د. لبيب قمحاوي : الأردن يحرق المراحل
jo24- قال المحلل السياسي الاردني د. لبيب قمحاوي ان:" التطورات الأخيرة في الأردن ،بدأت تأخذ مساراً أكثر وضوحاً، وإن كان أكثر وعورة وخطورة مما يتوقعه الكثيرون.
وحذر من وجود نية لدى :"الحكم في الأردن وقف الحراك الشعبي، ووقف مطالب الإصلاح، ووقف محاربة الفساد بأسرع ما يمكن".
ووصف د. قمحاوي ما يحدث على الارض الاردنية ،في مقالة نشرتها صحيفة القدس اليومية الصادرة في لندن وقال:"ثورة النظام من فوق على الحراك الشعبي من تحت قد ابتدأت. أي نحن بصدد ثورة بالمقلوب، والفرق واضح، فالشعب الأردني يريد الوصول إلى أهداف، والنظام يريد منع الوصول إلى تلك الأهداف. معادلة ليست غريبة ولكنها بالتأكيد محزنة. فهي بمثابة الإعلان عن فشل القدرة على التحاور بين الشعب والنظام، وافتقار النظام لأية نية للاستجابة للحراك الشعبي السلمي باتجاه الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد".
ويرى قمحاوي الناشط في مجال حقوق الانسان في الاردن والعالم إن :"إعادة إنتاج مرحلة الحراك الشعبي والإصلاح السياسي وإنجازاتها، على تواضعها، هو عنوان المرحلة المقبلة في الأردن. فالتطورات الأخيرة تتلازم مع محاولات جدية، وإن كانت خفية، للولوج في مسار جديد يهدف إلى إعادة ترجمة الإصلاحات السياسية بشكل يجعل منها مجرد عناوين جديدة للواقع القديم . هدف النظام إذاً هو العمل على تحويل مسار الإصلاح السياسي إلى مجموعة من العناوين الإصلاحية الفضفاضة مع الإبقاء على الوضع القديم كما هو.
ومن أجل ذلك، فإن هنالك قاعدتين تشكلان الآن عماد تفكير النظام وأسلوبه في محاولة تسويق رؤيته للمرحلة القادمة خارجياً وداخلياً. فالنظام يسوق نفسه خارجياً باعتباره نظام حكم غير دموي ومسالم، زاعماً أنه وخلال مسيرة الحراك الشعبي والإصلاح، لم تتم إراقة نقطة دم واحدة، وأنه يسمو بذلك على باقي الأنظمة في المنطقة، ويحق له بالتالي أن يطالب كافة القوى الخارجية باعتبار نواياه تجاه الإصلاح صادقة، وأن يتم التعامل معه على هذا الأساس بغض النظر عن التطورات العنيفة التي قد تحدث في الأردن في المستقبل القريب تحت ستار الإدعاء بأن بعض قوى الحراك الشعبي الإصلاحي هي قوى تخريبية يجب وضع حد لها.
أما على الصعيد الداخلي فيلفت د. قمحاوي الى ان :" النظام استطاع الالتفاف على مطالب الإصلاح بمهارة أدت إلى الخروج بإصلاحات دستورية عجيبة ومعقدة من خلال لجنة شكلها النظام بنفسه. ونفس الشيء ينطبق على لجنة الحوار الوطني التي خرجت بتوصيات تتعلق بقوانين الأحزاب والانتخاب لتكتشف أن لا موقع دستوريا أو قانونيا لها، وأن توصياتها تعتبر بذلك غير ملزمة لأحد، وبالتالي تم وضع تلك التوصيات على الرف وتم بذلك الهاء الناس وخداعها لعدة أشهر كسبها النظام لنفسه كفترة هدوء. ومؤخراً قام الحكم بمحاولات التفافية خطيرة ومستمرة على ملفات الفساد تم من خلالها التعامل مع ملفات الفساد البسيط بإسهاب ودفن ملفات الفساد الكبير مثل شركة موارد وشركة الفوسفات. كل ذلك لم يكف. ما يـريـده النظام الآن هو إفشال محاولات الحكومة الحاليـة - وهي الوحيدة في عهد الملك عبدالله الثاني التي تصدت لموضوع الولاية العامة-لاستعادة ولايتها العامة الدستورية. ومن ثم الاستمرار في استعمال مؤسسات الدولة الرقابية والدستورية، مثل مجلس النواب، للالتفاف على ملفات الفساد الكبير، كما حصل مثلاً لملف شركة الفوسفات وملف الكازينو، وشركة موارد التي تم وقف ملفها حتى عن التداول ولم يعد أحد يسمع به. ما يريده النظام الآن هو وضع مفهوم جديد لمعنى الإصلاح ومداه. إن اللجوء إلى سلاح استنفار بعض قوى المجتمع بتشجيع ودعم من الدولة ضد الحركات المطالبة بالإصلاح، والإدعاء بأن ذلك من تجليات الديمقراطية، هو أمر في غاية الخطورة كونه يخاطر بالسلم الأهلي ووحدة المجتمع من أجل المحافظة على مكتسبات النظام وحماية الفساد الكبير.
