jo24_banner
jo24_banner

احتفى "الرواد الكبار " برواية العين الزجاجية

احتفى الرواد الكبار  برواية العين الزجاجية
جو 24 :

احتفى منتدى الرواد الكبار مساء الثلاثاء برواية “العين الزجاجية"، الصادرة مؤخرا عن دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان، بمشاركة د.زياد أبو لبن ناقدا، كما قدم د.سليمان الأزرعي شهادة نقدية حول الرواية، في الندوة التي ادارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، واستهلت بكلمة رئيسة المنتدى هيفاء البشير، كما قدمت صاحبة رواية "العين الزجاجية" شهادة عن روايتها.

كلمة هيفاء البشير
أصحاب السعادة والعطوفة
السيدات والسادة
أيها الحضور الكريم
مساءً مليئاً بالفرح والسعادة لهذا الحضور النوعي، بهذه المناسبة الطيبة، حيث نحتفي جميعاً بتوقيع رواية "العين الزجاجية"، لمبدعتنا الصديقة سحر ملص،هذه الأديبة التي تجمع في انتاجها الإبداعي بين الرواية والقصة القصيرة، وقصص الأطفال، إضافة إلى دراسات علمية حول الصيدلة والدواء، فهي صيدلانية محترفة، وأديبة مهمة في نفس الوقت.
السيدات والسادة:
الحضور الكريم:
ونحن في منتدى الرواد الكبار، وإذ نخصّص نشاطنا هذه الليلة لزميلة مبدعة، فإننا لاننسى الترحيب بضيوفنا الدارسين، وبخاصة الناقِدين المعروفين الأستاذ زياد أبو لبن، والدكتور سليمان الأزرعي اللذين سيغنياننا هذه الليلة بالحديث عن رواية "العين الزجاجية"، عبر إبرازٍ لأهم القضايا الإبداعية والنقدية التي جاءت في الرواية، فلهما الشكر موصول على جهدهما الذي نعتز به.
الحضور الكريم:
وأحب مرة أخرى، أن أؤكد لكم حرصنا في المنتدى، على تنويع أنشطتنا لتغطي إضافة إلى الجانب الثقافي، جوانب أخرى اجتماعية، وصحية، ولياقة بدنية، ولاننسى طبعاً المعارض التشكيلية، بهدف تقديم تنوع ثقافي وانساني، يغنينا جميعاً، ويحافظ على خصوصية المنتدى وعلى تنوع أنشطته.
وفي الختام، وإذ أؤكد فرحي وترحيبي بالجميع، فإنني أتمنى للصديقة سحر ملص، المزيد من العطاء والتمييز، ولكم ولكن جميعاً أطيب الأمنيات بأمسية ثقافية رائقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زياد أبولبن: رواية "العين الزجاجية" قراءة من منظور جديد
تتحدد معالم الرواية منذ الصفحات الأولى، حيث أن الكاتبة سحر ملص تعمل على توجيه القارئ نحو محددات الرواية من خلال الزمان المفصح عنه في أول صفحة من بدء الرواية، وأيضاً من خلال المكان، فزمن الرواية لم يحدد بوقت وإنما ترك دون تحديد "الزمان: أمس.. اليوم.. أو الغد.. أو بعد عمر سحيق.. ومضة ضوء في قلب زجاجة.. ماذا يضير؟" ص7، أي ليس المهم تحديد إطار زمن، وهو الزمن الخارجي للرواية، في حين حُدد المكان "مستشفى العيون" كتحديد جزئي لا ينفتح على سعة المكان الكلي.
ولا ينشغل كثيراً القارئ في تحديد الزمان والمكان الخارجيين، وإنما الزمن السردي هو الذي يدفعه اتجاه التطور السريع في رصد الحدث، والحدث يقوم على بداية ونهاية مغلقة، فالبداية تتحدد بإجراء عملية في العين لزرع عين زجاجية، وهذا ما ينكشف عنه عنوان الرواية "العين الزجاجية"، والنهاية فشل العملية وحدوث خلل طبي يودي بحياة الشخصية الرئيسية (الرواي العليم)، وعندها نكتشف أن أحداث الرواية ترتبط تماماً بالمصير نفسه.
