خروج أكبر المسلسلات السورية من سباق رمضان.. لماذا فشلت الدراما في الوصول للمشاهد العربي هذا العام؟
وفي أول أيام الموسم الرمضاني، شهر التخمة الدرامية، سيفتقد كثيرون لحضور المسلسلات السورية التي تغيب عن الشاشات العربية بشكل لافت، مع خروج ثمانية أعمال كبرى من السباق الرمضاني بشكل مفاجئ، خلال اليومين السابقين، ما يعادل ثلث الإنتاج الإجمالي لهذا العام تقريباً، فيما يمكن اعتباره أسوأ موسم لصانعي الدراما المحليين على الإطلاق.
معظم الأعمال التي تأجلت تقع في فئة الأعمال الاجتماعية المعاصرة وهي "ترجمان الأشواق"، "شبابيك"، "آخر محل ورد"، "فوضى"، "الغريب"، أما مسلسلا "سايكو"، "هواجس عابرة" فهما مسلسلان كوميديان إضافة لمسلسل وحيد من فئة البيئة الشامية هو "وردة شامية" الذي يعتبر النسخة السورية عن قصة ريا وسكينة الشهيرة. وكلها أعمال تزخر بالنجوم والأسماء التي تجذب الجمهور والمحطات على حد سواء (سلافة معمار، كاريس بشار، مكسيم خليل، رشيد عساف، شكران مرتجى، ..).
يصبح الوضع قاتماً أكثر بالنظر إلى أن بقية الأعمال، باستثناء أعمال البيئة الشامية ومسلسل "أوريكيديا" الملحمي - الفانتازي ومسلسل "حكم الهوى" الرومانسي، لن تعرض إلا على شاشات التلفزيون السورية الرسمية وشبه الرسمية فقط، أما مسلسل "لست جارية" الذي تعرضه قناة "الجديد" فهو مشروع واجه أزمة تسويق من العام الماضي، بينما مسلسلات "شوق" و"اهل الغرام" و"الرابوص" التي تعرض على قنوات لبنانية فكلها عرضت مسبقاً قبل أشهر وانتشرت عبر الإنترنت أيضاً.
ومنذ الثورة السورية، وانقسام العاملين في الدراما من فنانين ومخرجين وفنيين وكتاب وفق ميولهم السياسية، وهجرة العديد منهم خارج سوريا وفرض قوانين رسمية ضد أسماء بارزة منهم لمنعهم من العمل في إنتاجات سورية بحتة، بات واضحاً ان الدراما المحلية تتجه نحو أزمة وجودية ناتجة عن تراكم أزماتها القديمة التي لم تجد حلولاً، كحقيقة أن معظم الشركات الإنتاجية في البلاد كانت مجرد شركات تنفيذية برؤوس اموال خليجية، وأزمة كتاب السيناريو والنصوص، والتكرار في الأفكار، والجمود البصري الذي لم يتغير منذ أكثر من عشر سنوات، فضلاً عن عدم وجود سوق تصريف محلي لها، لعدم وجود قنوات سورية أصلاً في ظل النظام الشمولي الحاكم.
يضاف إلى ذلك، مشاكل تقنية كثيرة سواء في نوعية القصص المملة التي تكرر نفسها والأحاديث المفتعلة وابتعاد الدراما من وظيفتها في خلق التسلية والترفيه إلى منتج تثقيفي يجب أن يحمل مضامين اجتماعية أو مضامين سياسية، ما جعل الدراما السورية عاماً بعد عام تتجه نحو المباشرة في الطرح وتبتعد عن الخيال وقص الحكايات، وكلها مشكلات كافية لجعل المشاهدين ينفرون مع وجود بدائل مبهرة، سواء في الأعمال المصرية المتقدمة أو في الأعمال اللبنانية والتركية والعربية المشتركة، وحتى المسلسلات الأميركية والعالمية المنتشرة بشكل كبير عبر الإنترنت والقنوات الفضائية، والتي أسهمت أيضاً في رفع الذائقة الفنية وكشفت حقيقة العيوب التي تعاني منها الدراما السورية بوضعها أمام البديل الأفضل، وخاصة من الناحية البصرية والتقنيات الإخراجية والتصويرية.
بالتالي، من غير المنطقي الحديث عن نظرية المؤامرة التي تقوم بها القنوات العربية ضد الدراما السورية، على أنها السبب وراء عثرات تلك الأعمال، وهو التفسير النمطي الذي كان رائجاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار هاشتاغ #أنا_مع_الدراما_السورية، خاصة أنه لم تكن توجد مقاطعة للدراما السورية طوال السنوات الست الماضية، وهو ما كشفه بعض أصحاب الأعمال نفسها، كالممثلة أمل عرفة، والذين أكدوا أن المانع وراء عرض أعمالهم هو انتظار السعر المناسب، مع إحجام المحطات عن دفع أسعار عالية، فقط.
النظرية تتردد منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وتقسيم النظام السوري للإعلام العربي إلى حليف وعدو، كمبرر سهل يلعب فيه صانعو الدراما دور الضحية بدل الاعتراف بمشاكلهم والعمل على حلها، أو إفساح المجال لغيرهم بالعمل، بما في ذلك أسماء كبيرة باتت كارثية أبرزها أمل عرفة التي تكتب وتنتج وتغني وتمثل 5 شخصيات في مسلسل "سايكو" الذي خرج من خريطة العرض.
ووفق النظرية فإن الإعلام الخليجي والعربي "المعادي لسوريا" يرفض عرض الأعمال السورية من أجل القضاء على الدراما السورية، المؤيدة للنظام تحديداً، وهو ما انتفى طوال السنوات الماضية مع عرض القنوات المختلفة للمسلسلات من دون تمييز، وتم التأكيد عليه هذا الموسم بوضوح نظراً لأن مسلسل "آخر محل ورد" الذي تأجل هذا الموسم، يضم كافة نجوم المعارضة السورية البارزين تقريباً (يارا صبري، سامر المصري، ماهر صليبي،..) وكان من المنتظر أن يقدم دراما اجتماعية من خضم النقاشات السياسية الحالية للسوريين وحياتهم.
ويجب القول أنه لو كانت الأعمال المنتجة هذا العام جديرة بالعرض ومبتكرة وجديدة في طروحاتها، لوجدت طريقها إلى الشاشات من دون شك، مثل بقية الأعمال التي عرضت في السنوات الماضية، وتحديداً تلك المسلسلات النادرة التي أنقذت المواسم السابقة "نقدياً" و"جماهيرياً" بسبب جودتها الاستثنائية وتحديداً مسلسلي "قلم حمرة" و"غداً نلتقي"، وبدرجة أقل مسلسل "الندم" الذي حصد ضجة كبيرة العام الماضي لعدم وجود أعمال جيدة تكشف رداءته فقط. كما أنه لا يوجد منطق في رفض قناة ما لعرض منتج جيد بالمطلق أو المراهنة على مسلسل رفيع المستوى تحجم بقية القنوات عن عرضه، كحالة قناة "السومرية" التي كان عرضها لمسلسل "قلم حمرة" قبل أعوام بشكل حصري نجاحاً باهراً لها.