فقر وجوع وألم.. هكذا يعيش الاردنيون في غور الصافي! - فيديو وصور
جو 24 :
كتب المهندس هشام خريسات - لم تستطع لذة الكباب وقطع اللحم البلدي المشوية بالفرن ولا الدجاج المدخن على الطريقة الغورانية ولا الباميا الشهية المتميزة التي اكرمنا بها مضيفونا في ختام رحلتنا الى غور الصافي مركز لواء الاغوار الجنوبية وثقلها السكاني ان تنسينا مرارة مشاهد الفقر المدقع والحاجة والعوز واليتم والحرمان والمعاقين والاسر المتكوبة التي غيب السجن معيليها بسبب الديون والقروض البنكية.
هذه المرارة التي ابكتنا رغم انوفنا اختلطت بشعور اعتزاز عظيم بجهود المتطوعين والمتطوعات من ابناء الاغوار الجنوبية ومن يقف سنداً لهم من ابناء وبنات الوطن الواحد وايجابية بعض نساء الاغوار المكافحات اللواتي ينتجن ويكدحن ويفتتن الصخر القاسي بايديهن الخشنة الدامية لتأمين لقمة الخبز لاطفالهن وايتامهن.
قامت مجموعات من المتطوعات باشراف شركة عالمية باجراء مسح شامل ومفصل لحوالي ستين الف مواطن يقطنون لواء الاغوار الجنوبية موزعين على ١١ قضاء لتخرج نتائج المسح بان ثلاثة الاف اسرة تضم اكثر من واحد وعشرين الفا من سكان الاغوار الجنوبية تحت خط الفقر المدقع بدرجات اي اكثر من ثلث السكان.
زرنا منزلاً لم نجد فيه سوى سبعة اطفال والدهم مسجون بسبب القروض ووالدتهم غائبة عن المنزل لعملها في مزارع البندورة والكهرباء والماء مقطوعة عنهم منذ شهور بسبب عدم قدرتها على دفع الفواتير ولا يوجد غاز للطبخ حيث يطبخون طعامهم الوحيد (قلاية البندورة) على الحطب.
وعائلة اخرى الزوج مصاب بجلطة ومرض (بهجت) لم يتعالج منه ويستخدم حفاظات ولديها ابنتان متفوقتان دراسيا (٨٧٪ في التوجيهي) وتدرسان التمريض في الجامعة الهاشمية وتسكنان في سكن طالبات على حساب الاسرة علما بان ما تتقاضاه الاسرة لا يتعدى مائتي دينار من التنمية الاجتماعية.
واسرة ثالثة لديها ست بنات وولد والزوج بلا عمل والام مصابة بالسرطان وتتعالج بالكيماوي في مستشفى البشير وتكلفها الزيارة الشهرية الى عمّان احياناً خمسين ديناراً علماً بانها تتقاضى من التنمية الاجتماعية مائة دينار فقط.
واسرة اخرى لديها من الابناء والبنات تسعة منهم معاق ومعاقة حركياً يزحفان زحفاً .. اقتربت من الانثى التي غطت اسراب الذباب وجهها ويديها وابتسامتها البريئة واعتقدت للوهلة الاولى انها طفلة لا تتعدى اربع او خمس سنوات بحجمها الصغير والضامر فصدمت عندما علمت ان عمرها ثلاثة وعشرون عاماً، وشقيقها مخلد ١٦ عاماً الذي خجل مني وادار ظهره لتظهر لنا ركبتاه المتيبستان كالصخر الابيض بسبب الزحف على الارض والتراب، وعلمنا ان ما تتقاضاه الاسرة عن هذين المعاقين معاً لا يتعدى تسعين ديناراً بالكاد يكفيهما ثمن حفاظات الكبار.
وزرنا اسرة تتكون من يتيمتين احداهما متزوجة ولديها طفلان وزوجها عاطل عن العمل ويسكنون في غرفتين من الطوب بلا اعمدة ولا دهان ولا قصارة ولا بلاط ولا مطبخ ولا حنفيات في الغرفتين الا من خزان ماء ولا زير ولا ثلاجة اطلاقاً ولا حتى زير ماء والحمام بلا باب ولا سقف مفتوح للسماء ولا صنبور ماء .. وهو مأوى لا يرتضيه الانسان حتى للدواب .. وكانت الشابة تطلب اربعمائة دينار لا لتشتري ثلاجة او مروحة في درجات حرارة تقارب الخمسين صيفاً وتلامس الاربعين في هذه الايام بل للتشتري ملابس بالجملة من العقبة وتبيعها لجاراتها وتؤمن الطعام لطفليها وشقيقتها.
