”الموت الأهدأ" من الموت بالأسلحة الكيميائية يجتاح سوريا
احتدم الجدال مجدداً بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة وروسيا من الجهة الأخرى على منبر مجلس الأمن، الذي استمع أعضاؤه مجدداً الى فصول جديدة من المأساة الإنسانية المفزعة التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ست سنوات. وصوبت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي ضغوطها على موسكو لأنها "تغطي” استخدام الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد شعبه وكذلك "الموت الأهدأ” الذي يجتاح سوريا.
ولم تنجح حتى الآن كل الجهود التي بذلت من أجل فصل الملف الإنساني عن الملفات الأخرى المرتبطة بالعملية السياسية التي يقودها المبعوث الخاص الى سوريا ستيفان دوميستورا والمرتبطة أيضاً بملف الأسلحة الكيميائية الذي عاد بقوة الى الواجهة بعد هجوم خان شيخون.
وجاء ذلك خلال الجلسة الشهرية لمجلس الأمن حول الوضع الإنساني في سوريا ومدى التزام الأطراف المعنية بتطبيق القرارات ٢١٣٩ و٢١٦٥ و٢١٩١ و٢٢٥٨ و٢٣٣٢.
واستمع أعضاء المجلس الى إحاطة من وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة ستيفن أوبراين حول التقرير الأخير للأمين العام أنطونيو غوتيريس الذي يشير بوضوح الى أنه لم يطرأ أي تغيير جوهري على الأوضاع الإنسانية السيئة أصلاً في سوريا، وخصوصاً في ظل عودة المعارك الضارية الى العديد من المناطق. وقال أوبراين عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من جنيف إن الوضع الإنساني في سوريا يتدهور، داعياً أعضاء مجلس الأمن الى انخراط نشط لمعالجة حاجات الشعب السوري من المجتمع الدولي. وأوضح أن "تلك الحاجات تشمل تكريس وقف النار بأنحاء البلاد وخاصة وقف القتال في شرق الغوطة للسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية. وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية من جميع أطراف الصراع. ورفع العوائق التعسفية والبيروقراطية من كل الأطراف بأنحاء سوريا”. وإذ لاحظ أعمال القتل الأخيرة، قال: "هذه الوحشية والقسوة الجامحة تفاقمت بسبب حقيقة أن القادة في كثير من الأحيان هم الجناة". وأكد أنه "يتعين التوصل الى حل سياسي للصراع، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ وإعلان جنيف”. وشدد على أنه "ما دامت الأساليب العسكرية تحظى بأولوية على السياسية، فلن يتحقق السلام الدائم وسيكون المدنيون هم المعرضون لمزيد من المعاناة التي لا داعي لها نتيجة لذلك”.
وخلال الجلسة، تحدث المندوب المصري الدائم عمرو أبو العطا الذي أسف لأن اجتماعات المجلس والنتائج لم تسفر عن ضغوط حقيقية على الأطراف من أجل اجراء مفاوضات سياسية جادة. واعترف بأن جهود المجلس لم تمنع وقوع هجمات مروعة ضد المدنيين في وقت سابق من الشهر. وقال إن "تمويل ورعاية الإرهاب بصورة منظمة ومنهجية بسورية ودول المنطقة ليس وهما بل واقع يفرض نفسه وتزداد مخاطره وتعيشه دول المنطقة والعالم وتزداد معاناتها منه إذا استمر البعض في دفن رأسه في الرمال”، مضيفاً أن "مخربي العملية السياسية ومخربي سوريا لم ولن يتوانوا عن الاستمرار في استغلال الشقاق بالمجلس أو بين الاطراف الدولية لمزيد من الإمعان في إشعال الأوضاع على الأرض سعيا لهزيمة أي محاولة للتسوية السياسية واستمرار حالة الحرب بالوكالة”.
ووصف المندوب البريطاني ماثيو رايكروفت الهجمات المتواصلة للنظام ضد المعونات الغذائية والإمدادات للمستشفيات والمدارس بأنها جعلت الوضع يرثى له تماماً، ودعا الى التركيز على الحاجات الملحة والإنسانية لملايين السوريين. وذكر أن نحو ٥ ملايين من السوريين يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها، ولكن فقط نسبة صغيرة من المساعدات تصل الى من هم في أمس الحاجة إليها، مكرراً اتهام النظام باستخدام "تكتيكات التجويع أو الاستسلام”.
وشدد المندوب الفرنسي فرانسوا دولاتر على أن حظر استخدام الأسلحة الكيميائية يجب أن يظل مطلباً عالمياً للمجتمع الدولي. وشدد على أن الثمن الذي يدفعه الأبيض السكان من كان لا يطاق. وأشار الى اجلاء ١١ ألف شخص من أربع مدن، معتبراً أن هذا الإجلاء يجب أن ينفذ بطريقة طوعية، لأن التهجير القسري للسكان يمكن أن يشكل جرائم حرب. وكذلك فإن استخدام الجوع كسلاح في الحرب، وكذلك اعاقة الوصول الى المحتاجين يمكن أن تشكل جرائم حرب. وعبر عن القلق بصفة خاصة من الأوضاع الإنسانية في الغوطة الشرقية.
وأكد نائب المندوب الصيني زانغ ديانبين أن بلاده تحث جميع الأطراف لإيجاد حل للأزمة من خلال الحوار، داعياً الى تكثيف المساعدة الدولية لجهود مكافحة الإرهاب. وحض الاطراف على تنفيذ اتفاق وقف النار وتيسير وصول القوافل الإنسانية وتهيئة الظروف المناسبة للمساعدة الإنسانية والتسوية السياسية للأزمة.
واعتبر القائم بأعمال البعثة الروسية بيوتر ايليتشييف أن "انتقاد الحكومة السورية باستمرار لن يجدي ولا بد من نية صادقة لايجاد حل وهناك أطراف لا تهرع لتلاقينا فى منتصف الطريق كما أن نهجاً جماعياً هو ما سيمكننا من التوصل الى حل”. وأضاف: "علينا الا ننسى الجهود المضنية التى تبذلها الحكومة السورية خارج الاطار الدولي”. واتهم منظمة "الخوذ البيض” بفبركة الأفلام والأشرطة الوثائقية وبأن لها ارتباطات مع المجموعات الارهابية. ورفض بيانات مندوبي فرنسا وبريطانيا حول موضوع المصالحات المحلية فى سوريا.
وتحدثت المندوبة الأميركية نيكي هايلي التي تتولى رئاسة مجلس الأمن للشهر الجاري، فقالت إن "صور الأطفال الذين يعانون ويموتون من الأسلحة الكيميائية لا تنسى. ومع ذلك، فإن الموت الأهدأ يجتاح سوريا”. وذكرت بأن السلطات السورية تحتجز الناس رهائن من أجل تحقيق أهداف سياسية الرئيس الأسد، الذي "يضيق الخناق على شعبه" من أجل البقاء في السلطة. وطلبت من ممثل روسيا شرح لماذا تحظر معظم الإمدادات الطبية الأساسية. ورأت أنه "في كل مرة نتحدث عن ذلك هناك، هناك عدد أكبر من الناس يموتون". وتساءلت: "الى أين أوصلنا التقليل من انتقاد الأسد؟". وختمت: "نحن بحاجة الى الضغط المتواصل على روسيا لأن روسيا تغطي الزعيم الذي يستخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه”.
ورداً على المندوبة الأميركية، قال إيليتشييف إن روسيا تعمل لضمان احترام اتفاق وقف الاعمال القتالية كأفضل طريقة لتحسين الوضع الإنساني إلى جانب الدول الراعية. وقال: "لا أنت ولا الزملاء الغربيون قالوا ما يفعلونه لكي تقوموا بتحسين الوضع. كيف تضغطون على المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة الذين تأثرون عليها؟”.