أول قاضية أمريكية مسلمة ليست مسلمة.. ومقتلها يحيّر الولايات المتحدة
يبدو أن آخر مرة سُمِعَ فيها صوتُ القاضية شيلا عبد السلام كانت الثلاثاء 11 أبريل/نيسان 2017 عندما اتصلت بمكتبها في مبنى Graybar في مانهاتن بنيويورك لتقول لهم إنها ليست على ما يرام ولن تحضر.
وحسب ما قاله رجال الأمن فإن عبد السلام غادرت شقتها الكائنة في حي هارلم بنيويورك دون أن تأخذ معها محفظتها أو هاتفها الخليوي، كما أوصدت الباب وراءها.
وعندما تغيبت القاضية شيلا –أول امرأة سوداء البشرة تتقلد منصباً في محكمة ولاية نيويورك العليا- عن عملها يوم الأربعاء أيضا، ساور القلق مساعدها فاتصل بزوجها، والذي بدوره أبلغ عن اختفائها، وفق رواية الأمن.
لكن بعد ظهر ذلك اليوم جاء الاكتشاف المريع، حيث عثر على جثة القاضية بكامل ثيابها ودون أثر تعذيب، طافية في نهر هدسن، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"الأميركية.
موتها المفاجئ شكّل صدمة قاصمة ومحزنة، حتى إنه خلق شكوكاً وشبهات تحوم حول بعض أصدقائها وزملائها الذين قال كثيرٌ منهم، إنها لم تلمح يوماً أو تُشِر إلى أنها قد تؤذي نفسها أو تتعرض للأذى منهم.
في الساعات التي تلت العثور على جثتها، قال رجال الشرطة إنهم يتعاملون مع وفاتها على أنها قضية انتحار، فالقاضية التي توفيت عن عمر 65 عاماً، كانت مؤخراً قد أخبرت أصدقاءها وأطباءها أنها تعاني من الضغط؛ كما أن الأحداث المأساوية رافقتها في عقر دارها، حيث أقدمت أمها يوم عيد الفصح من عام 2012 على الانتحار حينما كانت في الـ92 من عمرها، حسبما قاله 2 من رجال الأمن؛ وبعد عامين من انتحار الوالدة وفي نفس توقيت المناسبة تقريباً عمد أخوها إلى إطلاق النار على نفسه حتى الموت، وفق ما ذكر مسؤولون.
ولكن مع حلول عصر يوم الخميس لم يخلُص المحققون إلى أي استنتاج واضح حسب ما قاله المسؤولان اللذان تحدثا إلى صحيفة نيويورك تايمز شريطة عدم ذكر اسميهما لأن التحقيق ما زال جارياً.
وقال مكتب الطبيب الشرعي إن "سبب وطريقة الوفاة مازالا قيد المزيد من الأبحاث". أما محققو الشرطة فيبحثون عن مقطع مصور من كاميرات المراقبة، التي قد تكون التقطته على طول الطريق الذي من المتوقع أن تكون القاضية سلكته، فلعل مقطعاً كهذا –إن وُجِد- يكشف تحركاتها ويدعم نظريةَ أنها خاضت في مياه النهر بنفسها.
وذكر أحد المسؤوليْن أنه لحظة انتشال شرطة وحدة الميناء لجثة القاضية من النهر قرب شارع West 132nd عصر الأربعاء، كانت ترتدي قميصاً وسترة مع بنطال وحذاء رياضيين، وساعة في معصمها وبطاقة صعود إلى قطار المترو في جيبها.
ويقول جوناثان ليبمان وهورئيس قضاة سابقاً في ولاية نيويورك، وخدم سوياً مع عبدالسلام في محكمة الاستئناف "جميعنا مصدومون ولا أحد عنده أي فكرة عما حصل."
