عندما يصبح رؤساء بعض الجامعات الأردنية عبئا على جامعاتهم
جو 24 :
كتب الأستاذ الدكتور انيس خصاونة -
رؤساء الجامعات في الدول التي تحترم العلم والعلماء هم قادة فكر ،هاجسهم النهوض بجامعاتهم وتنمية الإبداع والمبدعين ، وتشجيع النقد والاختلاف والتنوع في الأفكار ووجهات النظر والمواقف ،ويؤمنون بالمشاركة والحوار والإقناع كوسائل للخطاب والتواصل . رؤساء الجامعات في مثل هذه الدول يقدرون العلم والعلماء وهم أبعد ما يكون عن الاحتماء بالسلطة أو التلويح بها ، ولغتهم لغة محترمة تستند إلى الحجة والدليل .درسنا في أرقى الجامعات الأمريكية وزرنا العديد من الجامعات الكندية والأوروبية ولم نسمع يوما عن تشكيل لجنة تحقيق مع أستاذ أو باحث على خلفية تصريحات أدلى بها أو رأي قدمه في قضية داخل الجامعة أو خارجها.
المؤسف في الأمر أن خريجي بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية المشار إليها آنفا تقلدوا بعد عودتهم للأردن رئاسة بعض الجامعات الأردنية وقد كان من المتوقع أن ينقلوا إليها بعض الممارسات العلمية والسلوكية والقيادية الراقية للعلماء والأساتذة والقائمين على الجامعات التي تتلمذوا وتعلموا فيها .وفي الوقت الذي سجل عدد قليل جدا من هؤلاء الرؤساء بعض الإنجازات المحدودة وخصوصا في مرحلة التأسيس، وأسوق هنا على سبيل المثال الأستاذ الدكتور عدنان بدران والأستاذ الدكتور عبدالسلام المجالي والأستاذ الدكتور محمد حمدان فإن جل رؤساء الجامعات الأردنية قد تجردوا مما تعلموا في الغرب من أساليب الإدارة والحوار ونكصوا إلى النمط التقليدي في الإدارة الذي ينم عن "جوع للسلطة" وجشع وإفراط في الاستثمار في الامتيازات الشخصية والوظيفية التي يتيحها إشغال موقع رئيس الجامعة ،لا بل فإن بعضهم وللأسف الشديد جعل من الجامعة بيئة طاردة للعلماء وأصبح شغله الشاغل تشكيل لجان تحقيق للأساتذة الكبار الذين يفوقونه علما وإخلاصا وربما خلقا وانتماء مضفيا بيئة بوليسية استخبارية شرطية على العمل الأكاديمي ، حيث أن إعجاب أحد زملاء الرئيس بمقال ناقد لمؤسسات التعليم العالي يتسبب في تشكيل لجنة تحقيق لهذا الزميل !!! الأكثر غرابة هو أن يقوم بعض رؤساء الجامعات بتنحية وإبعاد كل من كان متعاونا مع سلف رئيس الجامعة(الرئيس السابق للجامعة) لا بل ويجاهر الرئيس أمام مجلس أمناء الجامعة ليقول أن هؤلاء ولائهم لرئيس الجامعة السابق وكأن رئيس الجامعة السابق هو نتنياهو أو اسحاق رابين واعجبي..
يا ترى كيف يمكن أن نقرأ ونستوعب قوانين التعليم العالي ولجانه التي نسبت بتعيين شخصيات غير ناضجة إداريا، وليس لديها لا الأفق ولا بعد النظر ولا عمق التفكير والاتزان الذي يؤهلها لأن تتبوأ منصب رفيع ومتقدم مثل موقع رئيس الجامعة؟ كيف يمكن أن نقرأ ونفهم مضامين ومعاني الأوراق النقاشية لجلالة الملك التي تتحدث عن الشفافية والحوار والمساءلة وسيادة القانون والتنوع وحرية التعبير؟ والسؤال الأهم ما الذي يدفع هؤلاء الشباب الذين قدرا لهم لسبب أو آخر أن يشغلوا موقع رئيس جامعة، ما الذي يجعلهم يديروا جامعاتهم بطريقة مغايرة للأنماط الإدارية التي عاصروها وعايشوها أثناء دراستهم في الجامعات الغربية أم أن الطبع يغلب التطبع ،أو أن العلم في الكبر كالنقش على الماء؟ وهنا لا بد أن نتساءل أين وزير التعليم العالي الذي شغل موقع رئيس لثلاث جامعات أردنية ويعرف تماما ما يدور هنا أو هناك؟ أم غرته أكاليل التهنئة وباقات الورد التي أرسلها رؤساء الجامعات له وعلى نفقة موازنة الجامعات ؟ أم أن وزير التعليم العالي مكبل بموجب القوانين التي تمنح شبه استقلال مالي وإداري للجامعات؟ أم أن هذه السلوكيات لرؤساء الجامعات هي المطلوبة ومرضي عنها من قبل الجهات العليا وخصوصا مجالس الأمناء التي تمالئ رؤساء الجامعات وتكاد أن تكون خاضعة لرؤساء الجامعات وليس العكس بدلالة أن رئيس مجلس أمناء إحدى الجامعات عند سؤاله عن موافقته سبب تعيين عميد كلية ممن تم إدانته بالرشوة من قبل أحد الطلبة وتم إيقاع عقوبة بحقه أجاب بأنه هكذا يريد رئيس الجامعة؟؟؟
بعض جامعاتنا الرسمية تعاني من أزمة قيادة ونعتقد بأن على الوزير الطويسي أن ينهض بمهامه وإطلاع مجلس الوزراء على الواقع المترهل لقيادات بعض الجامعات وضرورة إعادة النظر بها ،وأيضا بتغيير رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء الذين لا يفعلون شيئا إلا الدفاع عن ممارسات وشطحات بعض رؤساء الجامعات ممن تعوزهم القدرة القيادية والخبرة والحصافة وبعد النظر...