تقسيم وتضامن ونصر واعتراف
يشكل شهر تشرين الثاني نذير شؤم على الشعب الفلسطيني؛ ففي الثاني من الشهر أصدر وزير خارجية بريطانيا رائدة الدول الاستعمارية وعده المشؤوم، بل جريمة بحق الشعب الفلسطيني الذي منح بموجبه الحق والدعم لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
وفي التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 والمعروف باسم قرار التقسيم الذي منح لليهود 55٪ من مساحة فلسطين التاريخية، الذي مهدّ ومكن للعصابات الصهيونية من اغتصاب فلسطين دون وجه حق، وبلغ الحد بالعصابات إلى اغتصاب 78٪ من مساحة فلسطين، أي بزيادة حوالي 40٪ مما منحهم إياه القرار الدولي الظالم المشتد إلى ميزان القوة العسكرية.
أما هذا العام فإننا نحتفي بهذه الذكرى التي نشهد بها انجازين سيكون لهما تأثير كبير في مسار القضية الفلسطينية:
الأول: النصر العسكري الذي أنجزته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والذي مُنيَ العدد الصهيوني بهزيمة نكراء، بعد أن دكت صواريخ المقاومة الفلسطينية «العمق الإسرائيلي» ملحقاً الرعب والهلع والذل بكيان آمن على مرّ العقود الماضية إن سياسته العدوانية ما هي إلا نزهة، معيداً في نفس الوقت الاعتبار والثقة للشعب بقدرته على المقاومة وإحراز النصر في حال توفرت الإرادة بالحد الأدنى من السلاح، وعلى القيادة الفلسطينية تحديات بعد الاعتراف الدولي يتمثل في:
- إنهاء الانقسام الجغرافي والسياسي، والتوافق على برنامج عمل وطني للمرحلة القادمة، وما يتطلبه ذلك من تعزيز ميزات القوى لصالح الحق الفلسطيني.
- عدم إسقاط أي من أشكال المقاومة إلى حين تحرير ما أمكن من أراض فلسطينية محتلة، فالكيان الصهيوني لا يمكن أن يتنازل عن احتلاله دون وجود قوة ترغمه على ذلك، وما التنكر لالتزاماته بموجب اتفاق أوسلو الذي ينص على إقامة الدولة الفلسطينية في ايار 1999 إلا خير شاهد على فلسفة سياساته.
- العمل ضمن الأمم المتحدة لنزع اعتراف العضوية الكاملة لفلسطين، مشتدين إلى قرار التقسيم، وإلى قرار مجلس الأمن الذي اعترف بموجبه بعضوية «إسرائيل» بالأمم المتحدة. فذلك القرار اعترف بشق من قرار التقسيم، وتخلف عن دعم الشق الثاني التمثل بإقامة الدولة الفلسطينية.
- التسلح بإرادة قوية لمحاكمة قادة «إسرائيل» كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية، وللضغط من أجل تطبيق القرار الدولي الخاص بجدار الفصل وقضم الأراضي، وعدم الاستجابة لأي شكل من أشكال الضغط الخارجي، وهذا يتطلب جبهة داخلية موحدة في وجه الكيان الصهيوني وحلفائه.
- العمل على عزل الكيان الصهيوني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حال استمرار «إسرائيل» في ضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية، التي تنص على إنهاء الاحتلال وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى وطنهم وأراضيهم التي طردوا منها عنوة عام 1948.
- العمل على إعادة اللحمة والوحدة السياسية بين الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وفي الشتات.
بهذا يمكننا أن نبدأ بتحويل شهر تشرين الثاني من شهر انتكاسات وهزائم إلى شهر إنجازات ونصر وتحرير بإذن الله.
الثاني: الدعم الدولي للاعتاف بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب (حيث المتوقع أن يكون قد تم التصويت أمس)، وأن هذه الخطوة التي تشكل إنجازاً سياسياً ومعنوياً، واعترافاً من معظم دول العالم بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة علي حدود 1967؛ أي الضفة الغربية وقطاع غزة «كحد أدنى لإنصاف الشعب الفلسطيني، على طريق إقامة وطنه على كامل التراب الفلسطيني».
إن هذه الخطوة في حال عدم رضوخ القيادة الفلسطينية كما هو بين، ستؤدي إلى تقديم ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ لمحاكمتهم على ما اقترفت أيديهم من مجازر وجرائم بحق الشعب الفلسطيني، منذ مجزرة دير ياسين وحتى جرائم الحرب المرتكبة إبان العدوان الغاشم على غزة عام 2008، وعلى استمرار ارتكابه العقوبات الجماعية المتمثلة في الحصار الذي يصنف تحت عنوان: «جرائم حرب، عدا عن استعماله الأسلحة المحرمة دولياً».
وعلى الجانب الآخر، فإنني أدعو القيادة الفلسطينية المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، والفصائل المقاومة خارج إطار منظمة التحرير حتى الآن، إلى الوعي واليقظة؛ حتى لا يتم إعطاء الشرعية لإسقاط قرار التقسيم الظالم رقم 181 واستبدال القرار الجديد به، فالمنطق يقول إن القرار يجب أن يتضمن بنداً بأن هذه الحدود هي حدود 1967 ما هي إلا خطوة على طريق إقامة الدولة وفقاً لقرار 181؛ أي على 45٪ من مساحة فلسطينية التاريخية على الرغم من إجحافه.
(السبيل )