفاقنا وسقطاتنا المالية.
أحياناً نرد بشكلٍ غريزي ودفاعي، صارخين "ليس هذا من شأنك،" ونعلّم أطفالنا أن هذا الحديث محظور عليهم برغم أهميته الواضحة.
يرغب آخرون في حماية أطفالهم من أمر يراه معظمنا يبعث على التوتر والارتباك: ألا يمكننا الإبقاء على براءتهم تجاه الأمور المالية لفترة أطول قليلاً؟
حماية غير منطقية
لكن حماية الأطفال من واقع الحياة المالية اليومية لم تعد منطقية كما كانت، نظراً للمسؤوليات التي سيواجهها جيلهم مبكراً، بدءاً من حجم أقساط التعليم الجامعي التي سيتعرفون إليها وهم لا يزالون في مدارسهم الثانوية.
تقول آماندا روز آدامز، أم لطفلبن في فورت كولينز بكولومبيا "إنه شيء خطير، يشبه عدم التحدث معهم عن التغيرات التي تطرأ لأجسامهم في فترة البلوغ، كهذا يتخرج الشباب من الجامعة بشهادة في اللغة الإنجليزية ودين يبلغ عشرة آلاف دولار." أو عدم معرفة كيف ولماذا يجب عليهم البدء فوراً بتوفير المال للتقاعد، أو كيف يختارون خطة تأمين صحي مناسبة.
s
لا يعني هذا أن يراجع أطفالك عائداتك الضريبية بمجرد سؤالهم عن قدر المال الذي تجنيه. تتطلب الشفافية المالية استعداداً، كما ترى جويلين غودفري، وهي مرشدة تثقيف مالي للأسر، ويتطلب الأمر عشر سنوات أو أكثر لإعطائهم سياقاً ومعرفة كافيين حتى تصبح المعلومات ذات معنى وتصبح مشاركتها آمنة بالنسبة لك.
يمكنك البدء باستخدام جملة بسيطة واحدة للرد عندما يسألك طفلك عن المال مثل "لماذا تسأل؟" لا تقلها باستياء أو بشكل دفاعي، وضح لطفلك أنك مسرور بسؤاله.
وهذا ذاته تكنيك مماطلة يعطيك وقتاً للتفكير في إجابة. (ينفع أيضاً للأسئلة المتعلقة بالجنس والمخدرات) والأفضل من ذلك أنه يسمح لك بمعرفه ما يدور بعقل طفلك بالضبط.
يمكنك طمأنته
إذا سمع الطفل والديه مصادفةً وهم يتشاجران بشأن المال من الطبيعي أن يتساءل عن قدر المال الذي تمتلكه عائلته أو ما إن كان هذا القدر كافياً، وفي هذه الحالة، يمكنك بسهولة طمأنته أن العائلة بخير –إن كان هذا حقيقياً- وأن هذا الشجار كان حول الطريقة المثلى للاستفادة بما نملكه.
وفيما يتعلق ببدء طفلك بالسؤال عن المال، من الأفضل ألا تتخذ موقفاً دفاعياً، وتجيب عن تساؤله فقط. يجب أن تسعى بدلاً من ذلك لبدء توعيته حول كيفية وضع ميزانية للبيت.
ابدأ بشيء تنفق عليه المال بانتظام – أياً كان. يستطيع الأطفال في سن صغيرة تبدأ من 6 أو 7 سنوات أن يفهموا فاتورة مشتريات البقالة. وهم غالباً ما يذهبون مع والديهم إلى المتجر أو يضيفون أشياء إلى قائمة المشتريات، فتكون هذه فرصة رائعة لتقديم فكرة عن الضروريات والكماليات بينما تستعرضون السلع. كما يشارك بعض الأطفال في جمع قسائم الشراء، في مقابل الحصول على جزء مما يوفره الوالدين.
