الحصة الدراسية الأسبوعية لمكافحة الإرهاب والتطرف.. وغياب المؤسسية في المعالجة
جو 24 :
* الإسلام دين الوسطية والاعتدال والتسامح، وقد جاء رحمة للعالمين.
* الفردية وغياب العمل المؤسسي التشاركي سببٌ في إخفاق مكافحة التطرف والإرهاب.
* التخبط والعشوائية والارتجالية والفردية والأنانية والبهرجة الإعلامية والتحشيد والاصطياد في الماء العكر سمة بعض الوزراء إبان الأحداث الأليمة.
* معالجة التطرف يجب أن تتمَ وفق منظومة شمولية: تربوياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً وأمنيا.
* التخطيط السليم والاستشرافي يمكن المؤسسات والأفراد من القيام بأدوارهم الحقيقية في مكافحة التطرف والإرهاب.
* معالجة الفقر والبطالة ورفع الظلم وسيادة العدل، وإيقاف توريث المناصب، وعدم محاربة الموظفين في أرزاقهم، وتكافؤ الفرص بين المواطنين ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين من أهم أولويات لمكافحة التطرف.
*وزارة التربية تستغل الأحداث للظهور الإعلامي، وتسجيل المواقف، وتبني اجتهادات غير مدروسة وعشوائية بإقرار حصة أسبوعية في البرنامج الدراسي للحديث عن الإرهاب في الأردن.
*هل تم تحديد إطار عام، أو محتوى لهذه الحصة الأسبوعية؛ لضمان القواسم المشتركة والأهداف بين من يعطون تلك الحصص لطلبتهم. أم يترك الأمر لاجتهادات المعلمين؟
* كيف توكل مهمة تدريس حصة عن الإرهاب إلى المعلم الذي تم اتهامه بالأمس حين دافع عن المناهج بانه يشجع على الإرهاب؟
* هل تم التفكير بالتبعات النفسية والتصورات التي ستتشكل عند الطلبة عن الأردن جراء تخصيص حصة أسبوعية للحديث عن الإرهاب في الأردن؟
* من سيدرِّس هذه الحصة؟ أم أنها ستترك لاجتهاد مدير المدرسة؟ وهل نظام الفزعة في إصدار القرارات مثل الحصة الصفية كفيل بمكافحة التطرف ونبذ العنف؟
* هل سيلتزم المنفذون للحصة بالحديث عن الإرهاب دون التطرق إلى مسبباته؟
* كيف للمعلمين والموظفين والطلبة أن يقتنعوا بمكافحة الإرهاب في ظل ما يمارس عليهم من إرهاب وظيفي وتعليمي؟
* علينا أن نقاوم الإرهاب الداخلي والممارسات التسلطية قبل مقاومة الإرهاب الخارجي.
كتب مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا:د. محمد أبوغزلة -
يعد الإسلام دين الوسطية والاعتدال والتسامح وقد جاء رحمة للعالمين، ولعل هذه المنظومة الفكرية المتوازنة هي التي تعبر عن حقيقة هذا الدين، وهي التي ينبغي أن تشكل ملامح صورته دون تبديل أو تغيير، وإن المحافظة على هذه المنظومة وصفائها شرط أساس لنهضة المسلمين ولحاقهم بركب الحضارة الإنسانية المعاصرة، ومساهمتهم فيها، كما أنها صمام أمان لبناء المجتمع السليم على أسس قوية من الاعتدال والتسامح والتعاون والعيش المشترك وقبول الآخر.
إن التطرف والعنف الموجود في بلدنا الحبيب يجب التصدي له ومواجهته ومحاصرته؛ لمنع انتشاره وتوسعه في الأوساط الاجتماعية، لا سيما بين فئة الشباب، وهذا يتطلب جهوداً مشتركة مؤسسية، تشمل كل الوزارات والمؤسسات الوطنية، بعيدا عن الفردية والعنترية التي أصبحت تسيطر على بعض مؤسساتنا، كما يجب أن تطال هذه الجهود كل الجوانب التي تتعلق بهذه الظاهرة- تربوياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينياً- فهذا العمل والجهد هو في المقام الأول دفاع عن الإسلام وصورته النقية التي يشوِّهها المتطرفون بتصرفاتهم البعيدة عن روح الدين ومقاصده الأصيلة، فالإسلام جاء رحمة للعالمين، وقد بعث الله تعالى نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم لينشر الرحمة في العالم أجمع، قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
إن المتابع للحال التي وصلت إليها بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية في فترة الأحداث التي عصفت بوطننا العزيز مؤخرا، يلحظ التخبط والعشوائية والارتجالية والبهرجة الإعلامية الزائفة والمصطنعة في كل وزارة ومؤسسة، إذ يتعمّد القائمون عليها تكريس الفردية والأنانية المطلقة، والتحشيد ضد بعض المسؤولين، والاصطياد في الماء العكر، ويتفننون في التصريحات الإعلامية؛ لتسجيل السبق في الإعلان عن خطوات غير مدروسة لا يمكن أن تخدم الهدف التي وضعت من أجله، ضاربة بعرض الحائط بالمؤسسية التي كنا نتغنى بها؛ لذا تأتي الأفعال والأقوال كردود أفعال آنية مزاجية، تنتهي بانتهاء الحدث أو الأزمة التي تمر بنا.
ولعل الحادث الإجرامي الذي ضرب في الأردن خلال الأيام الماضية، وذهب ضحيته كوكبة من الشهداء الذي قدموا أرواحهم دفاعا عن الوطن، ليؤكد حجم الخلل والتخبط في السياسات الحكومية القائمة على ردة الفعل، بدلا من الاعتماد على التخطيط السليم والاستشرافي الذي يمكِّن المؤسسات والأفراد من القيام بأدوارهم المرسومة على نحو صحيح. وهنا أشير إلى المؤسسات المدنية والوزارات التي يجب أن تعمل على الوقاية من خطر الإرهاب، لا أن تسهم في صناعة الإرهاب جراء الممارسات الاستبدادية التي تمارس على المواطنين، والتي أدت إلى تشكيل عبءٍ على الأجهزة الأمنية بدلا من أن تكون عونا لها، فالجميع يعرف أن الحكومة قد أعدت إستراتيجية وطنية عام 2012 لمكافحة الغلو والتطرف، وأعدت الخطة الوطنية لمواجهة التطرف في 2014، وحددت فيها مسؤولية الوزارات والمؤسسات العامة في تحقيق هذا الهدف، ومعالجة مظاهر الغلو والتطرف التي بدأت تغزو المنطقة مستهدفة الشباب بشكل رئيس نتيجة ظروف عالمية وإقليمية ومحلية، وقد أكدت الخطة أن مواجهة التطرف والغلو الفكري، تتطلب جهوداً مشتركة تشمل كل الجوانب التي تتعلق بهذه الظاهرة، تربوياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً ودينيا، لا أن تقوم باتخاذ قرارات فردية بعيد عن العمل المؤسسي الوطني.
ومن هنا ونتيجة غياب المؤسسية والفعل الجماعي للوزارات والمؤسسات، وعدم الرغبة فيه نتيجة سيطرة الفردية على الفكر المؤسسي، طالعتنا وزارة التربية والتعليم بقرارات غير مدروسة، تطلب فيها من المدارس والمعلمين تخصيص حصة دراسية أسبوعية عن الإرهاب في الأردن، وتفرضها بحجة توعية الطلبة بمخاطر هذه الآفة التي يعاني منها العالم أجمع، وهنا نجد الأمر يستدعي الوقوف عند هذه النقطة من خلال طرح مجموعة من التساؤلات عن آلية التنفيذ لهذه الحصة، حتى نضمن أن تأتي بنتائج إيجابية لا بنتائج عكسية، والأسئلة المطروحة كثيرة، وقد غابت عن متخذي القرار رغبةً منهم في تسجيل سبق إعلامي يجهلون عواقبه، ومن هذه الأسئلة المطروحة: هل تم التخطيط أو حتى مناقشة تدريس الحصة الأسبوعية مع كل المعنيين بالتنفيذ؟ وهل تم السماح لمديري التربية والتعليم الحاضرين في اجتماع لجنة التخطيط التعبير عن آرائهم حول ذلك؟ وهل تم تحديد إطار عام أو محتوى لهذه الحصة؛ لضمان القواسم المشتركة بين المنفذين للحصص، أم سيترك الأمر لاجتهاد المعلمين؟ ومن سيدرس هذه الحصة أم ستترك لاجتهاد مدير المدرسة أيضا؟ وهل نظام الفزعة في إصدار القرارات كفيل بأن يكافح التطرف؟ وهل سيلتزم المنفذون للحصة بالحديث عن الإرهاب دون التطرق إلى مسبباته؟ وكيف للمعلمين والموظفين والطلبة أن يقتنعوا بمكافحة الإرهاب في ظل ما يمارس عليهم من إرهاب وظيفي وتعليمي من لدن أناس يتفننون في التسلط وإيذاء الموظفين؟ كيف توكل مهمة تدريس حصة عن الإرهاب إلى المعلم الذي تم اتهامه بالأمس حين دافع عن المناهج بانه يشجع على الإرهاب؟ وهل سيزج به في السجن كل من يتحدث عن الفقر والبطالة والظلم وغياب العدالة، ومحاربة الموظفين في أرزاقهم، ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وإلغاء توريث المناصب، وغياب تكافؤ الفرص بين المواطنين بوصف كل ذلك من مسببات الإرهاب؟ أوَليس إصدار مثل هذه القرارات، وإجبار الناس على تنفيذها في غياب الرؤية الشمولية للموضوع يعد إرهابا وتطرفا؟ هل تم التفكير بالتبعات النفسية والتصورات التي ستتشكل عند الطلبة عن الأردن جراء تخصيص حصة أسبوعية للحديث عن الإرهاب في الأردن؟ وما رأي وزارة التربية المبجلة في الدور الذي قامت به كما أشار إليه وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السابق الدكتور سلامة النعيمات (مقرر عمل لجنة الإستراتيجية سابقا)، في أن وزارة التربية والتعليم عملت على تعديل المناهج، وانتزعت منها كل ما يدعو للتطرف والعنف؟ وإلى متى سنبقى تحت رحمة المسؤولين الذين يقودون البلد بأسلوب الفزعة غير المحمودة؛ لتحقيق مصالحهم الذاتية في ظل غياب الرؤية الشمولية لقيادة مؤسساتهم؟ أليس من الأفضل مراجعة الدور المفروض الفردي والتسلطي في الخطة الوطنية، والعودة إلى الدور الحقيقي المنوط بالوزارة وتنفيذه بدلا من الفبركات الإعلامية؟ أين التشاركية في العمل المؤسسي حسب الأدوار المنوطة بمؤسسات الدولة في الخطة الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب؟ وهل الأحداث التي عصفت في الأردن في عام 2016 مؤشر على فشل الخطة الوطنية؟ وهل سيتم عمل مراجعة شمولية لمنظومة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف ومكافحة الإرهاب؟ وهل فكرت الوزارة في إعداد خطة شمولية تتسق مع الجهد الوطني لتعالج هذه الآفة؟
إن المحلل لدور وزارة التربية في الخطة الوطنية، يجد أنه دور يتصف بالفردية والتسلط حتى على المنفذين له أنفسهم، كما أنه دور تقليدي لم يعتمد المنهجية العلمية في تحديد الآليات والمسؤولية لتنفيذه، ناهيك عن النزعة الفردية في العمل بمعزل عن المنظومة الشمولية في المعالجة على مستوى مؤسسات الدولة. ثم إن المتتبع والمحلل للسلوكات التي ينتهجها الطلبة في التعليم العام والعالي يرى فشلا في المنظومة التعليمية والتربوية، وعجزها عن تحصين الطلبة وتمكينهم بعد أن أمضوا ما يقارب من ستة عشر عاما على مقاعد الدراسة ولم يتمكنوا خلالها من السلوكات الإيجابية التي تحدث الأثر في المجتمع. وما حادثة العنف الجامعي التي عصفت بالجامعة الأم الجامعة الأردنية إلا دليل على ذلك. وهل في إقرار حصة دراسية جاءت فقط لتسجيل مواقف وظهور إعلامي باهت لا يقنع طفل الروضة يعدّ عملا منهجيا مدروسا؟ إن الذي ينتهج مثل هذه السياسات غير حريص على العمل المؤسسي ولا يعمل ضمن المنظومة الوطنية، وعليه فحريُّ بنا أن نقاوم جميعا ذلك العمل الفردي، والممارسات التسلطية العنترية ، وكل مسببات الإرهاب الداخلي قبل مقاومة الإرهاب الخارجي.
حمى الله الأردن قيادة وشعبا، وأعزَّ قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية.
•مرجع: الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الغلو والتطرف