غيوم في سماء المملكة العربية السعودية - 9
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
التوصيات :-
إن المملكة العربية السعودية من خلال مكانتها الدينية في العالم الإسلامي وبين كافة المسلمين تستطيع أن تكسب إحترام العالم بأسره. فهي موئل الحرمين الشريفين الكعبة المشرفة في مكة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى أن تكون قبلة المسلمين والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
كما أن المملكة العربية السعودية من خلال ثرواتها النفط والغاز واليورانيوم والذهب وما تختزنه صحراء الربع الخالي من إحتياطي لهذه الثروات التي لا تقدر بثمن وتشكل مخزوناً استراتيجياً هائلاً يكفي العالم لمائتي عام. وما تمثله من ثقل تجاري عالمي يضعها في مصاف الدول المتقدمة في العالم تستطيع من خلاله التأثير على العلاقات بين الأمم وبالذات بين الدول العظمى .
وبقدر ما تمثله هذه الثروات من مصادر للقوة فهي تحمل في ثناياها أخطارا وتهديدات إذا لم يحسن التعامل بها وإدارتها .
فالمملكة العربية السعودية عليها مسؤوليات عظام تجاه العالم العربي والعالم الإسلامي وهذه المسؤوليات تفرض عليها أن تكون قويه في ميادين السياسة وفي ميادين الحرب على حد سواء .
ولعل من أهم المسؤوليات المباشرة هي حماية الحدود السعودية وتحقيق حماية مشتركة لكل دول مجلس التعاون الخليجي حيث يمثل هذا المجلس أنجح تجربة عربية في التاريخ الحديث فلقد تم بتاريخ 25/5/1981 إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد أن وقع قادة كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت على النظام الأساسي لمجلس التعاون .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجلس التعاون الخليجي قد أنشىء كمنظمة تكاملية مغلقة إذ نصت المادة الخامسة من ميثاقه على أن مجلس التعاون لدول الخليج العربي يضم ست دول شارك ممثلوها في إجتماع وزراء الخارجية المنعقد في الرياض بتاريخ 4/2/1981وإن المبادىء التي أقيم عليها لا تقبل انضمام جمهورية اليمن العربية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فحسب بل وكذلك العراق الذي يعود جغرافيا إلى منطقة الخليج العربي
وما أود أن أشير إليه هنا أن أهداف المجلس لم تضع في حسابها الجانب العسكري ولم تتطرق إلى الأمن الإقليمي في بدايات التأسيس ولتوضيح ما أشير إليه لا بد لنا من إستعراض أهداف المجلس:
1: تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها .
2: تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات .
3: وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون التالية :
أ. الشؤون الإقتصادية
ب. الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات
ج. الشؤون التعليمية والثقافية .
د. الشؤون الإجتماعية والصحية .
ه. الشؤون الإعلامية والسياحية .
و. الشؤون التشريعية والإدارية .
4: دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة –التعدين– الزراعة والثروة المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة.
ولكن الجانب العسكري ما لبث أن طغى على سطح الأحداث بدءا بالحرب العراقية الإيرانية. ففي الإجتماع الأول لرؤساء أركان دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض بتاريخ 21/9/1981 وبناء على طلب من المجلس الوزاري فلقد تم رفع عدد من التوصيات من أجل تعزيز التعاون العسكري بين دول المجلس.
وبتاريخ 10/11/1981 اطلع المجلس الأعلى على توصيات رؤساء الأركان وكلفوا أصحاب المعالي وزراء الدفاع بالإجتماع لمناقشتها حيث قام وزراء الدفاع أثناء إجتماعهم في الرياض بتاريخ 25/1/1982 بالإطلاع على هذه التوصيات والموافقة عليها وإقرارها. وبتاريخ 10/10/1982 صدر قرار بإنشاء قوة درع الجزيرة ولقد مرت هذه القوة بعدة مراحل من أجل تطوير قوتها وتحديث إمكاناتها القتالية وجرت في شهر تشرين الأول عام 1983 أول مناورات عسكرية مشتركة لكافة دول المجلس على أراضي الإمارات العربية المتحدة والتي أصبحت تقام فيما بعد بشكل دوري منتظم وفي شهر شباط عام 1984وأثناء إجتماع وزراء الدفاع في الدوحة تم طُرح مسألة صياغة استراتيجية دفاعية موحدة.
كما تجدر الإشارة هنا أن وزراء الداخلية العرب في إجتماعهم في شهر شباط عام 1982 في الرياض قد قاموا بصياغة أحد الجوانب الهامة من مبادىء الأمن الإقليمي والمتمثل بأن أمن الخليج غير قابل للإنقسام فالعدوان على إحدى الدول الأعضاء يعتبر عدوانا على كافة دول المجلس إذ أن هذه الدول جميعا تتحمل المسؤولية المشتركة في صد العدوان الموجه ضد أي عضو في مجلس التعاون.
ولقد جرت عدة محاولات لبحث اقتراح تقدمت به سلطنة عمان في شهر تشرين الأول عام 1991 بخصوص تحويل قوات درع الجزيرة إلى بنية مستقلة عن الجيوش الوطنية وبقيادة مستقلة يتم تشكيلها على أساس من أعضاء القيادات العسكرية لجيوش الدول الأعضاء وتقرر ألا يتجاوز عدد أفراد هذه القوات 100 ألف عسكري. واعتبرت مساعدة القوات المسلحة الوطنية هدفا أساسيا لقوات درع الجزيرة ولكن هذا الإقتراح لم يحصل على المصادقة المطلوبة .
