"خطبة الجمعة الموحدة" بالأردن لماذا كانت وما آثارها؟
جو 24 :
أثار قرار وزارة الأوقاف الأردنية القاضي بإلزام خطباء الجمعة بالخطبة الموحدة، منذ شهور ردود فعل متباينة، بين مؤيدين للقرار، وآخرين متحفظين عليه، ومتخوفين من آثاره التي ستنعكس سلبيا على أهداف خطبة الجمعة ومقاصدها، بحسب مراقبين.
ووفقا لوزير الأوقاف الأردني، وائل عربيات، فإن خطبة الجمعة الموحدة "مشروع يهدف لرفع سوية الخطبة، وإدخال مواضيع تهم المواطن، وتعزز من ثقافة الوسطية لديه".
ولفت عربيات في لقاء له مع أئمة ووعاظ الوزارة في محافظة الكرك، جنوب الأردن إلى أن "الخطبة الموحدة هي العنوان الموحد، ولم تأتِ لتكميم الأفواه ولا انتقاصا للخطباء، ولا يتم تقييد الخطيب بها، بل لجمع الشمل وعدم التشتت".
وأضاف الوزير: "فيما تضع الوزارة عناوين عدة لخطب الجمعة دون التدخل في المضامين، وتترك الخطيب لكي يبحر فيها ويبدع ويتوسع وفق ما تقتضيه الحاجة والظروف، وتسهم في مساعدة الخطباء المحتاجين لوجود عناوين متعددة".
من جانبه انتقد سمير الحراسيس، إمام وخطيب في الوزارة (موقوف عن الخطابة) القرار، ورأى أن سلبياته أكثر من إيجابياته، وستؤدي إلى إضعاف مكانة الخطباء، وتراجع أثر خطبة الجمعة بشكل كبير جدا.
وجوابا عن سؤال "عربي21": "ما هي سلبيات القرار كما يراها؟"، قال الحراسيس: "للقرار سلبيات كثيرة، من أبرزها إضعاف مكانة الخطيب، ومحو شخصيته، وقتل روح البحث والإبداع فيه، فما عليه إلا أن يقرأ ما يطلب منه، أو في أحسن حال إعادة إنتاج ما يملى عليه مرة أخرى".
وأضاف: "والقرار يؤدي إلى انعدام ثقة عامة المصلين في الخطبة، وعزوفهم عن الاستماع إليها، والاكتفاء بالحضور وقت الصلاة فقط، لأنهم باتوا يعرفون الخطبة قبل يومين أو ثلاثة بتوزيعها على مواقع التواصل الاجتماعي كما تأتي مكتوبة من الوزارة إلى الخطباء".
ولفت الحراسيس إلى أن "بعد المسافة بين مواضيع الخطبة الموحدة التي تختارها الوزارة وبين الأحداث من أكبر سلبياتها، فبينما يأتي الخطيب ليحدث المصلين عن المحافظة على البيئة، قبل أسابيع وفقا لأوامر الوزارة، كانت صور ومشاهد مجزرة خان شيخون في إدلب السورية تتراءى أمام الجميع، فهل يسع الخطيب إغفال هذا الحدث المفجع والمأساوي ليتحدث عن البيئة؟".
وأشار الحراسيس إلى أن تجربة الجمع السابقة أظهرت سلبيات التجربة بوضوح تام، فأكثر الناس يتذمرون من الخطبة الموحدة التي حولت الأئمة إلى مذيعين يقرؤون ما يكتب لهم، أو أنهم يضطرون إلى الخوض في مجالات وموضوعات خارجة عن دائرة اهتمامهم وعنايتهم من قبل.
بدوره أبدى إمام وخطيب في الوزارة، اشترط عدم الكشف عن هويته هروبا من تبعات المساءلة القانونية، تحفظاته الشديدة على القرار، واعتبره خطوة غير موفقة ستؤدي إلى تراجع تأثير خطبة الجمعة، وإضعاف أداء الخطباء بأكثر مما هو عليه من ضعف وقصور.
وأوضح الخطيب لـ"عربي21"، أن جمهور المصلين دائما ما يطالبون الخطباء بتناول القضايا المعاصرة، والحديث عن الأحداث الجارية، وحينما يجدون الخطباء يتحدثون عن قضايا لا تتلاءم مع واقعهم، ولا تتناسب مع الأحداث الجارية فإنهم سيزدادون نفورا من الخطبة والخطباء.
واشتكى الخطيب، في حديثه لـ"عربي21"، من أن بعض العناوين التي فرضتها الوزارة في الأسابيع الماضية، جعلت الخطباء يتحدثون في موضوعات لم يفكروا بها من قبل كالاهتمام بالبيئة مثلا، فكان أداء غالبهم وظيفيا باهتا.
لكن الخطيب استدرك بأن خطيب الجمعة الناجح يستطيع أن يدير خطبته على أي موضوع كان، إذا أحسن التحضير له، وأعد مادته بطريقة جيدة، ويقدم للناس ما ينفعهم، لكن تبقى مسألة توقيت اختيار الموضوعات قضية مقلقة جدا للخطباء، بين ما تحدده الوزارة وتلزمهم به، وبين ظرفية الأحداث الساخنة والقضايا الهامة، على حد وصفه.
وأوضح الخطيب أن الوزارة بدأت قبل سنة ونصف تقريبا بإرسال عناوين مقترحة وغير ملزمة، ثم جاء القرار الأخير ليحمل صفة الإلزام، مبديا تخوفه الشديد من خطوات لاحقة، تفرض فيها خطبة الجمعة الموحدة بصيغة مكتوبة بالكامل، وما على الخطباء إلا قراءتها كما هي.
وأكدّ الخطيب أن انتقاد عامة المصلين لموضوع الخطبة الموحدة إنما ينصب في غالبه على الوزارة نفسها، لأن غالب الخطباء يضطرون في معرض دفاعهم عن خوضهم في موضوعات لا تناسب المقام إلى ذكر ما تلزمهم به الوزارة في تحديد عناوين الخطبة وموضوعاتها.
لكن ما هي الدوافع وراء اتخاذ هذا القرار كما يراها المراقبون والمحللون؟ أجاب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، المهتم بالحالة الدينية، حسين الرواشدة بقوله: "الهدف من وراء ذلك تأميم المساجد، وتحويلها إلى دائرة حكومية".
وأبدى الرواشده معارضته لهذا التوجه، لأنه سيضعف دور منبر الجمعة، وسيظهر الخطباء بصورة ضعيفة وهزيلة، يتحدثون بقضايا وموضوعات لا تتناسب مع الوقائع والمناسبات، وهو بالتالي سيكون بمثابة "هدية للمتطرفين للبحث عن منابر أخرى".
وذكر الرواشدة أن لدى الوزارة ما هو أهم وأولى من قرار الخطبة الموحدة، مشيرا إلى أن عدد المساجد في الأردن (7000) مسجد، وأن 65% منها بلا أئمة، فلماذا لا تتصدى الوزارة لتعيين أئمة يملؤون الشواغر القائمة؟
وأضاف لـ"عربي21": "ولماذا لا تقوم الوزارة بتأهيل الأئمة الموجودين، والاهتمام برفع سويتهم العلمية، وتطوير أدائهم وإكسابهم مهارات جديدة في فنون الإلقاء والخطابة؟".
وعدد الرواشدة سلبيات القرار بأنه ينم عن عدم الثقة بالخطباء، وأنهم بحاجة إلى وصاية عليهم، تختار لهم عناوين الخطبة وموضوعاتها، الأمر الذي سيحولهم إلى مذيعين يقومون بقراءة الخطبة كما تأتيهم من الوزارة.
وأضاف: "والقرار في الوقت نفسه يتضمن قدرا كبيرا من عدم احترام جمهور المصلين، ففي كل جمعة يؤم مساجد المملكة ملايين المصلين، أفلا يستحقون أن تهتم الوزارة بهم، برفع سوية أداء الخطباء، ومنحهم حرية اختيار موضوعات الخطبة، ضمن أطر إرشادية وتوجيهية تقررها لهم؟".
وانتقد الرواشدة بشدة توقيت اختيار الوزارة لعناوين الخطب وموضوعاتها، وعدم تناسبها مع الوقائع والمناسبات، متسائلا: "كيف تريد الوزارة من الخطباء أن يتحدثوا عن المحافظة على البيئة، في الوقت الذي تعرضت فيه خان شيخون السورية إلى مجزرة كيماوية، لوثت كل البيئات العربية؟".
وخلص الرواشدة إلى القول: "الخطبة الموحدة لم تحقق هدفها، وكان الأولى بالوزارة الاهتمام بتأهيل الخطباء، وتعيين أئمة جدد أكفاء لملء الشواغر القائمة".
يشار إلى أن وزارة الأوقاف المصرية أصدرت في العام الماضي، قرارا بإلزام الخطباء بالخطبة الموحدة والمكتوبة، لكن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، برئاسة أحمد الطيب قررت بالإجماع رفض الخطبة المكتوبة، وقالت "إن من شأن العمل بها تجميد الخطاب الديني".