يدور النظام الأردني الآن في حلقات من شأنها أن تعيد خلط الأمور بطريقة يفقد فيها المواطن القدرة على استيعاب ما يجري واستشراف ما سيجري بشكل سليم. فالنظام الآن يلعب لعبة خلط الأوراق بين الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد من جهة، ولقمة العيش وارتفاع الأسعار من جهة أخرى. الهدف من هذا الخلط واضح، فالنظام يريد أن يفرض على المواطنين الاختيار بين الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد أو لقمة العيش والسيطرة على ارتفاع الأسعار. وبذلك يكون النظام قد وضع الحكومة في أتون من نار. فبعد أكثر من عقد من الفساد المالي والإداري وسرقة مال الشعب والتلاعب بأصوله وبيعها حصدت حكومة عون الخصاونة تراثاً من نار . وكل من يحرث النار لا يحصد إلا الرماد. ماذا تفعل حكومة بلا حول ولا إمكانات ولا مصادر ولا قدرة على التصدي للفساد الكبير أو استرجاع المال العام المنهوب؟ وهنا يكمن المخطط. الجزء الأول من المخطط يتمثل في إلهاء الناس عن قضايا الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد بالسعي اليومي الجاهد من أجل لقمة العيش وبشكل يجعل من السيطرة على الغلاء وارتفاع الأسعار أولوية تفوق في أهميتها مطالب الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد. أما الجزء الثاني من المخطط فيتمثل في تأزيم الوضع الحكومي وبيان عجز الحكومة على السيطرة على الغلاء وارتفاع الأسعار وإشغال الحكومة بالتالي بهذه القضايا عوضاً عن قضايا الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد. وفي ظل هذه الحكومة المنهكة يقوم النظام باسترداد القليل الذي فقده من الولاية العامة لصالح الحكومة، ويتم ذلك من خلال إعادة العمل بالمكرمات الملكية كوسيلة وحيدة لوقف زيادات الأسعار أو لرشوة الناس من خلال إجراءات وقتية ترضي الناس وتخفف من الاحتقانات الحياتية من خلال تأجيل المشاكل عوضاً عن حلها.
أولويات النظام إذاً هي النظام نفسه في حين أن أولويات الحراك الشعبي هي الوطن. لا أحد يريد خصاماً بين الاثنين، ولكننا نريد وقف كل المحاولات الهادفة إلى العودة إلى الخلف. إن الذين يريدون أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من فساد اقتصادي وتسيب سياسي وحكم الشللية والاستهتار بالمواطن باعتباره كماً لا قيمة له هم نفس الذين استفادوا من الفساد المالي والإداري في الحقبة الماضية. الأغلبية الواضحة من الشعب لا تريد ذلك . إذاً المطلوب هو التقدم إلى الأمام وليس التقهقر إلى الخلف، ومن أجل ذلك علينا أن نعي ما يجري من حولنا وأن ننظر إلى داخلنا أولاً ومن ثم ننظر إلى ما يحيط بنا. لا يوجد أي عذر لأي مواطن أردني في القبول بما هو أقل من حقوقه كاملة، إذ لا أحد فوق الوطن.
