الليلة التاسعة ما قبل الأخيرة لمحمد بني هاني
بدأت فرقة "جسد لفنون الأداء" بتقديم أولى عروض عملها المسرحي الجديد "الليلة التاسعة ما قبل الأخيرة" من تأليف وإخراج محمد بني هاني على خشبة مسرح البلد في وسط العاصمة الأردنية عمّان، ابتداء من يوم الخميس الموافق الثالث عشر من شهر ديسمبر الحالي، لتستمر العروض على مدار ثلاثة أيام متتالية في تمام الساعة 8مساء من كل يوم من أيام العرض.
ينتمي العرض المسرحي الذي يمتد إلى ستين دقيقة، كما كل مسرحيات محمد بني هاني إلى المسرح ما بعد الحداثي الذي ينتهج التجريب الواعي والمدرك لأدواته، متنقلاً بين عدة أساليب ومجالات إبداعية كالفيديو أرت وفن التجهيز ومسرح الواقعة ضمن إطار حركي انفعالي بصري، مستخدماً عدة لغات مسرحية متنوعة في المسرح، وبشكل أساسي يعتمد بني هاني في عرضه على لغة الحوار العربية بالإضافة للغة الجسد كلغة أساسية للعرض تستكمل عناصر الأداء والسينوغرافيا.
يسلط العرض المسرحي (الليلة التاسعة ما قبل الأخيرة) الضوء على علاقة المبدع بالأنظمة السائدة منذ ما يقارب المائة عام السابقة سواء كانت أنظمة سياسية / اجتماعية/ عقائدية/ أمنية، والدور الذي مارسته بواسطة أدواتها المتنوعة من التضييق على الحريات العامة بكافة أشكالها وفرض شكل وإطار واحد لا يقبل التنوع ولا الاختلاف بالرأي ما أدى إلى تشكيل حالة من انعدام الثقة ما بين الإنسان العربي والأنظمة السائدة والذي نشهد نتائجه في أيامنا هذه من عنف ودموية ووحشية صادمة تنفذها أدوات السلطات الحاكمة في مواجهة شعوبها التي تنادي بالحرية والتحرر.
وبحسب ما صرح المخرج محمد بني هاني فإن العمل المسرحي الجديد الذي يقدمه هذا العام بعيداً عن المؤسسة الرسمية ومسارحها ودعمها: هو قصة رجل مسرحي تعرضَ للاعتقال السياسي في شبابه بسبب ما يعتنق من أفكار وآراء تنحاز للإنسان وحريته في التعبير ورفضه لكافة أشكال العبودية والاستبداد والقمع، يخرج من المعتقل الذي أمضى بداخله ما يزيد على العشرين سنة حيث يعود لشقته ليجدها مبعثرة ومهملة متآكلة، هناك يجد نفسه وجها لوجه مع ماضيه وذكرياته المتآكلة والمبعثرة هنا وهناك بفعل الزمن.
يقرر أن يدون مشاهداته اليومية وما أن يبدأ التدوين حتى يجد نفسه وقد علق في دوامة الحاضر والماضي والمستقبل حيث تتداخل الأزمنة والأمكنة والأحداث دونما وعي منه أو إرادة. هناك نراه رائياً أحياناً وأخرى مرئياً يقود تارةً الحدث ويُقادُ تارة أخرى، يروي تفاصيلَ البوح المُلحة وترويه، رحلة من خلالها يحاول تلمس الحقيقة، الأجوبة، فهم الأسباب والمعطيات التي تجرفه وتسيطر على عقله ليدرك أنه لا يملك سلطة ولا يعرف سيطرة على ما تختزنه الأدمغة البشرية من متاهات لا بداية لها ولا نهاية.
ومن خلال روايته للحدث تتقاطع عدة قصص تسلط الضوء على جوانب إنسانية تتمثل بحرية الاختيار والتعبير عن الرأي وخاصة فيما يتعلق بالمرأة المنخرطة بالعمل السياسي ومدى سلبية وقسوة التعامل معها من قبل المجتمعات والأنظمة التي تعتقل الإنسان/الفكرة/الإبداع/الحق في اختيار من وما نكون.
العمل يعبر بعمق عن جدلية السلطة والإنسان، ويعالجها تحدياً من رؤية الفنان الإنسان العادي في مجتمع يعج بالمتناقضات والسلطات بكافة أشكالها، مستنداً إلى حسه الإنساني في تفسير تلك الجدلية والتعاطي معها، ولا يسعى لتقديم إشكالية وحلول بقدر ما يسعى لأن يضعَ تفسيرات داخلية للحالة الإنسانية المتناقضة نتيجة تغول السلطات المتنوعة في التفاصيل اليومية للإنسان العادي فتحول مجراها وتغرقها بالكآبة والذكريات الموجعة والحنين أحياناً.
العمل كما في كل أعمال المخرج محمد بني هاني، لا يكرر مفرداته، لكنه يبقى وفياً لأدواته المسرحية التي انفرد فيها كأسلوبه في طرح رؤاه مسرحياً، لذلك فهي تنتني لمفاهيم مسرحية حداثية وما بعد حداثية.
وسبق للمخرج أن قدمَ عددا من الأعمال المسرحية أثارت جدلاً واسعاً لدى الجمهور والمهتمين والنقاد والوسط الفني، كان أبرزها الجدل الطويل الذي أثاره العمل المسرحي "في السماء" في عرضها الأول في عمّان قبل سنوات، ومن بعده سمفونية وحشية، "لبيروت" التي أيضاً أثارت إشكالية مع المؤسسة الرسمية ودورها تجاه الفن والفنان، الثقب الأسود، كمن يبكي، حكاية جسد، وحيدان في الانتظار، كما قدم وشارك بعدد من الورشات المسرحية في الأردن ودول أخرى في العالم.