وقد غدت القاضية عبدالسلام واحدة من 7 قضاة في المحكمة العليا ابتداء من العام 2013، أما قبل ذلك فخدمت حوالي 4 سنوات في شعبة الاستئناف الأولى بالمحكمة العليا بالولاية، فضلاً عن 15 عاماً اضطلعت فيها بالقضاء في محكمة عليا بالولاية في مانهاتن؛ كذلك كانت في السابق محامية في مكتب المدعي العام الخاص بالولاية.
وقد عُرِف عن القاضي عبدالسلام ثباتُ صوتها الليبرالي المتحرر ووقوفها دوماً في صف المهاجرين والفقراء ونصرة حقوق وقضايا المستضعفين المصابين بالأمراض النفسية والعقلية ضد مصالح المؤسسات الكبرى؛ كذلك كانت عبدالسلام تميل لنصرة المظلومين الذين يرفعون شكاوى بالنصب أو الاحتيال أو ممارسات سلوكية رسمية سيئة ضد الشركات الكبرى الثرية.
ولطالما أعجب زملاؤها بفكرها ومراعاتها للآخرين وصدقها وأسلوب كتابتها المسبوك جيداً؛ كما أنها لم تكن يوماً تتبجح أو تتشدق تغنياً بقراراتها وأحكامها القضائية حتى لو كانت أحكامها تلك رائدة سبّاقة يشار إليها بالبنان.
وقد سكنت القاضية عبدالسلام في بعض الأحيان في شارع 131st ضمن منطقة تملؤها المباني الحجرية البنية التي كانت قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن في حال مزرية. يقول تود ميلنر، صانع الأفلام ذو الـ47 عاماً الذي سكن على مقربة من القاضية عبد السلام لأكثر من 20 عاماً: "لقد كانت عائلتي تقطن هنا أثناء فترة تفشي تعاطي الكوكايين على زمن الرئيس ريغان، أما هي فكانت هنا حينما كانت الأحوال أسوأ من ذلك؛ وهذا يبوح بالكثير من الدلالات عنها."
ويقول ميلنر "مقارنة بمن يتمتعون بنفس السلطة والقوة التي أوكلت وائتمنت عليها، فقد كانت شيلا عبد السلام متواضعة جداً."
أما شون جونسون الذي كان يقوم بأعمال الإصلاحات والصيانة في مبان تقع في تلك المنطقة من الحي، فما زال يحمل في جيبه ملحوظة قصيرة عمرها سنتان كتبتها له القاضية شيلا، تقول له فيها "شكراً لحفاظك على نظافة شقتي"، حيث يعلق جونسون (50 عاماً) على ذلك قائلاً: "لقد أشعرتني بشعور جميل بإبدائها الاهتمام"، مضيفاً أنه شاهد القاضية الأسبوع الماضي ولم يلحظ أي خطبٍ ما عليها "فقد كانت على سجيتها المعتادة: امرأة لطيفة جداً."
وكما هو حال جونسون فقد قال الكثيرون من أصحاب وزملاء القاضية أنهم لا يصدقون أنها قتلت نفسها، كما أن المفتشين لم يعثروا على ملحوظة قد تكون كتبتها قبل الانتحار.
كذلك قال ستيف يونغر المحامي الذي عرف القاضية شيلا لـ15 عاماً أنه كلمها الأسبوع الماضي ليسألها إن كانت تقدر على إلقاء كلمة بمناسبة انتسابه إلى نقابة المحامين. ويذكر يونغر أن القاضية عندما كلمها "كانت تفيض حيوية ونشاطا وتخطط لقضاء عطلتها الصيفية."
لكن في المقابل ذكر أصدقاء مقربون آخرون مثل مارلين موبلي المسؤولة في جامعة Case Western Reserve University بكليفلاند، أوهايو، أن القاضي عبدالسلام كانت مثقلة بالقضايا وبطلبات إلقاء الخطب والكلمات، ولعلها عانت من التعامل مع كل هذا الضغط.
وتقول د.موبلي التي تناولت الفطور مع صديقتها شيلا في نيويورك قبل أسبوعين "ما باحت به لي هو أنها مؤخراً تعاني من ضغط كبير وأنها تعاني من صعوبات في النوم. الحقيقة أنها كانت امرأة كاملة قوية مرنة، لكنها، ككل الناس، لديها نقطة انهيار، وأخشى أن الأمور وصلت بها إلى هناك."
وقال مسؤولان أن القاضية شيلا كانت قد صارعت مرض السرطان ثم تعافت منه، بيد أنها لم تكن حالياً تخضع لأي جلسات علاجية له؛ وقال أحدهما أنها زارت طبيبها يوم الاثنين 10 إبريل/نيسان وقالت له حينها أنها كانت في الآونة الأخيرة "مضغوطة بأعباء العمل" وأنها "لا تقضي وقتاً كافياً مع زوجها".
ترعرعت القاضية شيلا بين 7 أطفال في عائلة فقيرة بواشنطن، ثم أحرزت درجتها في القانون بجامعة كولومبيا العريقة عام 1977. تزوجت 3 مرات كانت آخرها قبل 8 أشهر حينما تزوجت القس الأسقفي غريغوري جيكوبز. كانت عبد السلام تقسم وقتها بين مدينتة ألبني عاصمة ولاية نيويورك وبين هارلم بمدينة نيويورك، أما زوجها جيكوبز فكان سكنه مستقلاً في مدينة نوورك بولاية نيوجرزي القريبة.
ويذكر أن اسم القاضية شيلا عبد السلام أشاع لغطاً كثيراً حول كونها مسلمة أم لا، إلا أن غاري سنبسر المتحدث باسم محكمة الاستئناف قال إنها أخبرته بنفسها أنها لـم تعتنق الإسلام، إذ إن كنيتها هي من زوجها الأول الذي كان مسلماً.
بعد إتمامها الدراسة في كلية الحقوق غدت القاضية مدافعة عامة في بروكلين، ثم عملت بمنصب مدعي عام مساعد في مكتب الحقوق المدنية ضمن مكتب المدعي العام بالولاية. في إحدى أوائل القضايا التي تولتها، ربحت عبد السلام دعوى ضد التمييز لصالح أكثر من 30 سائقة باصات في مدينة نيويورك كنّ قد اشتكين الحرمان من المكافآت.
كذلك في الصيف الماضي خطّت القاضية شيلا قراراً قضائياً هاماً في قضية بروكس س.ب. ضد إليزابث أ.ك.ك أدى إلى توسعة تعريف الأبوة والأمومة من الناحية القانونية، فطوال 25 عاماً ظلت المحاكم ترى أن الأب أو الأم غير البيولوجيين لا حق لهما بالمطالبة بحق الحضانة أو الزيارة بعد انفصالهما.
لكن القاضي عبد السلام كتبت في نص قرارها أن ذلك بات "غير ممكن التطبيق في ظل التنوع المتزايد للعلاقات الأسرية"، ومضت في نص قرارها الذي صاغته بمنطق محكم تقول أن الأبوين غير البيولوجيين لهما حق المطالبة بالحضانة إن أظهرا "بالدليل الواضح والبرهان المقنع أن كلا الطرفين اتفقا على حمل الطفل وتربيته سوياً".
وفي مقابلة أجريت معها عام 2014 حول تاريخ الأفارقة سود البشرة قالت القاضية شيلا أن اهتمامها بتاريخ عائلتها نما وتكوّن حينما كانت صغيرة في المدرسة الحكومية، وأن أبحاثها قادتها لتكتشف أن جد أبيها كان عبداً من الرقيق في فرجينيا.
وفي مقابلتها تلك قالت: "من هناك في آرلينغتون بفرجينيا حيث كانت عائلتي مملوكة في يد شخص ما، إلى ها هنا حيث أجلس الآن في المحكمة العليا بولاية نيويورك. إنها نقلة مذهلة وضخمة، وهي تخبرني أنا وأنت عن نحن من نكون وماذا بوسعنا أن نقدم."