درس دبلوماسي من منهج خادم الحرمين الشريفين
جو 24 :
كتب سفير خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الأمير خالد بن فيصل بن تركي آل سعود -
عندما تشرفت بالمسؤولية التي منحها لي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- كممثلٍ لمقامه الكريم في الشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية -قبل عام ونصف- بدأت أراجع التجارب الدبلوماسية السعودية السابقة كمُرشدٍ لابد منه لمعرفة مواقع النجاح والفشل في هذا المجال الحيوي والهام، والحقيقة انني وجدت الكثير من التجارب الناجحة والمفيدة.
العمل الدبلوماسي فن اصطياد الفرص وصناعتها، والدبلوماسي الناجح هو الذي لا يكون نجاحه روتينياً بارداً وتلقائياً، يجيد حفظ الاجراءات وينفذها فقط، بل الناجح من يمتلك القدرة على الخروج عن إطار التقليدية الى مناخات الابداع والتفرد.
زيارة سيدي خادم الحرمين الشريفين الآسيوية كانت من تلك الدروس المُلهِمة للدبلوماسي لتعلم فن الخروج عن إطار التقليدية الى إطار الابداع، ففيها من فن صناعة الفرص الكثير، والتي تُغني عن قراءة مئات الادبيات الدبلوماسية.
سيدي خادم الحرمين الشريفين اختط منهجاً في السياسة يعتمد على المدخل التاريخي لفهم مجريات الأحداث والتعامل معها، قاعدة هذا المدخل الدين الاسلامي والتاريخ السعودي، ففي مدرسته؛ يجمع الدين الاسلامي بين المصلحة والقيم الاخلاقية العالية، ويكون التمسك بثوابت الدين مصلحة لا يفهمها الا من شهد أن لا الله الا الله، عقيدةً وسلوكاً.
زيارة مقامه الكريم الآسيوية تُفصح عن شخصية اسلامية تعمل من اجل الدين، ونشر ثقافة الاعتدال في كل بلاد الدنيا، لذا كان الدرس الدبلوماسي الذي يجب أن يَحرص على تعلُمه من يعمل في السلك الدبلوماسي هو أننا دولة ذات عقيدة معتدلة لها مصالحها في أكثر بلدان العالم، لكن الطريق لتحقيقها هو التمسك بثوابت الدين واحترام الآخر، نحترم أتباع الأديان لأن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم قال : « من عادى ذمياً في الدنيا أنا خصمه يوم الآخرة «، في مقابلته لرجال الدين المسلمين في الدول الاسلامية أراد مقامه الكريم توصيل معانٍ سامية من وصية خاتم الانبياء ألا وهي العدل، والرحمة، والمشاركة الانسانية القائمة على حفظ كرامة البشر وحقوقهم، وأن من فَهِم دين الله أنصف عباده عدلاً ورحمةً وتعاملاً.
الجمع بين الدين والتاريخ -فهماً ودراسة- تُمكِّن كل متابع للشؤون السعودية من فهم سياستنا، كما تساعده على مد جسور التواصل معنا باحترام طاهر لا يقبل الدسائس والدنس، الدين هو ما يمنعنا من التدخل في شؤون الآخرين -الا بالتي هي أحسن-، وهو من يضمن تحقيق المصالح دون الاعتداء على حق أحد. ديننا كما عرفناه من سيدي خادم الحرمين الشريفين هو دين حضارة وسياسة، وهو الإسلام الذي سبق كافة تشريعات الحقوق المدنية للبشر في تجريم العنصرية، وهو الذي امتد بسماحته للمشرك والذِمي والعدو، وأعطاهم كافة حقوقهم الانسانية دون أن يكون في ذلك انتقاصاً لقيمِه السمحة الراقية، ديننا هو الاطار الذي تتحرك فيه سياستنا ومصالحنا وحضورنا الثقافي والانساني.
سيدي خادم الحرمين الشريفين اعطى في جولته الاسيوية للدبلوماسي السعودي -قبل غيره- درساً في التعامل مع البيئات المختلفة معنا لغةً وثقافةً وعاداتٍ ودين، وعَرَفنا منه –أمدَّ الله في عمره- أن التضحية لا تكون إلا في المصالح وليس في العقيدة، وأن الاعتدال مطلب حضاري للدين الاسلامي قبل أن يكون مبدأً سياسياً، وأن التاريخ دائماً ما ينصف وينصر أصحاب الثوابت والقيم على أصحاب المصالح المؤقتة، ليست هذه مثالية مفرطة، ولكنها طبيعة سياسة سعودية تقوم على بناء المصالح المشتركة مع الغير، وفق منهج تعلمناه من سيدي خادم الحرمين الشريفين -أيَّده الله- وسوف نحرص على الأخذ به، والتعامل مع الآخرين وفقاً لما تشرَّبناه من مبادئ ديننا الاسلامي المعتدل.
* سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة الأردنية الهاشمية