بيان انتخابي أم إعلان حرب ؟!
وضع حلف “الليكود بيتنا” لحملته الانتخابية، هدفين اثنين: الأول، حث التوسع الاستيطاني في الكتل الكبرى، بخاصة في القدس..والثاني، منع إيران من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن.
ما يهمنا في هذه المنطقة وفي هذا المقال، هو الهدف الأول، أما الهدف الثاني فإيران وحلفاؤها والمجتمع الدولي، كفلاء بالإجابة عمّا إذا كان شعاراً واقعياً أم مجرد هذر دعائي في موسم انتخابي.
الاستيطان يسير على قدم وساق، ولسنا بحاجة لمواسم انتخابية حتى نرى المئات والألوف من الوحدات السكنية والطرق الالتفافية، تطوق عنق الدولة الفلسطينية المُنتظرة وتمنع قيامها..وإسرائيل ماضية بالتوسع الاستيطاني الزاحف، غير آبهة بـ”عتب المحب” الذي يهب عليها بين الحين والآخر من واشنطن، أو ببعض الانتقادات “الأعلى صوتاً” من أوروبا، التي تعرف تل أبيب تمام المعرفة، بأنها أعجز من أن تجلب نفعاً أو تدرأ ضُرا..والأهم من كل هذا وذاك، أن ليس في إسرائيل، لا الآن وفي المدى المنظور، حكومة راغبة بوقف الاستيطان أو تجميده، أو حكومة قادرة على فعل ذلك، حتى وإن توافرت لديها الرغبة والنية.
مشكلتنا تتحول يوماً إثر آخر، إلى مشكلة مع المجتمع الإسرائيلي و”الرأي العام اليهودي” فيها..ليس مع الحكومات ولا الائتلافات المتشكلة من بين كتلها المختلفة...المشكلة مع مجتمع يتجه نحو التطرف الديني و”القومي”، ما ينبئ بأن نتنياهو - ليبرمان، ليسا مجرد “فاصلة” في الحياة السياسية والحزبية الإسرائيلية، بل هما تعبير عن الوجهة المستقبلية التي تتجه نحوها، دولة الاحتلال والاستيطان والعدوان.
لذلك لم أعد (من موقع المتابع للشأن الإسرائيلي الداخلي) أمتلك الشغف بالتعرف على دقائق وتفاصيل الخريطة السياسية والحزبية في إسرائيل..مقعدان زيادة لهذه اللائحة أو مقعد أقل لتلك، بعد أن بات “مكتوب الانتخابات” مقروء من عنوانه...وعنوانه الوحيد الذي لا خلاف عليه، هو أن الائتلاف الذي سيحكم إسرائيل للسنوات الأربع المقبلة، سيكون أكثر “سوءاً” من الائتلاف الحالي.
قبل عشر سنوات، كانت غالبية الرأي العام الإسرائيلي تؤيد قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية..يومها انصب حديث الدوائر السياسية الفلسطينية والعربية والدولية على سؤال: كيف يمكن “ترجمة” هذه الأغلبية الشعبية المؤيدة للسلام، إلى كتل في الكنيست وحكومات تدفع مسار “حل الدولتين..اليوم، وقبل أسبوع فقط، نشرت معاريف نتائج أحدث استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، يُظهر رفض 66 بالمائة من الإسرائيليين لفكرة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، حتى وإن كانت منزوعة السلاح والأنياب والأظافر...فقط 11 بالمائة يؤيدون هذا الخيار...كما تُظهر نتائج الاستطلاع وجود أغلبية إسرائيلية كاسحة مؤيدة للتوسع الاستيطاني، حتى أن البناء في المنطقة “إيه 1” في القدس، المثيرة للجدل والانتقاد الدوليين، وجد دعماً من (51 بالمائة) من الإسرائيليين.
إسرائيل تتغير، شأنها في ذلك شأن مختلف دول المنطقة والإقليم..بيد أن الإعلام الدولي لا يولي هذه المسألة الأهمية التي تستحق، عن قصد أو من دونه..فمن لا يريد لصورة “واحة الديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة” أن تتغير، يعمد إلى طمس الحقائق والمعطيات الخاصة بهذا التغيير..وثمة إعلام منشغل بتغطية صعود الإسلاميين و”أسلمة” الشرق الأوسط، دون أن يجد الوقت الكافي لتتبع وتقصي ظواهر انتشار “الأصولية اليهودية” و”التطرف القومي” في الدولة العبرية...لكن مع ذلك “فإن الأرض تدور” وإسرائيل تتغير، والسلام معها يصبح أكثر استحالة يوما إثر آخر..وحل الدولتين بات وراء ظهورنا، وليس أمامنا..هذه هي الحقيقة الوحيدة المتبقية أمام “الواهمين” و”الحالمين” و”اليائسين” الذين أسقطوا كل خيارات للتعامل مع إسرائيل سوى خيار “التوسل والتسول” وفقاً لنصيحة الوزير القطري إياه.
معنى ذلك، أن لا مستقبل للمشروع الوطي الفلسطيني إن هو اقتصر على سلوك طريق التفاوض الشائكة والعبثية مع عتاة اليمين والأصولية والتطرف في إسرائيل..معنى ذلك أن التفكير بمستقبل السلطة الفلسطينية، يجب أن يلحظ انسداد آفاق تحولها إلى “نواة دولة”..معنى ذلك أن إعادة بناء منظمة التحرير وإعادة إحياء الحركة الوطنية وإعادة بناء التمثيل الفلسطيني في إطارها، هو الخيار الوحيد الممكن والمتبقي أمام شعب فلسطين.
لا خيار أمام الفلسطينيين، قبل الانتخابات الإسرائيلية وبعدها، سوى التفكير من خارج الصندوق...والتفكير من خارج الصندوق سيفضي إلى “سحب” كل صفة سياسية وتمثيلية للسلطة، وإعادتها إلى المنظمة..فلا انتخابات لها معنى لرئيس سلطة هي أقرب للبلدية الموسعة..الانتخابات يجب أن تجري لاختيار رئيس منظمة التحرير ومجلسها الوطني..وقيمة الانتخابات للمجلس التشريعي، تتجلى في تماهيها مع انتخابات المجلس الوطني..ولا حاجة لوزير خارجية وأجهزة أمن متضخمة..كل ما يحتاجه الفلسطينيون في الداخل لا يزيد على وحدات من “الشرطة البلدية” لتنظيم السير وقمع مخالفات الصحة والمرور وحل المشاجرات العائلية...الفلسطينيون بحاجة لجيوش من المناضلين القادرين على استئناف حركة تحررهم الوطني...نقول ذلك وفي أذهاننا “صراع الضواري” على سلطة باتت عبئاً على الشعب وقضيته بدل أن تكون ذخراً لهما.
( الدستور )