وتمت العودة إلى هذه المسألة في كانون الأول عام 1994 خلال قمة مجلس التعاون الخليجي الخامسة عشر المنعقدة في المنامة حيث طرحت من جديد مهمة الدفاع المشترك للدول الأعضاء وتم التأكيد على ضرورة بناء القوات المسلحة الوطنية استنادا لإستراتيجية موحدة للمجلس. وقد بدأ تنشيط تطوير قوات درع الجزيرة كضرورة قصوى بحيث تصبح أداة فعالة لقوات التحرك السريع.
وفي شهر كانون الأول عام 2000 صادقت قمة مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في البحرين على اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون التي أكدت على العديد من مرتكزات التعاون الخليجي العسكري والأمني والدفاع عن أمنها وسيادتها بصورة جماعية. وفي عام 2001 قامت دول مجلس التعاون بإنشاء المجلس الأعلى للدفاع بعقد إجتماعات استشارية حيث تم في عام 2002 قرار قمة المنامة القاضي بزيادة عدد أفراد قوات درع الجزيرة.
في عام 2003 قرر وزراء الدفاع والخارجية لدول مجلس التعاون في إجتماع عقدوه في جدة نقل قوات درع الجزيرة إلى الكويت أثناء حرب العراق بناء على طلب الكويت، وجاءت الخطوة الثانية لتعميق التعاون في الميدان العسكري من خلال صياغة الإستراتيجية الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون خلال القمة الثلاثين المنعقدة في الكويت بتاريخ 15/12/2009 حيث تم الإعلان عن سعي الدول الأعضاء إلى تحقيق التكامل الدفاعي. وقد نصت الإستراتيجية الدفاعية المشتركة على إنشاء قوى مشتركة للتحرك السريع مؤلفة من 22 ألف عسكري بما في ذلك وحدات جوية وبحرية من أجل صد العدوان ضد أي دولة من الدول الأعضاء في المجلس. عندما شكلت في قوامه وحدة قوات التدخل السريع وفي عام 2012 وصل تعداد هذه القوات إلى 40 ألف عسكري ولا بد أن تبلغ هذه القوات 100 ألف عسكري خلال عامين.
بعد انتهاء أزمة إحتلال الكويت برزت الحاجة الماسة إلى شريك استراتيجي قوي من أجل دعم الأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي وتمثل هذا الشريك في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وقامت دول الخليج بتوقيع اتفاقات دفاعية ثنائية وأصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيس للأسلحة والمعدات العسكرية من أجل ضمان الأمن الإقليمي. وعلى سبيل المثال فلقد أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رحمه الله عام 2011 خلال اللقاء الأول لندوة التعاون الإستراتيجي بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة المنعقدة في الرياض أن دول مجلس التعاون قد اتخذت قرارا بتشكيل لجنة مشتركة لقضايا الأمن الإقليمي تضم ممثلين عن دول المجلس والولايات المتحدة وأشار إلى أن أهم مسألة في جدول أعمال هذه اللجنة تكمن في إنشاء درع صاروخي لحماية المنطقة ومن المقرر إنجاز هذا المشروع قبل نهاية عام 2012.
وفي عام 2011 وخلال فترة الإحتجاجات الشيعية طلبت حكومة مملكة البحرين الإستعانة بقوات درع الجزيرة وذلك من أجل تأمين المنشآت الإستراتيجية.
بتاريخ 14/7/2015 بدأت عملية السهم الذهبي ضمن مراحل عمليات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية استهدفت تحرير محافظة عدن والمديريات التابعة لها بجنوب اليمن من سيطرة الحوثيين وحلفائهم ولقد مهدت هذه العملية الطريق أمام عودة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن كمحور إرتكاز لبسط سلطتها الشرعية وهو ما يمثل هدفا رئيسا للتحالف.
بتاريخ 25/3/2015 بدأ تنفيذ ضربات جوية على الحوثيين تحت مسمى (عملية عاصفة الحزم) استجابة لطلب من رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي بسبب هجوم الحوثيين على العاصمة المؤقتة عدن ولقد شاركت في العمليات طائرات مقاتلة بالإضافة إلى دول مجلس التعاون كل من مصر والمغرب والأردن والسودان وفتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للإئتلاف لإستخدامها في العمليات وقدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للعمليات ونشرت بريطانيا والولايات المتحدة أفرادا عسكريين في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية بقيادة السعودية. وبتاريخ 21/4/2015 أعلنت قيادة العملية عن توقف عملية عاصفة الحزم لتحل محلها عملية إعادة الأمل بعد أن أعلنت وزارة الدفع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكل تهديدا لأمن السعودية والدول المجاورة وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين والقوات الموالية لصالح.
بتاريخ 26/2/2016 بدأت مناورات رعد الشمال العسكرية ولمدة أسبوعين على أرض المملكة العربية السعودية بمشاركة 20 دولة هي السعودية مصر تركيا الباكستان ماليزيا الإمارات العربية الكويت البحرين قطر عمان الأردن تونس المغرب موريتانيا جيبوتي السنغال تشاد جزر القمر المالديف وهذه المناورات لم تأخذ أهميتها الإعلامية علما بأنها ألأولى من نوعها والأقوى عددا وعدة فلقد شارك في هذه المناورات 20 ألف دبابة و2540 طائرة مقاتلة و460 طائرة مروحية ومئات السفن و350 ألف جندي. وتهدف المناورات إلى تبادل الكفاءات الفنية والقتالية ورفع مستوى التنسيق الإستراتيجي المتمثل في تحميل ونقل القوات المشاركة من مناطق تجمعها إلى موانىء التحميل والنزول وتطبيق المهام القتالية والمهام المشتركة بكفاءة عالية ومهارة ميدانية فائقة في مواجهة الأخطار والتهديدات التي تستهدف أمن واسقرار المنطقة.
* الكاتب باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي