مدلولات ومعاني السياسة الخارجية
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
إن موضوع السياسة الخارجية لم يستطع أن يحتل مكانته الحقيقية بين الدراسات السياسية العلمية المقارنة لأن معظم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد اقتصرت على التحليل الوصفي للمؤسسات والعمليات السياسية داخل كل دولة. كما أن دراسة العلاقات الدولية انصبت على صلات الدول بعضها ببعض وتناولت توازن القوى بين مختلف الدول وخلافاتها العقائدية وتسوية منازعاتها بالمعاهدات أو في نطاق المنظمات الدولية. فظلت السياسة الخارجية وهي أهم وجه من وجوه العلاقات الدولية لا مكان لها في هذه الدراسات.
في بداية عام 1960 أخذت الدراسات المقارنة لكيفية التخطيط وإعداد كل دولة لسياستها الخارجية والدراسة المقارنة للسياسات الخارجية لمختلف الدول تشق طريقها إلى حيز الوجود. فأخذنا نسمع بالأنظمة السياسية المختلفة وخصائص هذه الأنظمة في سياق النظام السياسي للدولة في ظل التوازن الفعلي للقوى الدولية. وتناولت هذه الدراسات كلا من العلاقات الدولية والدراسة المقارنة للحكم والتاريخ الدبلوماسي بالبحث والتمحيص. وأخذت دراسة السياسة الخارجية تتناول القوى الإجتماعية والعمليات السياسية والمواقف والتطلعات والنماذج المختلفة التي يمتاز بها السلوك الدبلوماسي المعاصر. فاتسمت الدراسات الأولى بمحاولات قام بها العلماء لوصف العمليات السياسية الدولية وصفا منهجيا صارما. وتبعتها محاولات لتكوين نظريات حول مختلف الوسائل والأساليب السائدة في السياسات الدولية كتلك النظريات حول التواصل الإعلامي الدولي والدعاية وحول استعمال الوسائل الإقتصادية في التأثير على سياسات الدول الأخرى وحول إمكانات استعمال القوة العسكرية في تسيير السياسة الخارجية وحود هذا الإستعمال.
كما حاولت هذه الدراسات مجاراة التقدم في التكنولوجيا العسكرية بما أثاره هذا التقدم من مخاطر تهدد الإنسانية جمعاء. وما صاحب هذا التقدم من تراجع في القيم الإنسانية. فبعد أن كانت أوروبا محور النظام السياسي الدولي أصبحت كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي تتنازعان في استغلال النظام السياسي العالمي من أجل تعزيز السيطرة والإستغلال وفرض مخرجات النظامين الرأسمالي والإشتراكي. فاكتسبت نتيجة هذا الصراع كل من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق أسيا أهمية بالغة كمراكز للمبادرة وأهداف للتنافس الدولي وأسواق للإستغلال. ولقد برز السباق في الهيمنة على الشرق الأوسط وبالذات الدول العربية الغنية بالنفط حيث شكلت سياسة السيطرة على هذه المنطقة أهدافا قومية لكل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي.
لقد انصبت معظم الدراسات خلال النصف الثاني من القرن العشرين على دراسة السياسة الخارجية للدول العظمى وذلك لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الدول في رسم وتهيئة المناخ للسياسة الدولية. ولقد تحولت دراسة التاريخ الدبلوماسي من التوقف عند القرارات الدبلوماسية الرسمية وتصرفات الدبلوماسيين لتشمل تأثير السياسة الداخلية لكل دولة على سياستها الخارجية ولتتناول التفاعل بين السياسات الداخلية والخارجية كما برز الإهتمام بدراسة الجماعات السياسية سيما وأن ديناميكية الجماعة قد أصبحت موضوع العصر في كثير من العلوم. فبعد أن كانت الهوة شاسعة بين دراسة المجتمع كوحدة واحدة مستقلة عن دراسة الفرد بغض النظر عن تعريف علم الإجتماع وتعريف علم النفس أخذت هذه الهوة تضيق عن طريق ربطها بديناميكية الجماعة.
في ظل الحرب الباردة بين القطبين الأعظم الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي ظهر إلى حيز الأحداث مفهوم الأمن القومي من أجل تحقيق المبادىء والأهداف والمصالح القومية التي تشكل في مجموعها الأغراض القومية الرئيسة وانضوت تحت مفهوم الأمن القومي السياسة العامة للدولة التي تتفرع إلى أربعة فروع رئيسة هي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية والسياسة الإقتصادية وكل هذه السياسات في ينبوع واحد هو الإستراتيجية القومية.