من الصحيح القول بأن الحراك الشعبي في الأردن لم يصل إلى مستوى الثورة، وأنه بالتالي كان أضعف مما جرى في دول عربية أخرى. ولكن هذا لا يعني وجود أي ضعف أو شطط في المطالب الإصلاحية الأردنية أو أن تلك المطالب لا تعبر عن رأي غالبية الشعب. إن مستوى وقوة الحراك الشعبي الأردني هما محصلة عوامل عدة يعود جزء منها إلى بنية المجتمع الأردني وخصوصيته، ويعود الجزء الآخر إلى غياب التنظيمات الحزبية والسياسية نتيجة الهجمة الوحشية للنظام على مدى نصف قرن على الحياة السياسية والأحزاب السياسية باستثناء حركة الإخوان المسلمين، مما خلق فراغاً سياسياً قاتلاً لا يمكن تعبئته من خلال قرارات فوقية وبواسطة وزارة تنمية سياسية.
إن ألف أردني غير منظمين حزبياً يخرجون في مظاهرة إصلاحية وبمبادرة ذاتية يعادلون عشرة آلاف حزبي يتظاهرون بشكل منظم بناءً على قرار حزبي ملزم. وهذا لا ينتقص من قيمة وأهمية الأحزاب السياسية ودورها، بقدر ما يوفي جماهير الشعب حقها. هذا كلام لا يفهمه النظام ولن يفهمه. ولذلك، فإنه لمن غير الحكمة أن يقيس النظام ومؤسساته قوة الحراك الشعبي بالأعداد المشاركة فقط. فالعواطف الإنسانية المواكبة لتلك المسيرات تمتد في عمق المشاعر والقلوب الأردنية، وإذا ما امتدت يد البطش إلى تلك الحراكات الشعبية والشبابية فإن العواقب ستكون وخيمة سواء جاء ذلك عاجلاً أم آجلاً.
ودعا د. قمحاوي الى :"فهم واستيعاب مطالب الشعب، وفي التعامل معها باعتبارها مؤشراً حقيقياً على ما يريده الشعب، وليس مؤشراً على معاداة النظام. النظام الذكي هو الذي يلتحم بشعبه ومطالب شعبه، وذلك لا يعني العودة إلى سياسة المكرمات، بل يعني احترام حقوق الشعب وتطلعاته وآماله والشعور بآلامه، واحترام غضبه عندما يُعَبِّر عن ذلك بمطالب ملحة ولكن سلمية في الإصلاح ومحاكمة الفساد والفاسدين."
والرد - بحسب المقالة-لا يكون بالالتفاف على الإصلاح وحماية الفساد والفاسدين، حتى ولو كانوا من الأقارب أو الأنسباء. وقد يكون ما يقال بأن الشيطان يكمن في التفاصيل صحيحاً، ولكن في حالة الفساد الكبير في الأردن فإن الشيطان ،على يبدو، يكمن في كل مكان. إن من يفشل في قراءة الإشارات الصادرة عن الشعب وفهم مدلولاتها لن يكون قادراً على استيعاب مستلزمات المرحلة المقبلة. والقول بأن الشعب لا يريد أن يضحي أو يدفع الثمن وفي المقابل يريد كل شيء، هو قول مردود على أصحابه. فكل ما يريده الشعب هو في الأصل ملك الشعب، وهو استرداد لحقوق مسلوبة وليس استيلاءً على مكتسبات النظام أو سلبها. أما الحديث عن كون الشعب ليس على استعداد للتضحية فهذا أمر مضحك.
فإذا كان الشعب يسلك مسلكاً سلمياً وغير دموي فهذا مدعاة للفخر، وهذا الأسلوب السلمي هو بالضبط ما استعمله النظام لتسويق نفسه خارجياً باعتباره نظاماً غير دموي. والسلوك السلمي للحراك الشعبي الأردني لا يعني ضعفاً ولا يجب أن يتم تفسيره بأنه 'قصر ذيل'، بل على العكس هو انعكاس للقوة الكامنة في قلوب الناس، والتي تسمح لهم بالتعبير عن مطالبهم بأسلوب حضاري وسلمي، حماية للوطن وخوفاً عليه.
'