د. اخليف الطراونة يكتب: المسؤولية الاجتماعية.. سمو وإيثار
جو 24 :
كتب رئيس الجامعة الأردنية السابق الأستاذ الدكتور اخليف الطراونة -
كثُر الحديث مؤخراً عن المسؤولية الاجتماعية للأفراد والمؤسسات، وحاجة المجتمعات الإنسانية الملحة لها، ودورها المؤثر في عملية التنمية المستدامة، وتعزيز روح الانتماء للوطن وتحقيق العدالة والتآلف بين أفراد المجتمع.
واختلف الباحثون والمهتمون في تعريفها إذ رأى بعضهم أنها نظرة أخلاقية يقع من خلالها على أي كيان، منظمةً أو فرداً، مهمة العمل لمصلحة المجتمع بأكمله، وهي أمر يجب على الجميع القيام به حفاظاً على التوازن بين الاقتصاد والنظام البيئي. أما آخرون؛ فرأوا فيها "مبادرات تطوعية تقوم بها المؤسسات مع ما يترتب عليها من التزامات قانونية".
في حين عرّفها البنك الدولي على أنها "التزام أصحاب النشاطات الاقتصادية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع المجتمع المحلي لتحسين مستوى المعيشة بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية " أي أنها التزام وليست إلزاماً.
وقد خصتها الشرائع السماوية وأطّرتها بالتأصيل والدعوة إليها، وفق قيم أخلاقية إنسانية فضلى، كما تناولتها بالبحث والاهتمام المواثيق والدساتير الدولية، وتعاملت معها الحكومات والشركات بأسمائها ومسمياتها كافة. وارتبطت المسؤولية الاجتماعية بمفاهيم ثلاثة:
المفهوم المحلي؛ ارتبطت المسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا الأردني بمفهموم العمل التطوعي الجماعي كمفهوم"العونة" و"الفزعة" و"جمعيات التسليف" وغيرها.
أما في المنظور الإسلامي، فالإسلام كان سباقاً في وضع القواعد والقيم لتحقيق المسؤولية الاجتماعية: فعلاً وقولاً. فالنصوص الشرعية حافلة بالقيم الاجتماعية والإنسانية. فالشريعة تلبي متطلبات ومقتضيات العصر. فالمسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري لهما الصدارة في الإسلام الذي يرى أن خير العمل وأنفعه وأجلّه ما يعود بالفائدة على الآخرين. فالخير وإشاعته وتعميمه هو من المقاصد الشرعية والضرورات الفضلى. والنصوص الدالة على ذلك، نقرأها ونحن نردد في التنزيل الكريم :"فمن تطوع فهو خير له" صدق الله العظيم، وفي قول رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقوله"لا ضرر ولا ضرار". ويتجلى مفهوم المسؤولية الاجتماعية في الإسلام بأبهى صورة في قوله عليه الصلاة والسلام "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاضدهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
أما المفهوم الدولي للمسؤولية الاجتماعية؛ فهو ذاك المفهوم المرتبط بالمواثيق والدساتير الدولية مثل:الميثاق العالمي لقطاع الأعمال، والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان(2002) United Nations Global Compact (UNGC)، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وحقيقة الحال؛ أن الممارسة الحالية لمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات والأفراد مترسخة في الأذهان والعقول على أنها شكل من أشكال العمل الخيري بدلاً من أن تكون على شكل برامج مستدامة مرغوبة على أرض الواقع ، وذات تأثير في المجتمع، ما يستدعي وجود دور تنموي للمؤسسات الكبيرة، تكون فيه المشاركة التنموية جزءاً لا يتجزأ من نشاطات هذه المؤسسات لتكريس مفهوم ما يعرف بـ"مسؤولية الشركات" أو"مواطنة الشركات"، بحيث تكون سياسة هذه الشركات نابعة من التنظيم الذاتي المسؤول، والعمل الذي من شأنه رصد وضمان التزامها بالمعايير الأخلاقية وسيادة القانون، وأن تكون نشاطات هذه الشركات ذات تأثير إيجابي على البيئة، والمستهلك، والعامل، والمجتمع المحلي. فلماذا مثلاً لا تكون مساهمة شركاتنا الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني في إطار مسؤولياتها المجتمعية في استحداث مدارس ومستشفيات، وجامعات للفقراء والمعوزين؟ ولماذا لا تكون هناك مشاريع تتبناها الحكومة والشركات والقطاع الخاص مثل إقامة المصانع، والمزارع في المناطق الفقيرة، بحيث يكون هدفها غير ربحي، وتؤول ملكيتها إلى البلديات المعنية ومؤسسات الإعمار في تلك المناطق، ويكون لها إطار قانوني يتميز بالشفافية والمساءلة؟ إن إقامة مثل هذه المشروعات يخلق أجواء من الثقة بين المواطن وتلك المؤسسات الوليدة الجديدة، ويعزز روح العطاء والانتماء، ويسهم في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة.
