معروف البخيت: ملفات اللاجئين والقدس والحدود والمياه قد تصبح محل مساومة بين قوى عديدة
جو 24 :
البخيت يدعو إلى إعادة قراءة التاريخ الأردني ومواصلة عملية التوثيق
دعا رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور معروف البخيت، إلى إعادة قراءة التاريخ الأردني وتكثيف الدراسات والأبحاث ومواصلة عملية التوثيق، التي من شأنها إبراز الشخصية الوطنية الأردنية، المنتمية لأمتها وثقافتها، والمتمكنة من سلاح الوعي في مجابهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
جاء ذلك في محاضرة ألقاها في الجامعة الأردنية ضمن احتفالاتها بذكرى تعريب قيادة الجيش العربي ومعركة الكرامة الخالدة،حضرها رئيس الجامعة الدكتور عزمي محافظة وعدد من أعضاء الهيئة التدريسية وطلبة، قائلا إن هذا البلد وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، ولن يكون إلا في المقدمة دفاعا عن مصالحه وثوابته وعن قضايا أمته العادلة.
وعرج البخيت في محاضرته على هاتين المناسبتين قائلا إن شهر آذار ارتبط في تاريخ الأردن والأردنيين بأحداث كبيرة وخالدة ومهمة لا بد من إعادة قراءتها وتسليط الضوء عليها ضمن ظروفها التاريخية وبمقتضيات زمانها.
وقال إن قرار تعريب الجيش قد تجاوز في حيثياته وسياقه الإعلان السياسي؛ فكان عملية متكاملة، تطلبت إرادة سياسية مبادرة، وقرارا شجاعا وتنفيذا احترافيا، مضيفا أنه مثّل حلقة من حلقات استكمال استقلال الأردن التي بدأت عام 1923، والاعتراف بالإدارة المحلية لشؤون البلاد.
وتابع البخيت أن استقلال الأردن عملية مستمرة ومتصلة، تتأكد بالمواقف والإنجازات، موضحا أننا اليوم نواصلُ مسيرةَ الاستقلال، خلف قيادة الملك عبد الله الثاني، في واحدة من أصعب المراحل التاريخية التي تشهدها أمتنا، نجابهُ التحديات ونحمي منجزاتنا ونصونُ أمننا الوطني، ونزهو بقواتنا المسلحة الأردنية، وبالتفاف الأردنيين الواثق والمطمئن، حول قيادتهم الهاشمية.
وذكر أن قرار تعريب الجيش في حينه، تطلب أعلى قدر من الشجاعة، ليس فقط فيما يخص العلاقة مع بريطانيا العظمى؛ ولكن، أيضاً، بالنظر إلى التهديدات التي كانت تعصف بالأردن في حقبة الخمسينيات، والتي استدعت من بعض السياسيين الوطنيين آنذاك، أن يبدوا تخوّفهم إزاء قرار كهذا من شأنه أن يرفع الحماية العسكرية والسياسية البريطانية عن البلد، وفي ذروة الاستهدافات المحيطة. لولا أن ثقة الحسين القائد، بشعبه وبجيشه، كانت هي الرهان الحقيقي الذي أثبت دقّته.
وزاد البخيت أن قرار تعريب الجيش، جاء في وقت كان الأردنُ أحوجَ ما يكون فيه للمعونة الاقتصادية البريطانية، في ظل غياب بدائل عربية أو دولية. ومع ذلك، اتخذنا قرارَنا الذي أملته علينا مبادئُنا ومصالحُنا العليا، بمعزل عن الاعتبارات المالية، على أهميّتها.
وأشار إلى أن الأوراقُ المفرجُ عنها حديثاً والمراسلاتُ السياسية والدبلوماسيةُ تكشف معلوماتٍ وتفاصيلَ مهمةً، عن قرار تعريب الجيش، وسياقه وظروفه، وكلُها تؤكد أن هذا القرارَ التاريخيَ مثّل مفاجأةً كبيرة، بلغت حدَّ الصدمة، للمسؤولين البريطانيين من دبلوماسيين وعسكريين، حيث اتسمَ بالسريّة التامة.
وقال البخيت قد سعت جهاتٌ عديدةٌ للاستدراك، وثني الحسين عن متابعة القرار، والسماح بعودة الجنرال جلوب، وهو ما جابهه الحسين بشجاعة ورفضه، وقد تمسّك بقراره بعد صدوره، ضمن ظروفٍ إقليمية ودولية شائكة ومعقدة، مع تحدياتٍ جسيمةٍ ألقت بظلالها على الأردن.
وحول معركة الكرامة، قال البخيت لا بد من استحضار الظرف التاريخي الذي جاءت ضمن سياقه؛ حيث كانت قواتنا المسلحة، قد خرجت للتوّ، من هزيمة لا تستحقها، هي هزيمة الأمة العربية، التي استُدرِجت إلى الحرب، تحت ضغط فلسفة التوريط والخطابات الرنانة، متسلحةً بالإعلام والهتافات والوعيد، بدلاً من العتاد والخطط والجيوش.