وزرنا منطقة بجانب مركز شابات غور الصافي ففوجئنا بالمئات من البشر معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ متكدسين في طوابير تحت الشمس ينتظرون توزيع المكرمة الملكية السامية بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك.
ويالقرب من هذا المركز ثماني عائلات اردنية جرفت السيول منازلها المقامة على اراضيها المملوكة لها والمسجلة باسمها في شتاء عام ٢٠١٤، ومنذ ذلك الوقت وهم يقيمون في كرفانات صغيرة جداً تبرعت بها دولة قطر الشقيقة درجة الحرارة فيها في هذه الايام الباردة نسبياً تتجاوز ٤٥ درجة مئوية وامام الكرفانات بسقوف خشبية مهترئة ومشمعات بعضها لشركة زين وبشراشف وحرامات واقمشة تم نصب معرشات فيها لتقي الاطفال السمر وهج الشمس المحرقة ..
يقولون هذا رابع رمضان يمر علينا ونحن ندفع فواتير الكهرباء والماء حسب الاصول ولكن بلا منازل .. زارتهم معظم القنوات الفضائية الاردنية وبعض القنوات العربية المرموقة واجرت معهم لقاءات عديدة والتقطت معهم صورا تذكارية وغادرت الى فنادق عمان وقصورها وفللها وظلوا هم تحت لهيب الشمس المحرقة ..
هم يناشدون وزارة الاوقاف ووزارة التنمية الاحتماعية ولجان الزكاة والجمعيات الخيرية ونقابة المهندسين الاردنيين ونقابة المقاولين وجمعية المستثمرين في قطاع الاسكان ونقابة المهندسين الزراعيين وكل المتنعمين في مكاتبهم الفارهة وشققهم المكيفة وكل الذين يؤدون صلاة التراويح في مساجد عمّان الغربية المزخرفة والتي كلف بعضها ملايين الدنانير ان يتذكروا بان ثمانية اسر اردنية في غور الصافي لا يقل تعداد كل اسرة منها عن سبعة افراد هم للرمضان الرابع على التوالي بلا منازل علماً بان تكلفة بناء المنزل لكل اسرة في ذلك الموقع لا تزيد عن ((ثمانية الاف دينار)) فقط لا غير، اي ان تأمين الاسر الثمانية بمنازل مثالية حسب مقياس الاغوار الجنوبية لن يزيد كثيراً عن ستين الف دينار لجميع هذه الاسر المنكوبة معاً وهو مبلغ ربما تدفعه بعض الوزارات والمؤسسات والنوادي والجمعيات والتقابات بدل ضيافات بل وتدفعه بعض المساجد في المناطق الراقية بدل وجبات سحور.
في مقابل هذه المشاهد المؤلمة والقاسية كان لقاء مع الارملة ام خشمان وضرتها والتي ربت ١٨ طفلاً لها ولضرتها المسنة وقد قامت بعمل مشروع خلايا النحل حيث اشترت خليتين بمبلغ ٣٤٠ دينارا بمساعدة الحمعيات الخيرية وتقوم بقطفها مرتين في السنة وفي كل مرة تنتج ١٥ كيلو عسل تبيع الكيلو بعشرين ديناراً حتى استطاعت بانتاجها ان تزيد عدد الخلايا الى سبعة خلايا، ولكنها بحاجة الى فرازة قيمتها ١٨٠ دينارا لتستغني عن استئجار فرازة تكلفها عشرين دينارا وكيلو عسل، كما تقوم ام خشمان بانتاج خبز الشراك على الصاج والحطب وتستهلك شوال طحين وزن ١٠ كيلو وتبيع خبزها من خلال المخبز بنصف دينار للربطة يذهب منها عشرة قروش للمخبز وتتقاضى هي اربعين قرشاً..
استطاعت ام خشمان ان تؤمن دخلاً شهرياً من الخبز والعسل يزيد عن سبعمائة دينار تعتبر ثروة في منطقة مثل غور الصافي ..
