عن «الجهاد الإسلامي» في فلسطين *
لا تحظى حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بكثيرٍ من الأضواء الإعلامية، مع أنها فصيل له دوره المتعاظم على الساحة الفلسطينية، سياسياً وعسكرياً، بل وفصيل يتمتع بعلاقات عربية وإقليمية مهمة، قلما يحظى بها فصيل من خارج «الثنائية القطبية» الفلسطينية المعروفة: فتح وحماس، ويمكن القول، أن الجهاد بعد كل ما أصابت من تقدم، تكاد تستقر في موقع الفصيل الثالث، بعد كل ما أصاب الجبهة الشعبية من حالات تشظٍّ ونزيف وأزمة قيادة، ناجمة عن فقدان ثلاثة أمناء عامين في أقل من خمس سنوات، إما بالموت أو الشهادة أو السجن.
تعاني «الجهاد» من عملية «تنميط» مضرة بها وبالنضال الوطني الفلسطيني، فالصورة العامة عن الحركة، أنها «الذراع الثانية» لإيران، بعد أن كان يُنظر لحماس بوصفها «الذراع الأولى»، لكن بخلاف حماس، فإنه ينظر للجهاد بوصفها «امتداداً» لحرس إيران الثورة وفيلق القدس، حتى أن البعض يتهم الحركة بالتشيع والعمل على نشر «المذهب»، مع أن الحركة ما زالت على «سنيّتها»، لم تبدل مذهباً بمذهب، وأظهرت في ذروة تفاقم الأزمة السورية، أنها أكثر استقلالية من بعض القوى الوطنية واليسارية الفلسطينية، التي تماهت أو كادت، مع السياسة الإيرانية حيال سوريا، أو جعلت من نفسها كتيبة من كتائب الشبيحة التابعة لنظام الأسد.
رمضان عبدالله شلح، ونائبه زياد نخلة، يترددان بعد دمشق، على بيروت والقاهرة، وحيثما أتيح لهما أن يكونا، والأول على وجه الخصوص، لعب دوراً موازياً لدور خالد مشعل في ترتيب وقف إطلاق النار والوصول إلى اتفاق التهدئة بوساطة من المخابرات المصرية، ولكم كان واضحاً في سياق الحرب على غزة وقبلها، أن من يريد أن يكرس التهدئة في غزة، عليه التحدث مع الجهاد، أو على الأقل، عليه إشراكها في المسألة من بدايتها.
أول صاروخ ضُرِب على تل أبيب كان «جهادياً» أتبعته حماس بصواريخ ضربت القدس وهرتسليا ومناطق أخرى، وفي مواجهات سابقة، حملت الجهاد عبء إطلاق الصواريخ وحدها تقريباً، وقد أثار ذلك في حينه جدلاً ساخناً وإن ظل صامتاً، عمّا إذا كانت الجهاد تسعى في «وراثة» دور حماس و»مقاومتها»، وقد أضفى ذلك بعض التعقيد والحساسية في علاقة الفصيلين بعضهما مع بعض، لا سيما على المستوى القاعدي، في حين سمعت كلاماً إيجابيا من خالد مشعل ورمضان عبدالله شلح، أحدهما عن الآخر، واستمعت لتقييم إيجابي مشترك، لدرجة التفاهم والتنسيق بين الرجلين، زمن التفاوض على التهدئة من مقر المخابرات العامة المصرية، حيث كانا يقضيان أوقاتاً طويلة هناك.
الجهاد حركة منضبطة، لم نسمع شكاوى عن تجاوزات لافتة قام بها نشطاؤها وأذرعتها العسكرية، والجهاد حركة مثيرة لارتياح حلفائها ومنافسيها على حد سواء، ولطالما سمعت تقيماً من قبل رجالات السلطة في رام الله يتسم بالإيجاب عن الجهاد، مقابل مخاوف وقلق وتحسب من حماس، .وكذا الحال بالنسبة لنظرة معظم الفصائل لبعضها البعض على أية حال.
تتسم مواقف الحركة بالمبدئية عموماً، فهي في الوقت الذي تدعو فيه للمصالحة والوحدة، لا تمانع في البقاء خارج مؤسسات السلطة وقوائم فصائلها الانتخابية، هي رفضت أوسلو وكل تداعياته وما ترتب عليه، وهو موقف مهما قيل في صحته أو بطلانه، إلا أنه يظل موقفا مبدئيا لا يورط الحركة في مواقف وسياسات مناهضة لمصلحة الشعب الفلسطيني في استعادة وحدة حركته الوطنية ومؤسساته وجغرافيته.
حتى وهي تغادر سوريا عمليا احتجاجاً على مواقف النظام ضد شعبه، حفظت الجهاد علاقاتها مع طهران، وهي شكرتها على السلاح الذي قدمته للفلسطينيين وجعلت صمودهم في القطاع أمراً ممكناً، فعلت ذلك وهي تعرف كلفة «رد الفضل لأصحابه»، ولقد سمعنا أن البعض امتعض وعاتب ولام، وهي (الجهاد) ما زالت على «رفقة السلاح» مع حزب الله، برغم تحفظاتها على مواقفه ومواقف طهران من الأزمة السورية.
إن وجود الجهاد الإسلامي بات جزءاً أصيلا من الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، ووجودها يسهم في حفظ خط المقاومة الفلسطينية بعامة، وداخل حماس بشكل خاص، إذ في الوقت الذي تتجه فيه حماس بالإجمال صوب المنظمة، فإن وجود فصيل مثل الجهاد، سيظل عاملاً يشد حماس إلى نهجها المقاوم، أقله تحت ضغط الخشية من صعود منافس قوي، منضبط ومدرب ومسلح جيداً.
أمس، شعرتُ بالمرارة في حلق «أبو عبدالله» رمضان شلّح، وهو يحدثني عن أسباب منعه من الدخول إلى غزة، كان فرحاً بنجاح «أبو الوليد» في الوصول إلى هناك، شأنه في ذلك شأن جميع الفلسطينيين، ولكنه لم ينجح في إخفاء غصة في حلقه، كيف ولا وهو ابن القطاع الذي غادره منذ سنوات طوال ولم يتسن له زيارته، فإسرائيل تعتبر الجهاد، قيادة وكوادر، هدفاً مشروعاً في كل وقت، يستحق الوصول إليه، خرق كل هدنة أو وقف لإطلاق النار، ولهذا جاءت النصيحة من مصر: لا تذهب إلى غزة، أقله في هذا الوقت بالذات.
(الدستور )