وكانت هزيمة عام 1967م، بالفعل، جرحاً عميقاً في وجدان الجيش العربي، الذي أبلى البلاء الأفضل، وقدم التضحيات المشهودة. وهو نفس الجيش الذي سبق له وأن حقق الانتصارات الميدانية الوحيدة، عام 1948م، محافظاً على القدس وأراضي الضفة الغربية، مؤسساً للحق الفلسطيني، الذي قامت على قاعدةٍ منه قراراتُ الشرعيةِ الدولية.
وتابع خضنا الحربَ، انسجاماً مع الموقف العربي، وتولى قيادةَ قواتِنا المسلحة، بموجب اتفاقيات الدفاع المشترك، الفريقُ المصري عبد المنعم رياض.
ونقل البخيت شهادة للشهيد وصفي التل كسياسي وعسكري محترف، حول هزيمة 1967، لاستحضار اللحظة التاريخية التي جاءت فيها الكرامة، بعد أقل من 10 شهور على هزيمة حزيران، هذه المعركة، التي قرر فيها جيشنا العربي أن يعيد فيها الكرامة للمؤسسة العسكرية العربية، وأن يبرهن، بالفعل وبالدم وبالنصر، أنه لم يكن يستحق أبداً اندحار حزيران.
ولفت إلى ما كُتب من قراءات ومراجعات للهزيمة المرة، قائلاً إن ما كتبه وقدّمه الشهيد التل هو الأهم، كونه شاهدَ عيان، ومشاركاً ذا رأي واضح، في أبرز النقاشات التي سبقت دخول الحرب، وأثناءها، ولا ننسى دورَه، مع المرحوم عاطف المجالي في إعداد خطة "طارق"، التي تخلت عنها قيادة الفريق رياض، وتسببت بضياع الضفة الغربية.
وأوضح البخيت أن أداءَ الجيش العربي في معركة الكرامة، ونمطَ القتال غير الكلاسيكي الذي خاضه بنجاح، وبطريقة كبّدت العدو خسائرَ غير متوقعة دفعته للانسحاب؛ قد أسّس، تالياً، لنمط جديد في أداء الجيوش العربية، وفي الاشتباك مع العدو، فبدأت منذ ذلك العام "حرب الاستنزاف"، والتي اعتمدت النمط القتالي ذاتُه الذي اعتمده جيشُنا في تصديه للعدو..
وفي السياق نفسه، فقد لاحظ الاسرائيليون من دراساتهم لتاريخ ومجريات الحروب العربية- الاسرائيلية، أن الأداء العسكري العربي، في المعارك الدفاعية والثابت يكون جيداً؛ بينما، يختلف وضعه القتالي تماماً في المعارك المتحركة. لذا ركز الاسرائيليون على الطائرة والدبابة، واعتمدوا المعارك المتحركة باستخدام تشكيلات الدروع مع تأمين السيطرة الجوية.
وبهذه الاستراتيجية تمكن الاسرائيليون من اجتياح شبه جزيرة سيناء في أيام معدودة في حربيّ عام 1956 و1967.
أما في حرب الكرامة، فقد واجه الأردنيون تفوق الدروع الإسرائيلة بمجموعات صغيرة من قانصي الدروع (2-3 افراد) تم تشكيلها من مرتبات المشاة، في محور وادي شعيب، بالانتشار بين المزارع في الشونة الجنوبية، والتمركز والكمون حتى تصل الدبابات لمدى أسلحتهم، فأوقعوا خسائر غير مسبوقة في دروع وآليات الإسرائيليين.
وهكذا، التقط العسكريون المصريون بذكاء ما حدث في الكرامة، وتبنوا هذه الفكرة وقاتلوا بالمجموعات الصغيرة لقانصي الدروع، حيث تمكنت قوات المشاة المصرية في حرب عام 1973 من تدمير لواء مدرع اسرائيلي وأسر قائده بوقت قصير، وباستخدام هذا الأسلوب.
وذكر أن من ثمار معركة الكرامة الرئيسية؛ إطلاق العمل الفدائي، وبداية مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية غير الكلاسيكية مع العدو.. وقد استطاع جيشُنا العربي في الكرامة، أن يمنع العدو من تحقيق هدفه العسكري المباشر باجتثاث قواعد الفدائيين والقضاء عليها نهائيّاً، وقدم الفدائيون صوراً من التضحية والإقدام في المواجهة، التي تكرّس بعدها العملُ الفدائي كقوة على الأرض، تحول دون تصفية القضية الفلسطينية، واستغلال موازين القوى الناشئة عن هزيمة حزيران، لتكريس الهزيمة في مستوايات أخرى.
من جهة ثانية، قال البخيت إن المنطقة شهدت تغيراتٍ عميقةً خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونجم عنها واقعٌ جديدٌ لا بد من قراءته في ضوء هذه التحولات.