يساعد كل هذا في الإجابة على أسئلتهم الأساسية عن ميزانية العائلة: ماذا سننفق كل شهر لتغطية احتياجاتنا، وماذا سنقرر أن ننفقه على ما نرغب به؟ إن إنفاق المال لا يحدث بشكل سري بالأساس، والأطفال يحضرون ذلك كثيراً، لكن رؤيتهم لنا ونحن ندفع ببطاقات بلاستيكية في المتجر أو أمام شاشة كمبيوتر شيء خارج عن السياق بالنسبة لهم، وقد يعطيهم انطباعاً خاطئاً بالكامل، لهذا من الجيد تعريفهم بالنفقات قبل أن يصبحوا مراهقين.
تضحيات عليهم اداركها
يبدأ بعض الأهل مع أطفالهم بنفقات أكبر من ذلك، ترسل تريشا جونز، وهي ربة منزل في نورفولك، ولاية فرجينيا، طفليها –وهما الآن في سن السادسة والثامنة- إلى مدرسة داخلية. وكل شهر، تجعلهما يجلسان بجانبها أثناء دفعها للمصاريف عبر الإنترنت، وتطلب منهما أن يضغطا على زر الدفع بنفسيهما. تقول: "نمزح معاً بأن ذهابهما إلى المدرسة يكلّف 92.50 دولاراً يومياً لكل منهما" مضيفة أنهما يعرفان أن هذه التكلفة اليومية تساوي ثمن مجموعة جميلة من ألعاب الليغو "لكن ذهابهما لمدرسة كالتي يرتادانها يعتبر امتيازاً، ونريدهما أن يعرفا أننا نقدم تضحيات لتحقيق ذلك".
كما تركز أسر أخرى على النفقات التي تتطلّبها اهتمامات أطفالهم خارج الدراسة. عندما رفع ستوديو الباليه المحليّ أسعاره بينما كان ارتباط ابنتها ذات الاثني عشر عاماً بالرقص يزداد، أرت ريبيكا ميلر غوغينز الفاتورة لابنتها.
اعتادت مختصة التمويل التي تعيش في نورث هامبتون، ماساتشوستس، أن تكون صريحة فيما يتعلق بالنقود وتركت لابنتها اختيار إما تقليل عدد دروس الباليه الأسبوعية أو خفض النفقات بطريقة أخرى. وفضلاً عن تقليل عدد الدروس، بدأت ابنتها بمجالسة الأطفال أكثر والمساهمة بالمال لشراء حذاء باليه.
جزء من اتخاذ القرار
وفي بيت عائلة آدامز في كولورادو، يحق للأطفال، وهم في سن العاشرة والحادية عشرة، الاعتراض على أي بند في الميزانية. وتراجع العائلة ميزانيتها يوم الأحد من كل أسبوع.
وقالت السيدة آدامز، وهي مديرة مشاريع في شركة مختصة بالتكنولوجيا "ستشعر بالحرمان إذا لم تكن جزءاً من عملية اتخاذ القرار." يشارك أطفالها الآن في إجراء المقايضات أيضاً. التخلي عن عشاء في المطعم الفيتنامي يعني أن يذهب مال أكثر لتمويل رحلة عالم ديزني.
أحد الأفكار التي اقترحها الأطفال أيضاً: بدلاً من الذهاب بعد العشاء إلى متجر كتب بارنز آند نوبلز، حيث تكثر إغراءات الإنفاق، يمكنهم الذهاب إلى المكتبة العامة.
المعلومات في متناول أيديهم
إذا كان طفلك يستخدم الإنترنت، سيدهشك قدر المعلومات التي يمكن أن يكون عرفها سلفاً عن وضع العائلة المالي. قم بكتاب عنوان بيتك في محرك بحث: هل ظهر السعر التقريبي لمنزلك ضمن النتائج؟ حدث هذا معي أيضاً. كما سيحدث عندما يقوم الأطفال بالبحث عناوينهم ويجدون تقديراً لقيمته من موقع زيلو. عندما يكتشف الطفل هذا، ستكون الخطوة القادمة أن يُدخل عناوين كل أصدقائه. يأتي بعد ذلك البحث عن معلومات مرتّبك. وإن لم يجده، قد يبحث وسط أشيائك عن عائداتك الضريبة، كما فعلت أنا عندما كنت متلصصاً صغيراً.