وهذا لا يعفي الدولة التي هي مسؤولة عن جميع أبنائها، ولا سيما الفقراء والمحتاجين، من الاضطلاع بمهماتها في إقامة المشاريع التي تساهم في التنمية المستدامة، وتوفر فرص العمل، وتحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، ويترتب عليه أيضاً – ومن خلال وزارات: التخطيط والطاقة، والإسكان، والعمل، والتنمية الاجتماعية، في إقامة مثل هذه المشاريع بالتشارك مع القطاع الخاص، ولا سيما الجامعات والبنوك والمؤسسات والشركات لتجذير مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وذلك من خلال ما يلي:-
-رعاية المؤتمرات والندوات والمهرجانات أو البطولات الرياضية، والمبادرات التعليمية للمتفوقين في مجال الريادة والابتكار بالتعاون مع الجامعات ومؤسسات المجتمع المحلي ذات العلاقة.
-تقديم دعم لذوي الاحتياجات الخاصة بهدف تأهيلهم ليأخذوا دورهم الفاعل في المجتمع.
-دعم نشاطات التوعية البيئية والتوعية ضد الأمراض.
-عقد شراكات مع الجامعات، والمدارس، والمستشفيات، ومراكز الشباب، والمراكز الثقافية، والمنظمات غير الحكومية.
-إقامة منصات للتفاعل مع الطلبة في المدارس والجامعات، وتبني نشاطات لتطوير أداء الموظفين التي تقوم بها بعض شركات القطاع الخاص .
-المساهمة في تمويل المشاريع الاستثمارية في مجال التنمية المستدامة، وترسيخ مبدأ أهمية البيئة.
-تبني مبادرات إنشاء وتطوير برامج أو مشاريع إنتاجية أو خدمية ، وتسليمها للآخرين لمتابعة استدامتها.
-تبني مشاريع تدريب وإعادة تأهيل الخريجين وقوة العمل المتعطلة على برامج متخصصة لتمكينهم من العمل.
لقد غدت المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات الوطنية مسؤولية تشاركية وأخلاقية، وأصبحت جزءاً مهماً من مفاهيم التنمية الحديثة التي تُدمج فيها القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في صنع القرارات وإعداد الاستراتيجيات، ومنظومة القيم الخاصة بهذه المؤسسات، وتفرض عليها إلزاماً في مجالات أربعة مهمة هي: حقوق الإنسان، وحقوق العمل، وحماية البيئة، ومحاربة الفساد.
إن المسؤولية الاجتماعية: منهجاً، وتجربةً، وممارسةً، هي ذات مردود إيجابي يرتقي بالنفس البشرية إلى مراتب السمو والإيثار. وهي نظرة أخلاقية غير ملزمة، وواجب وطني للتفاعل مع قضايا المجتمع، فالسلوك الملتزم والامتثال للقوانين والالتزام بالمعايير الأخلاقية، قيمة سامية علينا جميعاً– أفراداً وجماعات ومؤسسات– التقيد بها عند القيام بأـي نشاط أو فعالية في المجتمع.
أو ليست المسؤولية الاجتماعية لدى -الأفراد والمؤسسات- التي تتلمس احتياجات الناس الفعلية وتعمل على تلبيتها بتشاركية وطواعية، الأجدر والأفضل لرقي المجتمع وتطوره، ليسود الانسجام والتآلف بين عناصر ثلاثة مهمة هي: الاقتصاد؛ والمجتمع؛ والبيئة؟!
أوليست الحاجة ماسة لينال هذا الموضوع الهام حظه الوافر بالبحث والدراسة والتحليل النوعي، وبخاصة لدى الجامعات والمؤسسات الإعلامية؟!
فلنكن جميعاً على قدر هذه المسؤولية في بناء الأردن الأنموذج في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم، حفظه الله ورعاه.