إلى الوزير الرزاز.. وعن أحجية تعديلات المناهج الأخيرة ونظرية المؤامرة
جو 24 :
أحمد الحراسيس - يمتلك وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز رؤية اقتصادية متميزة وثاقبة جعلت كلّ من يعرفه يُجمع على قدراته الاقتصادية، وبالرغم من كونه إداري ناجح جدا غير أن هذا الأمر لا يعني نجاحه بقيادة وزارة "توجيهية" بحجم وزارة التربية والتعليم.
نعلم جيّدا أن المناهج والمعلمين هي أبرز أدوات التوجيه، ولكن الوزارة قد تنازلت عن طرف المعادلة الخاصّ بها عبر اخراج تدريب المعلمين من مظلتها وبعد ذلك الاستغناء عن صلاحية وضع وتطوير المناهج، وربما لو كان الرزاز أحد أبناء الوزارة لأدرك حجم وخطورة ومعنى سلخ ادارة المناهج عن وزارة التربية والتعليم، وقاوم ذلك الأمر بشدّة، على عكس ما يفعله الآن؛ فالمناهج هي عصب الوزارة وسحبها يعني تفريغ الوزارة من مضمونها..
ويقول الرزاز إن الوزارة ستبقى صاحبة صلاحية فيما يتعلق بالمناهج وتطويرها، ولكنه تناسى أن دور الوزارة سيقتصر على "اقرار تلك المناهج في لجنة التربية"، ونحن نعلم كيف يجري ذلك، في حين ستعمل لجان خاصة خارج جسم الوزارة على تحديث المناهج قبل أن يجري اقرارها من قبل المجلس التنفيذي للمركز الوطني لتطوير المناهج ويتم ارسالها الى مجلس التربية والذي يتكون في الأصل من أعضاء في "المجلس التنفيذي للمركز".
الأمر الثالث والذي يعتبر مشكلة اضافية، هو تفريخ هيئة مستقلة جديدة تابعة لوزارة التربية والتعليم، لتنضمّ إلى شقيقاتها من الهيئات المستقلة التي جاءت بهدف فكفكة مؤسسات الدولة وتنفيع بعض الأشخاص وحفظ مراكزهم.
الوزير الرزاز وإذا ما أراد ترك بصمة ايجابية في قطاع التعليم العام مطالب بمواصلة الاستماع للخبرات والكفاءات التي سبق وقضت أعواما وعقودا طويلة في مجال التعليم والمناهج، ولا بدّ له من ادارك خطورة سلخ وتفريغ الوزارة من مضمونها وتحويلها إلى جسم تنفيذي فقط. وعليه أيضا التفكير بآليات بديلة عن انشاء وحدة مستقلة لـ"تطوير المناهج" حتى لو استلزم الأمر اتخاذ موقف حازم بإعلان ضرورة مراجعة توصيات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، خاصة في ظلّ وجود ملاحظات كثيرة عليها.
لا بدّ للرزاز أيضا التفكير بجدوى سلخ ادارة المناهج عن الوزارة، واذا ما كانت الهيئة الجديدة واللجان التي ستعنى بتغيير المناهج قريبة من الميدان وقادرة على تلمّس احتياجات الطلبة وقدراتهم أم لا، وما هي المواد التي سيتم تطويرها والمضامين التي سيجري حذفها أو اضافتها وهل ستكون على غرار تعديلات المناهج الأخيرة مقتصرة على تفريغ المواد الانسانية من الآيات والأحاديث والدلائل الاسلامية والقومية والوطنية أم أنها ستكون مخصصة لتطوير المناهج العلمية فقط؟ وهل ادارة المناهج الموجودة في الوزارة أصبحت غير قادرة على تطوير المناهج رغم أنها تميزت بذلك على مدار العقود الماضية -باستثناء السنوات الأخيرة التي أصبحت تشهد تدخلات خارجية في قطاع التعليم-؟!
الواقع إن ما يجري حاليا يدفعنا للتفكير فيما إذا كانت تعديلات المناهج الأخيرة قد جاءت مشوّهة بشكل متعمد حتى يتهيأ الرأي العام لفكرة "فشل وزارة التربية والتعليم بقيادة ملف المناهج، وضرورة سحب المناهج من مظلتها".. وهذا ما نعتقد أنه خطير جدا ومقامرة تستوجب المراجعة والبحث والمساءلة.
ربما يكون الوزير السابق الدكتور محمد ذنيبات قد استجاب لضغوطات أو تلميحات بوجود رغبة لاجراء التعديلات الأخيرة على المناهج، ولكن يبدو أن الهدف من تلك التلميحات كان ايقاع الوزير السابق في الفخّ وخلق رأي عام ضدّه بعد النجاحات الكبيرة التي سجلها وحقق من خلالها شعبية واسعة جعلت من الاطاحة به أمرا صعبا..