عند الوصول لهذه النقطة، تكون أنت معرضاً لمشكلة، فالمعلومات الخاصة بدخل عائلتك وقيمة منزلك خاصة بالكبار ولا يجب أن يعرفها أخد خارج العائلة. لكن إذا كنت لا تستطيع السيطرة على التوقيت الذي يعرف فيه أفراد عائلتك بعض هذه المعلومات، يجب على الأقل أن تعرّفهم على فكرة السرّية.
قد يسير الأمر كالتالي: نحن نثق بإعطائك هذه المعلومات لأننا نريدك أن تعرف أين يذهب دخلنا، ونتوقع منك نضجاً مماثلاً في التعامل مع المعلومات التي عرفتها وحدك.
s
ينطبق نفس المبدأ على المعلومات الطبية، أسرار الأصدقاء وغيرها من الشؤون الخاصة. تقول السيدو غوغينز، متخصصة التمويل من ماساتشوستس: "واجهنا مشكلات أخرى ناقشناها وكانت أموراً خاصة وسرية." فأخبرت هي وزوجها بنتيهما البالغتين من العمر 12 و14 سنة بما يجنيانه من المال. "لقد أثبتتا أنهما تستحقان أن تعرفا."
ومثل جميع الأطفال في المرحلة الابتدائية والإعدادية. لا يريد معظمهم أن يتم تمييزه عن أقرانه بامتلاك مال أكثر أو أقل من غيره، فيعمل الأطفال أكثر مما تتوقع على إبقاء هذه المعلومات سرية. لكن بالنسبة لبعض العائلات، هذه النصيحة فعّالة في مواقف مختارة فقط. تقوم السيدة آدامز، التي ألفت كتاباً بعنوان "محاربو القلب" عن إصابة ابنها بمرض في القلب، بحماية ابنها من الاطلاع على الفواتير الطبية. غالباً ما يشعر الأطفال المرضى بالذنب تجاه تعريض عائلاتهم للمصاعب.
سيصلون بأنفسهم
كما تلتزم العائلات التي تعاني مادياً بشكل عام، أو تتعرض لفترة مؤقتة من البطالة، بالتكتم على وضعها المادي أكثر من غيرها لأسباب بديهية. ومع ذلك، يلاحظ حتى أصغر الأطفال عندما تضيق ميزانية العائلة ويطالبون بمعرفة السبب.
ولا يساعدهم أن يتظاهر الأهل أن دخلهم لم يتأثر وأنه لا توجد مشكلة. تقول ساندرا سولنيك، أستاذ مساعد في علم الاقتصاد بجامعة فيرمونت، والتي قد كتبت مسبقاً عن موضوع المقارنة الاجتماعية "إذا لم تتحدث معهم، سيصلون إلى استنتاجات بأنفسهم." ستساعد في تخفيف قلق أطفالك بمصارحتهم بالواقع وكيفية تعاملك معه.
عندما انفصلت آندريا داتون عن زوجها وانتقلت مع ابنتها ذات السبع سنوات وابنها ذي الثلاث سنوات إلى منزل أصغر في غينزفيل، فلوريدا، تطرقت إلى الموضوع ببساطة. قالت "لا أعتذر لهم عما حدث، أريدهم أن يدركوا أن القرار الصحيح لا يكون سهلاً دائماً. من الأفضل أن يفهموا أنه يمكنك أن تفعل ما هو صائب وتنجو بنفسك من موقف صعب حتى إن كان ذلك في مقابل تكبد متاعب مادية."