وأثناء تطور الأحداث وتسارعها ننشغل في تحديد الزمن الداخلي، وذلك من خلال الاسترجاع والاستباق الذي يكشف عن فضاء الرواية، فالعودة إلى دمشق وحواريها يأخذ نصف صفحات الرواية تقريباً (من صفحة 1-72)، في حين عمان وجبالها تشغل النص الثاني من الرواية (من صفحة 73- 159)، وكأنّ المكان انقسم إلى قسمين بيّنين، في حين الزمن قد تشظى (أقصد الزمن الداخلي).
تسعى الرواية للسير في سرد متقطع لا ينتظمه خط سردي واحد، وإنما تتوالد الأحداث بشكل متشعب، كي تسعى الرواية إلى تحطيم الزمن وتكسير السرد النمطي، لتنهض الرواية وفق منظورها الخاص، لذلك تعالج موضوعاً إنسانياً في نسيج علاقاته الاجتماعية المرتبطة بالمكان، فهي رواية تعمل على تشخيص عوالم المجتمع وقضاياه، فهي رواية تخلق واقعاً "خيالياً" لكن هذا الخيال له مقومات الواقع الحقيقي، وهذا ما نتبينه من خلال الخط الأسود الغامق في الرواية، والذي حدد بقوسين معقوفين، فتتوالد الأحداث ويتداخل معها سرد متقطّع، كي يتشابك الحدث الخارجي مع الحدث الداخلي، هناك عملية جراحية في مستشفى العيون تتحدد من بدء الرواية تحديداً خارجياً ينهض بالرواية نحو حدث داخلي ينحصر في ذكريات الطفولة في دمشق وحواريها، وينفلت في ذكريات عمان إلى مرحلة الشباب الذي ينتهي بالموت، وقد ارتبط الموت بالمأساة الإنسانية التي آلت إليها هناء (لسان حال الراوي العليم) بعدما فقدت الجدة التي كانت الرئة التي تتنفس منها هناء في حواري دمشق، ثم فقدت أختها، ثم أبيها، ثم أبيها، والفقد الأكبر كان لخطيبها التي انتظرت عودته بعد معركة "الكرامة"، فقد استشهد في تلك المعركة.
قامت الرواية على دمج الواقع التريخي بالمتخيل الروائي، حيث تشغل الرواية مساحة واسعة من الخيال الذي يقوم على مفهوم الخرافة لشعبية، فأخبار الماضي في الرواية تفرغ في شكل خرافي، كي تمحو الحدود والفواصل لينتفي بذلك التاريخ الحقيقي، وتميل الرواية لبناء عالمها الخاص أو الذاتي رغم حفاظها على بعض علامات التاريخ، نلحط نسيج الخرافة الشعبية يبرز في النصف الأول من الرواية، أي في دمشق وحواريها، ولعل هذا مرتبط بمرحلة الطفولة التي عاشتها هناء (الرواي العليم)، ومثال ذلك شخصية "عبد الفتاح" التي يصل حدّ الجنون، بعد أن سرق أخوه "الذهبات" التي اكتنزها عبد الفتاح في سنوات عمره، ليهرب أخوه إلى عمان ويُنشئ معمل بلاط: "كانت الأغنام تقطع سكة الحديد.. عندما أسرع وراءها وراح يصيح على الراعي: كرمال الله شربة ميّ. نظر إليه الراعي تأمله ملياً ثم أعطاه قربة ماء..
- عندك قرون تيس؟
- لماذا تريدها.
- لأني مريض وأخبرني أحدهم إن غليتها وشربت ماءها شفيت.
- ألا تخشى أت تصير تيساً صاح الراعي ثم ضحك وأسرع يخرج له من خرج الحمار قرني تيس سلمها له وعاود السير.
- الحمد لله اللي ما عرف ليش بدي إياها.. بس لازم لاقي العلامة..." ص32.