وعشرات المتطوعات والمتطوعين يعملون من خلال عدة جمعيات ولجان خيرية رسمية تمكنوا في رمضان الفائت وخلال ٢٤ ساعة من استئجار ٧٤ حافلة وارسال الفين وستمائة يتيم الى حفل افطار في عمان مع مشرفتين لكل حافلة حيث حصل كل طفل بالاضافة الى وجبة من المطاعم الشهيرة على عيدية عشرين ديناراً وعاد جميع الاطفال الى بيوتهم مساء ذلك اليوم سالمين بفضل الله تعالى .. هذا الجهد التطوعي المذهل وغير العادي قوبل من احدى الوزارات الحكومية باجراء تحقيق مع المتطوعين وحل اللجنة المشرفة على النشاط لانها لم تقم بالحصول على الموافقات الخطية الروتينية اللازمة حسب الاصول.
قام المتطوعون واهل الخير بتجهيز مشغل خياطة لانتاج مراييل مدرسية تبيعها لاسر غور الصافي باقل من نصف الثمن حتى ان بعضها لا يتجاوز سعره ثلاثة دنانير وخمسة وسبعين قرشاً، اضافة الى تشغيل العديد من الفتيات، كما عقدت دورات لتعليم الفتيات فن المطرزات حيث يتم بيعها الى محلات التحف في عمّان بعشرة دنانير للمطرزة الواحدة وتقوم هذه المحلات ببروزتها وبيعها بما يزيد عن تسعين ومائة دينار.
كذلك تمكن هؤلاء المتطوعون من التشبيك مع مراكز ثقافية لتعليم اللغة الانجليزية في عمّان وارسال ستين من ابناء وبنات الاغوار الجنوبية للحصول على دورات مكثفة مجاناً علما بان تكلفة هذه الدورات تتراوح بين سبعمائة الى الف دينار للشخص الواحد مما ساعد في تأهيل ورفع سوية الامكانيات المهنية لهؤلاء الشباب والشابات وزيادة فرصهم لاقتحام سوق العمل.
كما تمكن المتطوعون من عقد دورات تقوية في المهارات الاساسيك للقراءة والكتابة باللغة العربية لطلاب المدارس في المرحلة الابتدائية استفاد منها ما يزيد على ٢٦٠ طالباً وطالبة.
اضافة الى فتح باب كفالة الايتام حيث يتم تخصيص راتب لوالدة اليتيم يصرف للمستفيد الاول من خلال شيك عبر البنك الاردني الوحيد الذي له فرع في الاغوار الجنوبية ..
تخيلوا في ١١ قضاء يقطنها ٦٠ الف مواطن لا يوجد الا فرع واحد لبنك واحد فقط ..
وكذلك زرنا مستشفى غور الصافي الوحيد الذي يخدم المنطقة واطلعنا على واقع مرضى الكلى الذين اشتكوا من عدم وجود اخصائي كلى ولا اخصائي اوعية دموية وعدم صلاحية المكيفات بشكل كاف وعدم توفر طاولات الخدمة الجرارة لاسرة المرضى وصعوبة المواصلات، علماً بان تركيب الوصلة الجراحية التي يتم تغييرها كل بضعة اشهر لم ضى غسيل الكلى لا يمكن اجراؤها الا في المدينة الطبية او مستشفيي حمزة والبشير في عمان، ولا تتوفر هذه الخدمة الطبية حتى في مستشفيات الكرك ..
آه ثم آه ثم آه .. وبعد ان تناولنا طعام الغداء الشهي الدسم من اللحوم البلدية والكباب والدجاج المدخن وتحدثنا عن كنوز الاثار التاريخية التي تمثلها كهوف سيدنا النبي لوط عليه السلام في الجبال الجرداء المطلة على غور الصافي ولم نتمكن من زيارتها غادرنا تلك البلدة التي لا يوجد في سوقها (ملحمة) واحدة لان اهلها ينتجون الخبز والعسل واللحم والملوخية وسلة خضروات الاردن ولان ارضها تنتج البوتاس والمنغنيز والبرومين والاملاح .. ولكنهم عاجزون عن سد رمق اطفالهم وكف لهيب الشمس المحرقة عن جباههم السمراء!
لمشاهدة الفيديو اضغط
لمشاهدة الفيديو اضغط
لمشاهدة الفيديو اضغط