وأضاف أن الملفَ الفلسطيني كان الأكثر تأثراً بفعل الارتباط العضوي بين القضية الفلسطينية وسائر قضايا وتطورات الأحداث في المنطقة عموماً، وهو ما نبّه له جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً وتكراراً، مشدّداً على أولوية أن تبقى القضيةُ الفلسطينية القضيّةَ المركزية، وأن لا تلفت التطورات المتتالية في اكثر من مكان في الشرق الأوسط النظرَ والاهتمامَ عن القضية الفلسطينية.
وأوضح أن هذه القضيةَ المحوريةَ تواجه اليوم جملةً من التحديات الجسيمة، فاستمرار الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني هو أخطرها وأكثرها ضرراً على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وعلى المصالح العليا للدولة الأردنية في ذات الوقت.
وتابع أنه بعد مضي أكثر من عقد على الانقسام بين الضفة وغزة، أدى إلى نشوء واقع سياسي جديد في قطاع غزة الذي تحوّل الى إحدى ساحات المنافسة السياسية بين الدول الإقليمية.
وأشار إلى إن إعادة الوحدة الوطنية، جغرافياً وسياسياً، للشعب الفلسطيني، لم تعد في يد التنظيمات والفصائل الفلسطينية نفسها. ولكنها باتت مرتبطة بالتسوية النهائية في المنطقة، بحيث باتت إعادة الوحدة الفلسطينية مرهونةً بتوافق إقليميٍ وبإطار صفقاتٍ كبرى، وهو ما ليس من المتوقع حدوثُه بالمدى المنظور.
وقال إن الانقسامُ الفلسطيني– الفلسطيني ألحق أذى بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبمسألة التمثيل الفلسطيني، وكذلك، بجوهر العلاقة بين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي والإقليمي. مشيرا إلى أننا بدأنا نسمع عن خيارات سياسية بدلاً عن الخيار الواحد، وبلغ الأمرُ في بعض الحالات حدَّ الاندفاع المباشر باتجاه الخيارات الإسرائيلة أو خيارات الصراع بين أطرافٍ إقليميةٍ وأطراف عربية.
وأوضح البخيت أن الملف الفلسطيني في بعض القراءات بات مرهوناً بمجريات العلاقة الأمريكية– الإسرائيلية، وبالمخاوف من طروحات الإدارة الأمريكية الجديدة المتعلقة بالتخلي عن خيار حل الدولتين أو نقل السفارة الأمريكية الى القدس؛ ما يعني إطلاق يد اسرائيل وتفردها بالضغط على السلطة الفلسطينية لحملها على قبول الحلول الإسرائيلية.
وتابع أن الإطار السياسي للحل لم يعد هو تسويةٌ شاملةٌ للصراع العربي – الاسرائيلي عبر آليات تفاوض متعدد الأطراف، مؤكدا أن مصالح الدول العربية المتصلة بالحل، أصبحت مهددةً بأن تغيب عن الطاولة؛ وقد تتحول إلى مجرد أوراق تفاوض بين الاسرائيليين ومَنْ يقابلهم من الفلسطينيين وحسب.
وبين أن الفلسطينيين هم الآن بأضعف حالاتهم، بسبب الانقسام وغياب الظهير العربي، وواقع الأمة العربية وصراعاتها.
كما أكد البخيت أن الحل الشامل للقضية الفلسطينية، على قاعدة من قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات العملية السلمية، أصبحَ أبعدَ من أي وقتٍ سابق، رغم أننا نرى فيه صيغة حصرية ووحيدة للحل العادل والمقبول، في ظل الانقسامُ الجيوسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وضمن الواقع الإقليمي والتطورات الأخيرة.
وقال إن ذلك لا يتيح إلا حلاً جزئياً للصراع، ما يضعف من الموقف التفاوضي للسلطة الفلسطينية، وقد يفتح البابَ واسعاً لجملة من التسويات على الملفات الحيوية الكبرى وهي: الأمن، اللاجئين، القدس والمياه، دون مراعاة منصفة لمصالح الفلسطينيين، وبما يضرُّ جوهرياً وبالصميم بالمصالح الوطنية الأردنية العليا، المرتبطة بملفات الحل النهائي.
كما أكد أن أكبر خطر يواجه القضية الفلسطينية، والمصالح الأردنية العليا، على حد سواء؛ هو الشروع بحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ثنائياً.
وشدد البخيت على أن المصالح الوطنية الأردنية العليا، والمتمثلة بملفات اللاجئين والقدس والحدود والأمن والمياه، قد تصبح محلَ مساومةٍ وتفاوض بين أطراف وقوى عديدة غير معنية، وهذا ضد المصالح الأردنية.
وكان محافظة قد قدم البخيت في مداخلة عرج فيها على سيرته الأكاديمية والمهنية والعسكرية والسياسية، وذكر بعض الإنجازات والمشاريع التي تم تحقيقها خلال توليه رئاسة الحكومة لمرتين.