ومثال آخر اختفاء "أمونة" وجنون أمها، أمونة الفتاة الفاتنة بجسدها وهي تستحم مع الفتيات في أحد حمامات دمشق العتيقة، وقد اختطفها المارد الجني الذي أرسله الملك الأزرق. ومثال ثالث بركات الجدة التي تشفي النسوة اللواتي يجف حليبهن ويمتنع الأطفال عن الرضاعة، وأكثر تلك الفتاة البكر غير المتزوجة التي أرضعت الطفل من حليبها، وقد كانت هذه الحادثة اختبار لقدرات الجدة الطاهرة. ومثال رابع حديث هناء مع جدتها عن الجان الذي يسكن البئر، وأصص الزرع المسكون بالجان. ومثال خامس أم أحمد التي تسعى للحصول على ماء البئر لتسقي ابنها أحمد كي يشفى من مرضه. ومثال سادس أم هناء لحظة مجيئ مخاضها، فقد استعانت بثوب أخيها الرجل الصالح، الذي نذر نفسه لله ولم يتزوج وانقطع لعبادة الرحمن. وهناك صور خرافية تتوزع الجزء الأول من الرواية في خيالات طفلة، حدّ أن هذا الجزء كاد أن يتحول لرواية خرافية، رغم اللحظات التاريخية التي تمثلت في معركة ميسلون من خلال شخصية يوسف العظمة، والانتهاء بالاحتلال الفرنسي بقيادة "غورو".
تُجزّأ الرواية إلى 23 رقماً مكتوباً، في حين أخذت بعض الأرقام عناوين فرعية داخل الرواية، لمحاولة إلغاء سطوة العنوان الرئيسي، لينفتح النص على عوالم أكثر خصوصية، ومن هذه العناوين : دمشق 1952، أمّونة، عمان 1957، معركة الكرامة، مدينة الحجاج 1979.
تبقى رواية "العين الزجاجية" لسحر ملص رواية تمزج الواقعي بالخرافي، والتاريخي بالواقعي، في محاولة محو الحدود والفواصل كي تؤسس عالماً ينتفي فيه التاريخ كحقيقة. وهي من الروايات اللافة للنظر في التي ظهرت في السنتين الأخيرتين.

شهادة سحر ملص: العين الزجاجية
طاب مساؤكم ومعكم يطيب اللقاء...
أرحب بكم جميعاً وأبدأ لقائي بمقولة ابراهيم ابن أدهم (الحُرُّ من خرج من الدنيا قبل أن يُخرّج منها).
هاأنذا أضع بين يديكم روايتي "العين الزجاجية" وهي العين المحايدة التي تنظر إلى الدنيا بمنظار آخر محايد، تلك العين التي كانت يوماً نابضة عاشت دقائق الحياة.. لحظاتها.. ورعشاتها ومن ثم في اللحظة التي كان عليها أن تسكن للأبد وتتحول إلى تجويفٍ حجري يشبه كهفاً من كهوف الحجرية، تسترجع ومضات الإيقاع اليومي لحظاتها ووعيها استناداً لقول الإمام علي " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " لتسرد في دقائقها الأخيرة مابين لحظة الدخول إلى غرفة العمليات وحتى موتها البيولوجي ماشاهدته في حياتها وقد وقفت شاهدة على حياة طفلة كانت في عمر الورود حين عانقت دمشق في سديمها الموغل في العمق... في سنوات الخمسينات وقد عاشت في بيت الجدة ذاك البيت الموسوم بنقوش الحياة... العابق من بِداغة الأسرار والماورائيات تحت شجرة النارنج والياسمين، وقرب بئر الساكونة، هناك عاشت الطفلة مع جدتها الطيبة تنهل من العلم بعدما تركتها أمها التي كانت تريد لروحها أن تتعتق في ذاك البيت العريق، لتسكب الجدة في وعيها من عيون الشام وأسرارها... من بيوتها وحاراتها العتيقة، من بركة أوليائها... وزركشة حمامها... حيث روح الجدّ التي لم تغادر الدار أبداً وقد عتّقه وعفرته بتراب ميسلون... ملأت جراره وفخاره بتراب الشهداء المدافعين عن سوريا أمام الاستعمار الفرنسي.
هناك تفتق وعي الطفلة... ونهلت من البركات... وشهدت تدفق الحليب من ثدي عذراء فاض حليبها بفضل بركات الجدة، وتعلقت بثياب شيوخ المولوية الذي كانت تتصعد أرواحهم متعلقين بحبال العرش... قارعين بتسابيحهم بوابات السماء وقد داسوا بأقدامهم قشيب الحياة.
