"موناليزا" من عصرنا الدامي: نحن قومٌ نبتسم في الحرب
منذ حوالي أسبوعين، وتحديداً بتاريخ 16 آذار 2017، نشرت "رويترز" تقريراً عن الحرب التي تخوضها القوات العراقية ضدّ تنظيم "داعش" في الموصل تحت عنوان "القوات العراقية تحاصر الدولة الإسلامية في مدينة الموصل القديمة". صورٌ عدّة لنازحين من المنطقة أُرفقت مع الخبر، ومن ضمنها صورة لفتاة صغيرة، عنونت بالآتي: "فتاة عراقية نازحة فرّت من منزلها، تبكي أثناء معركة بين القوات العراقية ومسلحي الدولة الإسلامية بالقرب من بادوش.."
على رغم الوجوه الكثيرة لمأساة رهيبة وثّقتها عدسة المصوّر، وحده وجه تلك الصغيرة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بحيث باتت تلك الصورة صرخة وجع وتضامن أطلقها المستخدمون. اللافت، أنّ معظم هؤلاء (روّاد السوشيل ميديا) علّقوا، لدى نشرها، مؤكدين أن "تلك الفتاة وجدها مصور "رويترز" وطلب منها أن يصورها فابتسمت وهي تبكي". ثمة من أعاد نشر الصورة مع سمة تؤشر إلى انها نازحة من سوريا، واصفاً إياها بـ "الموناليزا".
ماذا يعني كلّ هذا؟
يعني، أنه سيّان ما إن كانت تلك الطفلة قد ابتسمت وهي تبكي من أجل صورة تظهر في الإعلام، أو إن كانت ملامح المأساة في تلك الثانية وُثقت في ذروتها، فبدت الصغيرة ضاحكة. النتيجة واحدة. الطفلة تبكي. وهي مرتعبة.
متدفقة هي دموع أطفال الوطن العربي. من سوريا إلى العراق واليمن وفلسطين المحتلة وحتى لبنان، الجرح واحد وما انفكّ يتوّسع. نيران الحروب في المنطقة تتأجج، والوقود تسكبه دولٌ كبرى متناحرة. أُفرغت الأرض العربية من شعوبها، فغرق من غرق ونزح من نزح وعبرت الملايين الحدود بحثاً عن ملجأ أو وطن بديل. غابت ضحكات الصغار وحلّت مكانها هتافات مجنونة فوق رؤوس مقطوعة بسيوف الإرهاب.
في سوريا، تبدو الحرب على موعد مع التمديد، وها هي قد حطّت رحالها في العاصمة، ما يوضح هول الأيام القادمة. وفي بلاد الرافدين، لا حسم نهائياً بعد، ومستقبل البلاد، مثل الآثار المنهوبة، لا يزال في غياهب المجهول. أقليّات باتت على طريق الانقراض، ومجتمعات بأكملها سلكت درب الضياع. فلسطين ما زالت في الأسر، وأطفالها يبحثون عن حجارة وبيت.
الآتي عظيم. تلك "الموناليزا" وسواها من أطفال هذه الأرض، وإيلان وعمران ومحمد يعيشون وهم أموات، وبالكاد يتمّ احياء ذكراهم حين يموتون. أي مستقبل لجيل كامل اختبر عبور الحدود حافي القدمين؟! أي مستقبل لجيل ما استطاع قراءة كتاب ولا تمكّن من تسلّق شجرة في لحظات مشاغبة ولهو؟!
ولكن، ماذا تعني أيضاً صورة "الموناليزا" العربية تلك وتهيؤاتنا التي رافقتها؟!
يعني اننا "نستدعي حلماً فيفرّ من الصورة". نحن شعبٌ يريد أن ينتصر للفرح. وللسلام. ولبراءة الطفولة وبطولة الابتسامات. ما زلنا نقاوم بجملة موسيقية، وبفيلم سينمائي. بقرقعة عظام حينما نرقص في العراء، أو على الحدود. وما زلنا نقاوم بتمسكنا بأمل وبحلم.
يحلم الشعب العربي بالسلام. تصوّب الأنظار ناحية الأردن حيث تُعقد القمة العربية الثامنة والعشرون. القضايا كثيرة ومعقدة، فهل يكون إجماعٌ عربي على كيفية حلّها ومواجهة تداعياتها الكارثية على المنطقة العربية برمتها؟ وهل ستفضي قمة البحر الميت إلى حماية الشعوب المقهورة والحؤول دون غرقها في محيط لا ملوحة فيه، بل مرارة ودماء؟!
ربما تجيب صورة "الموناليزا" عن كلّ تلك الأسئلة. الأيام الآتية قد تكشف الحقيقة: هل تكون ابتسامة في عزّ الحرب لتهزمها بالاحتضان ولغة الحوار والسلام، أم تكون ابتسامة للحرب.!