حدادين.. ولعبة الترويج لرأس الدبّوس
كتب تامر خرمه
عوضا عن الانشغال بحقيبته ومحاولة إنعاش ما يسمى بالتنمية السياسية، عمد الوزير بسام حدادين إلى ممارسة ذات اللعبة التي برع فيها زميله الناطق باسم الحكومة سميح المعايطة، والتي تتلخص بالترويج للسياسات الرسميّة ونفي كلّ معطيات الواقع.
حدادين تفوق في لعبة نفي الواقع عبر خلق الوهم البديل بدلا من الاكتفاء بتفنيد الحقائق، حيث لم يتردّد وهو يصرّح بكل ثقة بأن الأردن يمضي في الطريق الصحيح للوصول إلى الشكل الأمثل للحكومات البرلمانيّة التي يعزّزها مجلس نوّاب منتخب بـ "نزاهة" ومن خلال كتل برلمانية "برامجيّة".. ومضى الرجل في لعبة التصريحات التي ربما تفاءل بها بعض الحضور خلال لقاء معاليه برؤساء وممثلي الاتحادات الطلابية في الجامعات الرسمية.
ولا ندري كيف قرّر حدادين أن الأردن يمضي في الطريق الصحيح لتشكيل النموذج الأرقى للديمقراطيّة رغم ما يرهق كاهل الواقع السياسي من تكريس للنموذج الصوري للسلطة التشريعيّة، عبر آليّات عمل وقوانين تفتقت عنها ذهنية صنّاع القرار، لتجعل البرلمان حكرا على نوّاب الخدمات وكوتات الضرورة التجميليّة ولوازم الديكور، وإمكانيّة حلّ المجلس النيابي في أيّة لحظة، وتغوّل الأجهزة الأمنيّة على الحياة السياسيّة، والردّ على مطالب الإصلاح بالاعتقال السياسي.. وكلّ ما تمارسه السلطة من تنكّر لمتطلبات المرحلة وتجاهل للإرادة الشعبيّة.
ورغم ما يفيض به الواقع من معطيات تفاقم حالة الغليان الشعبي، يصرّ الرجل على ممارسة ذات اللعبة القديمة والمفضلة لسائر الحكومات المتعاقبة، وهي لعبة الترويج للسياسات المعلّبة الجاهزة للاستهلاك الإعلامي فور إضافة القليل من المفردات التي تقتضيها كلّ مرحلة.. ليزفّ الوزير "المتوفق" نبأ الخطوة الاولى على طريق "الحكومات البرلمانية" ضاربا عرض الحائط بكل الحقائق التي جرّدت الأردنيين من الحدّ الأدنى للثقة في المجلس النيابي.
الوزير نقل في تصريحاته رغبة السلطة بمشاركة كافة القوى السياسية في العملية الانتخابية المقبلة والتي اعتبر أنها ستأتي "تتويجا" لما تمّ إنجازه من "إصلاحات".. ولا يمكن تفسير كلّ هذا الإصرار على مسألة الانتخابات وصناعة البرلمان المجرّد من جوهر الديمقراطية -بعيدا عن أولويّات الشارع الرازح تحت وطأة الغلاء- دون ربط المسألة باستحقاقات إقليميّة تقتضي وجود برلمان متعدّد الطيف السياسي ومنزوع التأثير والدسم وفق القواعد التجميليّة.. تماما كما حصل في انتخابات العام 1993 التي سبقت توقيع معاهدة وادي عربة.
أمّا ما يدعو للضحك في تصريحات حدادين فهو دعوته لمشاركة الطلبة في العمل السياسي رغم التعهدات بعدم الانتماء للأحزاب التي ترغمهم إدارات الجامعات على توقيعها، مكتفيا بالقول بأن هذه التعهدات غير قانونية دون تقديم أي حلول لهذا التجاوز الذي تصرّ عليه الإدارات الجامعيّة.
وفي نهاية الأمر فإن حدادين عبّر عن حقيقة توجهات السلطة التي تصرّ على الاختباء خلف وعودها التسويفيّة دون المضي بأية خطوة جديّة باتجاه الإصلاح والتغيير، وذلك عبر قوله: "علينا السعي نحو التغيير في شتى الظروف والمعطيات حتى لو اضطررنا الى الحفر برأس الدبوس.. فلم اللجوء إلى "الدبوس" لو حقا توافرت الإرادة السياسيّة لإنجاز الإصلاح ؟!
حدادين نسي المنجل والمطرقة والفأس والمعول وكلّ ما كان ينادي به في بدايات عهده بالعمل السياسي، وتمسك اليوم بـ "دبوس" السلطة الذي يدفع باتجاه انفجار هبّة شعبيّة لن يكون بمقدور المركز الأمني السياسي احتوائها، في حال أصرّ على سياساته المستهلكة التي ترفض قراءة الواقع وإدراك متغيّراته..