من هناك حلّقت الطفلة بقلبها الراعش عابرة سكة القطار لتشهد جنون العم الذي فقدعقله خلف ماله بعدما أغوته الدنيا... رقصت له ثم مضت تسحل العقل على سكة القطار وفي عمان تواجه الطفلة قسوة الموت في بيت عمّاني لأختها الصغيرة، حيث عمان القديمة بسيلها... وجبالها... صقيعها.. وصبرها.. فتقرع بوابة المدرسة لتحصد قمحاً.
ومن ثم تتوقف الطفلة، تخطو عبر جسر الوعي فإذا هي فتاة ناضجة، تصلصل بوابة المدرسة بوجهها مغلقة مزلاجها بقرار قسري من الأب، فتتحول إلى إدريس أخر يحمل إبرة يرثو بها ثياب الناس فيقهر الناس الثياب أجساداً ونفوساً ممزقة لاترنوها مسلاّت العمر حين يطرق الحب بابها تنهض كرامة الذود عن الوطن فتفتح الأرض صدرها للشهداء تتشهى أجسادهم وتتوق لإرواء عطش الدحنون في الغور لدمائهم فسيستشهد الخاطب... وترجع الصبية لوحدتها.
تختنق في أعماقها وتنسكب خلال الحياة.. فتعتنق المعاني في دنانها ويعيد لمفردات الحياة من حب وكره... غدر ووفاء معنى آخر...
يحولها لنا سكة صغيرة وصوفية باكية تسلك الدرب إلى الحج مع أبويها هناك تتماهى الشخصيات مع رموز الأنبياء والقداسة، فإذا الأم هاجر والأب ابراهيم والطفلة اسماعيل لتنسج الحياة شرنقة أخرى للوعي تضرب جذورها في عمق التاريخ وتمتح من عقيق الأديان لتصنع لؤلؤاً في محارة القلب منسوجاً من شباك الحياة.
وتتكثف معاني الحياة... ويضق الزمن مابين الأم والتي تتحول إلى شبه معقدة والبنت التي يصيبها العمى... لتقف أمام حقيقة أخرى تمثل مدى التمام الروح المقعدة البصيرة في الجسد الأعمى المتحرك يربط بينهما حبل سري يعيد العلاقة مابينهما... وحين يصيح الإنسان محاصراً بقيود الجسد تشرأب الروح وتستطلع الآفاق ليعبر إلى رحاب سماء واسعة متنكرة لكل أركان الحياة من مال وحب وزواج وعلاقات فإذا هي وحيدة آنذاك لايبقى أمام الإنسان سوى جسر خشبي هش يعبره في طقس الموت فإذا هو في عالم رهيب وكأنه جنين رفض الخروج من الرحم ليفاجأ برحابة أفق الحياة لتدهشه شموسها الساطعة هذه هي العين الزجاجية خلاصة نظرة طفلة رواياتي التي أعارتني إيهابها فتذثرت به وحلّقت مابين ولادة وموت... دم ميسلون ونهر الكرامة... بوابة دمشق وجبال عمان وإذا بنقوش الحياة تكتب قصة واحدة وان اختلفت أشكال السيناريو بين البشر فهل تُراني وُفقت في قرع طبول وعيكم ؟ وعبرت بكم سكة الحياة إلى فضاء واسع.
استميحكم عذراً لأني تنكرت في ثياب بطلة روايتي لأقول رأي في الحياة التي شاهدتها وعشتها بعدما خضت خضم تجاربها وقد تفحصتها برؤية حكيمة...
لكم أن تتبعوني... أو تهجروني... ترجموني بحجارة قاسيون أو أحجار بحيرة الملح اليابسة... ولكن قبل ذلك أخبروني بالله عليكم بماذا عبأتم جيوبكم لتعبروا نهر الحياة.
وأية جمارٍ تتلظى في أعماقكم بحثاً عن الحقيقة... بأي ماءٍ من ينبوع الحياة ملأتم جرار وعيكم.. هل تعمدتم بشلالات العذاب... ؟ هل قرأتم وجوهكم في مرايا الزمن.... ؟ هل عبرتم النهر مثقلين بأحجار الصمت والتأمل ؟ على أي وجه صفحة من صفحات الزمان ستصنعوا طابون أرغفة أيامكم...
أتمنى لكم طيب العيش... ورغد الحياة لكن اصنعوا لكم منارة رؤيا للأيام القادمة.... انسجوا لبناتها من خيوط اللحظات.... ولايوجعكم وخز إبر الزمان فهي مثاقب في صخور الحكمة لتضيء حياتكم المقبلة لتعبروا مطهرين من الذنوب إلى أرض السلام وواحة العتق.