كما برزت إلى حيز الوجود مواضيع غاية في الأهمية في عالم السياسة منها عملية إتخاذ القرار في قمة الهرم في الدول وأثر هذا القرار على السياسة الخارجية والداخلية ومدى تأثير هذا القرار في تحقيق الأغراض القومية. ولا بد لنا من الإعتراف بوجود التمييز القائم بين الدول العظمى والصغرى والدول الإستعمارية والدول المسالمة. وبين الدول المتقدمة والدول المتأخرةتكنولوجيا والدول الثورية والمحافظة نظاما و سياسة
إن لكل دولة طريقتها في إتخاذ السياسة الخاصة بها تجاه العالم ولها نهجها الخاص في ميدان التنظيم الدبلوماسي. ويجب أن نوضح هنا بأنه لا يكفي أن نعتمد في دراساتنا للسياسة الخارجية على دراسة أنظمة الحكم والتركيز على البعد الداخلي للنظام السياسي. وإنما يجب أن نأخذ بعين الإعتبار الوضع الدولي في شكل العمليات السياسية. كما يجب التركيز عند دراسة السياسة الخارجية لإحدى الدول على معلومات أساسية عن تاريخ هذه الدولة والبيئة السياسية الإقليمية للتعرف على العوامل التي كيفت دور الدولة في الشؤون العالمية ولمواردها وطاقاتها الإقتصادية وتكوينها الإجتماعي وللنزعات الثقافية ونزعاتها العقائدية وتركيبها السياسي وللتغييرات في وضعها الدولي.
كما يجب الأخذ بعين الإعتبار أن السياسات الخارجية لمختلف الأمم هي دائما في حالة ديالكتيكية أي في حالة تكون وتغيير ز فالدولة الناجحة هي الدولة القادرة على مجابهة كافة التغيرات والقادرة على التوافق والتأقلم مع الماقف المختلفة على المستوى الإقليمي والدولي. من هنا برزت أهمية وضرورة الإهتمام بدراسة المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية في كل دولة حيث أن هذه المؤسسات في كثير من البلدان المتقدمة لا تقتصر على السلطة التنفيذية والوزارات والسلطة التشريعية واللجان الهامة بل تشمل أيضا الأحزاب السياسية والجماعات الضاغطة غير الحكومية ووسائل الإعلام والرأي العام وأتحادات بمختلف أنواعها والجماعات السياسية والإجتماعية والدينية.
كما برز مفهوم آخر في عالم السياسة الخارجية بعد أن تحققت أهمية السلاح النووي في فرض ميزان آخر تقاس من خلاله الدول في ميزان القوى وعظمتها ومكانتها في العالم بعد أن أثبت هذا السلاح فعاليته في فرض السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بعد أن تم استخدامه في كل من هيروشيما وناجازاكي وهل هي دولة مؤثرة قادرة عسكريا وإقتصاديا لأن العامل العسكري قد أخذ يشكل مراكز الدول وتأثيرها في المسرح الدولي وبكل أسف فلقد أصبحت القدرة النووية هي التي يعتمد عليها تصنيف الدول العظمى دونما أخذ بأي إعتبارات أخلاقية أو إنسانية أو عدالة إجتماعية وأصبحت السياسات الخارجية لمعظم دول العالم هي وليدة سياسة التحالفات العسكرية في العالم حيث انقسم العالم إلى معسكرين رئيسين هما الولايات المتحدة ينضوي تحت لوائه دول حلف الأطلسي والمعسكر الثاني هو الإتحاد السوفياتي وينضوي تحت لوائه دول حلف وارسو وأصبحت دول العالم الثالث مسرحا لعمليات الصراع في بسط النفوذ للقطبين الأعظم.
من هنا برز لدينا سؤالان هامان كيف تقوم الدول بإختيار التي تنشد تحقيقها من خلال السياسة الخارجية المعاصرة والمصالح الت تهدف إلى تحقيقها والمحافظة عليها. ثم ما هي الوسائل التي تيتخدمها من أجل بلوغ أهداف سياستها الخارجية.
وفي النهاية فإن عملية صنع السياسة الخارجية لأية دولة من الدول لابد وأن تتناول بالدراسة والبحث المواضيع التالية. الإدارت الحكومية السلطة التنفيذية كرئاسة الحكومة والوزارات المختصة والإدارات العاملة بينها "في الكثير من الدول العربية يكون لرئيس الدولة الباع الأطول في إقرار السياسة الخارجية" ومن ثم السلطة التشريعية بما فيها اللجان المختصة ومن ثم الإدارات غير الحكومية مثل الأحزاب السياسية والجماعات ذات المصالح الخاصة ووسائل الإعلام وخصائص الرأي العام والإتحادات والنقابات العامة والجماعات السياسية والدينية والثقافية وفي كثير من الأحيان مجموعات الضغط الإقتصادي.