رمضان وصوم الجوارح
جو 24 : من فقه الصيام أن يدرك الصائم الغاية والمقصد من صومه، حتى يكون له أثر في حياته وسلوكه، فالصيام نوعان: صوم أصغر وهو الإمساك عن المفطرات نهاراً إلى غروب الشمس، وصوم أكبر، وهو صوم القلب والجوارح عن كل ما حرم الله من النيات والأقوال والأعمال والأخلاق، ليلاً ونهاراً، بل طول العمر كله.
وهذا الصوم يبدأ من بلوغ الإنسان إلى أن يموت، والفطر منه بعد الموت في الجنة في نعيم مقيم، ومن رحمة الله أن جعل الصوم الأصغر وسيلة للشروع في الصوم الأكبر، الذي هو فعل ما أمر الله به، واجتناب كل ما نهى الله عنه كما قال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، أي لتتقوا المعاصي، فتزكوا أنفسكم وتضّيق مسالك الشيطان، وهذا المعنى -صوم الجوارح-، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم فقال "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
وقال ابن حجر "وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش،بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر قبول"، فقوله "ليس لله حاجة"، مجاز عن عدم القبول.
وخصت هذه في الحديث تنبيهاً على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها، وثانيهما: البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، واستدل بالحديث على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ"، وهو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام، فكيف يترك الصائم ما أحل الله تعالى ويقع فيما حرم.
لذلك حث نبينا صلى الله عليه وسلم الصائم على ضبط نفسه أثناء الصيام والتخلق بأخلاق الإسلام، فقال "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"، من فوائد هذا الحديث أنه أشار إلى الحكمة من فرض الصوم حيث قال صلى الله عليه وسلم "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب"، يعني: لا يقول قولاً يأثم به ولا يصخب فيتكلم بكلام صخب بل يكون وقوراً مطمئناً متأنياً فإن سابه أحد أو شاتمه فلا يرفع صوته عليه بل يقول: إني صائم، يقول ذلك لئلا يتعالى عليه الذي سابه كأنه يقول: أنا لست عاجزاً عن أن أقابلك بما سببتني ولكنّ صومي يمنعني من الرد عليك وعلى هذا فيقوله جهراً.
فالمسلم يجب أن يكون متميزاً بصومه، كما قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء"، وقال بعض العلماء "كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم، والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه".
فالناس في الصيام ليسوا على درجة واحدة، فقسّم الإمام الغزالي الصوم إلى ثلاث درجات، حيث قال "اعلم أن الصوم ثلاث درجات : صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم : فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية"، وصوم الصالحين: هو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
- الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره.
- الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش، والزامه السكوت وشغله بذكر الله وتلاوة القران فهذا صوم اللسان.
- الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه.
- الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الافطار، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام.
- الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، كيف يستفاد من الصوم إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته في نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؛ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة شهور.
- السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين.الغد
وهذا الصوم يبدأ من بلوغ الإنسان إلى أن يموت، والفطر منه بعد الموت في الجنة في نعيم مقيم، ومن رحمة الله أن جعل الصوم الأصغر وسيلة للشروع في الصوم الأكبر، الذي هو فعل ما أمر الله به، واجتناب كل ما نهى الله عنه كما قال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، أي لتتقوا المعاصي، فتزكوا أنفسكم وتضّيق مسالك الشيطان، وهذا المعنى -صوم الجوارح-، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم فقال "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".
وقال ابن حجر "وقال البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش،بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر قبول"، فقوله "ليس لله حاجة"، مجاز عن عدم القبول.
وخصت هذه في الحديث تنبيهاً على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيرها، وثانيهما: البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، واستدل بالحديث على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ"، وهو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام، فكيف يترك الصائم ما أحل الله تعالى ويقع فيما حرم.
لذلك حث نبينا صلى الله عليه وسلم الصائم على ضبط نفسه أثناء الصيام والتخلق بأخلاق الإسلام، فقال "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"، من فوائد هذا الحديث أنه أشار إلى الحكمة من فرض الصوم حيث قال صلى الله عليه وسلم "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب"، يعني: لا يقول قولاً يأثم به ولا يصخب فيتكلم بكلام صخب بل يكون وقوراً مطمئناً متأنياً فإن سابه أحد أو شاتمه فلا يرفع صوته عليه بل يقول: إني صائم، يقول ذلك لئلا يتعالى عليه الذي سابه كأنه يقول: أنا لست عاجزاً عن أن أقابلك بما سببتني ولكنّ صومي يمنعني من الرد عليك وعلى هذا فيقوله جهراً.
فالمسلم يجب أن يكون متميزاً بصومه، كما قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء"، وقال بعض العلماء "كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم، والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه".
فالناس في الصيام ليسوا على درجة واحدة، فقسّم الإمام الغزالي الصوم إلى ثلاث درجات، حيث قال "اعلم أن الصوم ثلاث درجات : صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم : فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية"، وصوم الصالحين: هو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
- الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره.
- الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش، والزامه السكوت وشغله بذكر الله وتلاوة القران فهذا صوم اللسان.
- الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه.
- الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الافطار، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام.
- الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، كيف يستفاد من الصوم إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته في نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؛ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة شهور.
- السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين.الغد