خذ باعتبارك ما إن أردتم التقدم لحصول طفلكم على معونة مادية لارتياد الجامعة، لن يكون أمامك اختيار سوى مصارحة طفلك بوضعك المادي، وسيكون حينئذ طالباً في السنة الأخيرة من تعليمه الثانوي. لأن التقدم لطلب معونة مادية يتطلب ملء استمارة تسمى فافسا FAFSA تطرح أسئلة عن دخلك وممتلكاتك، ويجب أن يوقع عليها الأهل وكذلك الطالب نفسه، للشهادة على صحة المعلومات.
على الجانب الآخر، يمثل كشف وضعك المادي تحدياً خاصاً إذا كنت غنياً، قد تقلق أن يتباهى أطفالك بثروتهم أو يظنون أنهم غير مضطرين للعمل. لكن هذا لا يعفيك: إذا كنت لا تعمل (أو لا تعمل كثيراً) سيتساءل الأطفال الأكبر سناً كيف تتحمل العائلة نفقات معيشتها.
على أقل تقدير، يمكنك البدء بمقدمات مثل أن تحدث أطفالك عن تفاصيل تكلفة الذهاب في عطلة أو ثمن شراء منزل ثانٍ. اشرح لهم أيضاً أن العوائد والأرباح التي تساهم في مصاريف العائلة تمثّل قدراً كبيراً من المال، وأن الاستثمارات اللازمة لتوليد مثل هذه الأرباح قد لا تظل موجودة للجيل التالي إذا لم يبذلوا هم جهداً بأنفسهم في الجامعة وبعدها.
أموالنا.. وقيمنا
عند إدراك أن لحظة مصارحة الأهل لأطفالهم بمقدار دخلهم ستأتي حتماً، وإلا سيعرفون هم بطريقة أخرى، يصبح من الأفضل أن تعتبر لحظة الحقيقة تلك والسنوات التي ستؤدي إليها فرصاً للتعلّم. بالنسبة لنا ممن لديهم على الأقل مال أكثر قليلاً مما يحتاجونه لتدبير أمورهم، ما ننفقه يعبر عما نؤمن به، ما نقرر أن له قيمة يعكس قيمنا الخاصة.
ينطبق نفس الشيء على ما لا ننفقه كل شهر. كم نوّفر من المال؟ ولماذا يتغير قدره من شهر لآخر؟ من يقدم لنا المساعدة، ماذا نعطي لمن هم أقل حظاً، ولماذا لا نعطيهم أكثر؟ تستحيل إجابة الأطفال عن هذه الأسئلة باقتناع ووضوح إذا لم يكونوا ملمين بمقدار الرقم في بداية هذه المعادلة؟
عندما عاد السيد باركر لمنزله بحقيبة ممتلئة بالمال من بنك ويلز فارجو منذ عشرين عاماً، كان يتصرف بناءً على اندفاع خاص. يقول "أتذكر بوضوح أنني لم أعرف شيئاً عن المال عندما كنت صغيراً، وشعرت لاحقاً أن هذا كان عائقاً كبيراً، لم يكن لدي فكرة عما يتطلبه الاعتناء بعائلة."
وفي تلك الليلة، كان الدرس واضحاً: كانت حياة العائلة مكلفة. كل قرار يتخذونه بشأنها مهم. توفير المال والإيمان من على رأس الأولويات. ولا يبق الكثير من المال في آخر الشهر.
كبر ابنه دانيال الآن وهو أب لطفلين صغيرين. ينوي هو وزوجته مشاركة معلوماتهم المادية مع أطفالهم وهم يكبرون.
يقول دانيال عن والده: "لم يكن يقبل أن نشعر باستحقاق مبالغ فيه." لكن كان سكوت باركر واثقاً أن أطفاله سيحسنون التصرف بالمعلومات التي وضعها على طاولة منزلهم.
ويقول "لم يجعلني أقسم على السرية، لكن يمكنني القول إننا لم نواجه أبداً مشكلة بهذا الشأن. أعتقد أنه مهما كان حجم المخاطرة التي أخذها، فقدت آتت ثمارها."