د.سليمان الأزرعي: عن "العين الزجاجية"

الأوساط الثقافية الأردنية عرفت سحر ملص ككاتبة بامتياز لإضافة إلى مساهماتها الكتابية في المكان وكذلك بعض انجازاتها الكتابية في مجال الكتابة العلمية ، وأهمها الكتابة في مجال العقاقير والنباتات الطبية وذلك بحكم اختصاصها كصيدلانية - حسب علمي .لكن صورتها الأبرز في مجال الكتابة هي بالتحديد في القصة فقد أصدرت الكاتبة إحدى عشرة مجموعة قصصية بدأتها بمجموعتها ( شقائق النعمان -1989 ) وآخرها (الفء -2012 ) .
نحن أمام أول عمل روائي للكاتبة بعد إحدى عشرة مجموعة قصصية ... نحن مع هذا العمل أمام قاصة محترفة تقتحم عالم الرواية لأول مرة ولقد تجلى هذا البعد ( القصصي ) في هذه الرواية من خلال لجوء الكاتبة الى اعتماد اللوحات شبه القصصية لإنجاز عملها الروائي ، حيث جاءت الرواية في ثلاث وعشرين لوحة حمل بعضها عنوانا وغالبيتها أرقاماً متسلسلة .
( لوحة الكرامة ) تكاد تكون تقريرا عسكريا يتضمن عدد الشهداء والخسائر المادية للعدد وهي لوحة غزلية بتلك المآثر الخالدة التي سطرها الجندي الأردني والمقاومة الشعبية أكثر من كونها لوحة سردية ترفد السياق الروائي وتدعم بنيانه .
صفـــ36ــــحة تتمطى دمشق تنفث ياسمينها ... تفتح أبواب بيوتها ليخرج الناس إلى أعمالهم ... ساحة المرجة ... هدير العربات التي تجرها الأحصنة وصوت الترامواي والسكة الحديدية التي تتعرج في المدينة تشبه رسوم الأطفال .. سوق الهال .. رائحة الشمام الممتزجة برائحة التين والنعناع وكأن الشام بكل خصوبتها وأنهارها السبعة وغوطتها تجود في موسم الصيف ، بفواكه كأنها أتية من الجنة .. هل هذه اللغة الأدبية التعبيرية الراقية عائدة إلى عبقرية المكان وقدرته على الإلهام أم هي عائدة إلى مهارة حرفية خاصة بالمبدع ؟؟ أم أن هذين العنصرين تشاركا بشكل غط مع حساسية المبدع وتنامي عنايته وتعامله مع المكان .
أشير إلى عنصر فني حاسم في تحقيق هذا النجاح الروائي ، وهو الأسلوب السردي القائم على انتخاب اسلوب المراوحة بالبطلة مابين الهذيان واليقظة .. فقد تأتي الهذيان من شدة الوقوع في المرض تارة وتارة أخرى من تأثير البنج استعداداً لعملية اقتلاع العين التالفة واستبدالها بعين زجاجية انتهت بالرواية الى الوفاة حيث تم اقفال الرواية ... ان هذا التكنيك قد حقق للرواية كل سبل التجاوز فقد تداخل الأسطوري بالواقعي الموهوم القادم في الأصل من الثقافة الشعبية والوهم الخرافي حتى باتت مخرجات هذا التداخل جزءاً لايتجزأ من البنيان الروائي .. وأكثر من ذلك فقد بات الواقع اسطورياً والأسطورة واقعاً .. ولم يعد ثمة فاصل بين الواقع والأسطورة ، أي بين مادة الواقع ومادة الهذيان ولقد كان لهذا الأنتخاب الفني الشجاع نتائج حاسمة في تفوق الرواية ونجاحها .
هذه هي الرواية الأولى ، القاصة أصدرت إحدى عشر مجموعة قصصية ولابد من ظهور آثار مرجعياتها الإبداعية في هذا الجنس الأدبي ... وأرى أن العمل الروائي القادم – بالتأكيد – سيكون أكثر نضجاً وأكثر تحرراً من التبعيات والماقبليات .... وسيكون عملاً روائياً مستقلاً بكل مافي الكلمة من معنى .

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير