أسرار 20 دقيقة قاتلة، ولماذا اختفى رونالدو؟
رؤية | طه عماني
تأهل ريال مدريد للمرة الثالثة في آخر أربع سنوات لنهائي دوري أبطال أوروبا، وذلك رغم الخسارة في إياب نصف النهائي بهدفين لهدف أمام أتلتيكو مدريد على أرضية ملعب فيثنتي كالديرون، وهي نتيجة لم تكن كافية لإخراج رجال زيدان من المسابقة بعد فوزهم ذهابًا بثلاثية نظيفة.
◄بصم أتلتيكو مدريد على بداية مُباراة أقل ما يُمكن القول عنها أنها نارية، وفي كل شيء! حماس منقطع النظير من اللاعبين، ضغط مُتقدم كاسح خنق الريال في مناطقه، سرعة في الفعل وردة الفعل، وفوق كل ذلك، استعاد لاعبو دييجو سيميوني تلك الجرينتا التي تجعل المرور من أحدهم في المواجهات الثنائية مهمة شبه مستحيلة، وهو ما قضى لفترة لا تقل عن نصف ساعة على حظوظ ريال مدريد في الكرات المرتدة.
◄من بين الأمور التي ساعدت اللوس كولتشونيروس على تقديم تلك الـ20 دقيقة النارية نجد تفوقه الواضح في خط الوسط كثافة وسرعة وحتى بدنيًا. جابي، ساؤول، كوكي وكارّاسكو قدموا عملًا دفاعيًا جبَارًا في المقام الأول، فما إن كان فريقهم يفقد الكرة حتى كانوا يعيدون الانتشار بصورة مميزة جدًا، فتجد كل لاعب من لاعبي الريال حوله لاعبين على الأقل عند الاستحواذ على الكرة، وهو طبعًا نسق من المستحيل أن تستمر به لمُباراة كاملة ولا لـ45 دقيقة متواصلة، وهو في رأيي ما يُبرر تراجع الأتلتي بعد ذلك، بالإضافة إلى رغبة الفريق في تحصين مكتسباته ومُحاولة خطف هدف آخر بشتى الطرق.
◄أما هجوميًا، فتلك الـ20 دقيقة التي كادت تقلب المُباراة رأسًا على عاقب طُبعت برقم مميز لرجال دييجو سيميوني: 8 تسديدات بالتمام والكمال على مرمى كيلور نافاس، وهو رقم لا تتمكن فرق كثيرة من بلوغه بعد 90 دقيقة كاملة، وهو ما يُظهر أيضًا الرغبة الكبيرة التي دخل بها اللاعبون والدوافع الجامحة التي اكتسبوها بعد الدعم الجماهيري الخارق للعادة الذي تلقوه منذ يوم السبت الماضي في مباراتهم في الدوري الإسباني أمام سبورتينج خيخون.
◄البعض يتساءل، لماذا أرجع الأتلتي خطوطه بعد هدف جريزمان الثاني، علمًا أن ضغطه المتقدم جدًا كان ناجحًا وخنق الريال في مناطقه...في رأيي هناك سببين: السبب الأول والأهم هو استفاقة الريال وشعورته بخطورة الموقف، وهو ما جعله يقدمه خطوطه ليروح على خط دفاعه ويبحث عن قتل المُباراة وحماسة الأتلتي بهدف، وهو ما أراد سيميوني تفاديه بأية طريقة، علمًا أنه أراد حينها لعب لعبته المحبذة: التراجع للخلف أمام فريق متقدم وضربه بالمرتدات السريعة. السبب الثاني كان في رأيي استحالة المواصلة بنفس النسق لأكثر من 20-25 دقيقة، فنحن في النهاية عن بشر لا آلات، والركض المتواصل بتلك الطريقة أمر شبه مستحيل على أشخاص برئتين فقط. الأتلتي قضى 62% من الـ25 دقيقة الثانية من الشوط الأول في مناطقه.
◄كان ساؤول في مُباراة اليوم اللاعب الذي جسّد الروح التي كانت تسري في أجساد لاعبي وجماهير أتلتيكو مدريد. اللاعب كان مستعدًا للتضحية بنفسه من أجل فريقه، فلم يتردد أحيانًا في الركض وراء كرات مستحيلة، كما أنه كان يأخذ مسؤوليات كبيرة على عاتقه في المواجهات الثنائية، ناهيك عن العطاء البدني الذي يُذكر فيُشكر. ساؤول كان في رأيي من رجالات المُباراة من قبل أتلتيكو مدريد، ويستحق كل الثناء، خاصة بعد المُباراة المتواضعة التي قدمّها إيابًا.
◄قدم دفاع أتلتيكو مدريد مُباراة جيدة جدًا اليوم، على غرار ما تعودنا عليه من الفريق، لكنه في لقطة هدف إيسكو تعامل بسذاجة كبيرة في رأيي...ثلاثة مُدافعين توجهوا نحو كريم بنزيمة وتركوا خلفهم مساحات بالجملة، فما إن مر المهاجم الفرنسي حتى تعددت الخيارات أمامه، والتصرف بعدها كان سهلًا واستغلال إيسكو للكرة التي ارتدت من أوبلاك كانت نتيجة لذلك. صحيح أن مرور لاعب واحد من ثلاثة لاعبين أمر نادر الحدوث في كرة القدم، لكنه عندما يحدث، فإن عواقبة تكون وخيمة.
◄ما حصل في الشوط الثاني من جهة الأتلتي كان أمرًا طبيعيًا في رأيي، فحتى وإن حافظ فريق سيميوني على تفوقه على دفاع ريال مدريد خاصة، إلا أنه كان أقل ثقة بشكل واضح، فشاهدنا فرصًا كثيرة تضيع من وضعيات سهلة وهو أمر يُفسر بشكل كبير بالعامل النفسي، فهدف إيسكو حسم جزءً كبيرًا من إقصاء الأتلتي، وما حصل بعده لم يكن سوى تحصيل حاصل، لأن وقوع الريال في نفس أخطاء بداية المُباراة كان في رأيي أمرًا صعبًا جدًا.
◄في النهاية، لا يُمكن سوى أن نُشيد بالعمل الذي قام به أتلتيكو مدريد جمهورًا، مدربًا ولاعبين...الفريق لم يستطع القيام بالريمونتادا التي كان يصبو لها، لكنه وثق بالأمر. وثق به لدرجة جعلت كل اللاعبين يقدمون أحيانًا أشياءً فوق طاقتهم. ربما قد يعيب البعض على رجال سيميوني اللجوء إلى الاستفزاز أو بعض التدخلات القاسية، لكن كما يقول زميلي حسين ممدوح، هي كرة قدم وليست باليه، وما دام الحكم متواجدًا للفصل، ففي ذلك فليتنافس المنافسون.
ريال مدريد |صفعتان أفاقتا الريال، وسبب اختفاء رونالدو |
|
|
◄كالعادة، أظهر ريال مدريد أقبح صوره حينما لم يكن تحت ضغوطات كبيرة. رجال زيدان دخلوا المُباراة وهم يُعوّلون على مُباراة الذهاب أكثر بكثير مما يعولون على أقدامهم، ولم يشرعوا في لعب كرة القدم كما عهدناهم سوى بعد تلقي صفعتين أقوى من بعض من طرف ساؤول وجريزمان. ما حصل في أول 20 دقيقة يُرجع للمستوى المميز جدًا للأتلتي، لكنه يُفسّر أيضًا بالتهاون الكبير للاعبي الريال والذي قد يُفسر في نقاط كثيرة.
◄خط وسط الريال كان بمثابة المُتفرج في أمام ما قام به لاعبو أتلتيكو مدريد في بداية المباراة. هناك شيء أكيد في كرة القدم، إن لم تعادل خصمك على الأقل في حدته، فإنك ستخسر كل معاركك الأخرى. قد تكون أكثر جودة وألمع صيتًا وأكثر خبرة، لكن عليك أن تكون مستعدًا للركض مثل خصمك إن أردت أن تُظهر البقية، والحقيقة أن ما أتيح لأتلتيكو مدريد من مساحات شاسعة في بداية اللقاء يُفسر بتفوق كبير جدًا لرجال سيميوني في حدة اللعب وفي سرعة الفعل وردة الفعل التي خانت لاعبين مثل كاسميرو، فاران، دانيلو، مارسيلو وحتى سيرخيو راموس، وهي فترة أيضًا تمكن فيها أتلتيكو مدريد من تسديد 8 كرات على مرمى كيلور نافاس.
◄كم كان غياب داني كاربخال عن ريال مدريد مؤثرًا خاصة في الشق الهجومي، فالجهة اليُمنى كانت شبه معدومة في الشق الهجومي، بل وإن دانيلو خلق مُشكلة لمودريتش الذي ركّز على مُساعدته في مهامه الدفاعية أكثر بكثير من المُساهمة في البناء الهجومي لفريقه. وبالحديث عن مودريتش، فالحقيقة أنه قام بعمل كبير من أجل الحد من خطورة فيليبي لويس هجوميًا اليوم، كما أنه امتاز بالهدوء الكافي من أجل الوقوف على الكرة حينما احتاج فريقه لذلك.
◄ذلك المشكل جعل الريال غير متوازن أبدًا في بنائه الهجومي بعد أن ركز هجماته على الجهة اليُسرى التي تواجد بها مارسيلو، ومال لها بنزيمة أكثر من رونالدو، وهو ما سهّل أكثر من مهمة مُدافعي أتلتيكو مدريد في الحد من خطورة هجمات الريال. هذا الأخير امتلك حينها حلين لا ثالث لهما: المهارة الفردية لمارسيلو أو بنزيمة أمام غابة أرجل مُدافعي الأتلتي، أو البناء في العمق والارتكاز على إيسكو في ذلك، وهو أمر قام به باقتدار، وتسبب في خلق فرص كثيرة.
◄وبالحديث عن إيسكو، فأعتقد أنه كان من بين رجالات المُباراة اليوم. اللاعب الأندلسي حمل على عاتقه مسؤولية الخروج بالكرة وسط الضغط المُتقدم للاعبي أتلتيكو مدريد، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، وأرقامه تدل على ذلك: 9 مراوغات ناجحة، خلق فرصتين سامحتين للتسجيل، سدد 3 مرات على المرمى وطبعًا سجل هدف الخلاص للريال. كل ذلك مميز، لكن إيسكو يجتاج في رأيي لأن يكون أكثر نجاعة وأكثر فاعلية في ما يقوم به. من الجيد أن تراوغ، لكن من الأفضل أن تمرر كرة حاسمة بشكل سريع أو أن تمرر لزميل أمامه مساحة أكبر منك. إن تطور إيسكو في ذلك الشق، فسيفيد الريال أكثر بكثير.
◄أما الرجل الرائع في لقاء الليلة فقد كان من دون شك كريم بنزيمة الذي بصم على مُباراة كبيرة، وقد أكتفي بلقطة هدف الريال لتعرفوا عمّا أتحدث. المُهاجم الفرنسي عاد ليُظهر تفوقه الكبير في التحرك خارج منطقة الجزاء تاركًا مهمة رأس الحربة لكريستيانو رونالدو. صحيح أن اللاعب البرتغالي لم يستفد كثيرًا من تحركات كريم لأن المسافة بينهما كانت كبيرة على غير العادة، لكنه بالمقابل تمكن من إيجاد حل لشفرة دفاع اللوس كولتشونيروس في أكثر من مناسبة.
◄لن أبالغ إن وصفت خط دفاع ريال مدريد اليوم بالسيء جدًا، فالحقيقة أن وصول الأتلتي لوضعية انفراد بكيلور نافاس كانت متوقفة على نجاح زملاء جريزمان في القيام ب3 أو 4 تمريرات في الثلث الأخير من ملعب الريال. فاران قدم مباراة متواضعة في رأيي، وسيرخيو راموس افتقد للتركيز، ولولا كيلور نافاس لربما شاهدنا سيناريو آخر تمامًا في الشوط الثاني من اللقاء.
◄في نهاية المطاف، احتاج ريال مدريد كثيرًا اليوم للمهارة الفردية من أجل التفوق على الكثافة التي ظهر بها الأتلتي في المواجهات الثنائية. أرقام المراوغات الناجحة للاعبي الفريق الملكي تتحدث عن نفسها، فإيسكو وحده نجح في تسع مراوغات، مودريتش نفس الرقم، أما بنزيمة فقد نجح في 7 مراوغات، علمًا أن الأتلتي كاملًا لم يقم سوى ب8 مراوغات ناجحة. زيدان استفاد اليوم من قدرات لاعبيه الفردية كثيرًا من أجل الخروج من مأزق كان ليكون عويصًا لولا هدف إيسكو قبيل نهاية الشوط الثاني.
◄سأختم حديثي بالكلام عن كريستيانو رونالدو والإجابة على سؤال طُرح كثيرًا: لماذا عاد الدون للاختفاء اليوم؟ رونالدو لم يظهر اليوم بصورته المعتادة لأنه كان في رأيي أقل تحركًا من المباريات السابقة، وركز على العمق أكثر بكثير من الأطراف، كما أن غياب الجهة اليُمنى هجوميًا للفريق الملكي جعله وسط مساحات ضيقة جدًا كون سافيتش ومعه جودين لم يضطرا كثيرًا للخروج من مراكزهما من أجل مساعدة الظهيرين. كما قلت في تحليل سابق، نقطة قوة الدون تكمن في حركيته، وما إن يلتزم بمركز رأس الحربة حتى تقل خطورته بشكل كبير، وما حدث اليوم شاهد على ذلك.goal